بين أوهام التقدم وصراعات الهوية: دعوة الدكتور سيف الإسلام لإعادة اكتشاف الحوار

محمد التفراوتيمنذ 14 دقيقةآخر تحديث :
بين أوهام التقدم وصراعات الهوية: دعوة الدكتور سيف الإسلام لإعادة اكتشاف الحوار

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

محاضرة للدكتور سيف الإسلام عبد النور حول “التسامح والحوار في زمننا” تنظمها مؤسسة الثقافة والتسامح الديني (FCTR)

في سياق جهودها المتواصلة لتعزيز قيم التفاهم بين الأديان والثقافات، نظمت مؤسسة الثقافة والتسامح الديني (FCTR) محاضرة فكرية للدكتور سيف الإسلام عبد النور رئيس منتدى إبراهيم للحوار الديني والثقافي بمدريد حملت عنوان: “التسامح والحوار في زمننا”، وذلك بحضور نخبة من الأكاديميين والمفكرين والمهتمين بقضايا الحوار والتعايش.

تأسيس المؤسسة وسياق رسالتها العالمية

تأتي هذه المحاضرة في إطار المبادرات التي أطلقتها المؤسسة منذ تأسيسها في 13 ديسمبر 2018 في مدريد، بمبادرة من الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح الإماراتي، بهدف ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والديانات على مستوى عالمي.وتنظم المؤسسة عددا من البرامج الثقافية والتوعوية، من بينها “برنامج التسامح لتبادل الثقافات”، الذي يشمل زيارات علمية وثقافية للجامعات والمعارض والمراكز البحثية في إسبانيا، ويتيح فرص تبادل ثقافي بين الشباب الإماراتي والإسباني. وتكمل هذه المبادرات اليوم سلسلة واسعة من الأنشطة التربوية والدبلوماسية التي تهدف إلى نشر قيم الانفتاح العالمي. وفي هذا الإطار كان هذا اللقاء الذي حاول تسليط الضوء على الحالة الراهنة التي يعيشها العالم وسبل تجاوز المشاكل التي تعيشها مجتمعات اليوم.

تشخيص لأزمة العصر: سقوط وهم التقدم الحتمي

استهل الدكتور سيف الإسلام عبد النور محاضرته بتحليل نقدي لفكرة “التقدم الخطي” التي ارتبطت بعصر الأنوار، مؤكدا أن أحداث القرنين العشرين والحادي والعشرين، من الحروب إلى الأزمات والاستقطاب الذي تعيشه الكثير من المجتمعات، كشفت هشاشة الاعتقاد بأن البشرية تتجه حتما نحو مستقبل أفضل، وبأن كل فترة مستقبلية ستكون حتما أفضل من سابقتها.

وأشار إلى أن الأزمة المناخية، واتساع الفوارق الاجتماعية، وتجدد النزاعات الهوياتية، كلها دلائل على أن التقدم مسار هش وقابل للانتكاس، مستحضرا أفكار فلاسفة مثل “فالتر بنيامين” و”حنة آرنت” و”ميشيل فوكو” الذين كشفوا تناقضات المشروع الحداثي.

بين التفاؤل والتشاؤم: نحو رؤية واقعية للتقدم

وأوضح أن التقدم لا يتحقق تلقائيا، بل يحتاج إلى يقظة دائمة والتزام أخلاقي وقرارات حازمة، مذكرا بأن العالم في العقدين الأخيرين خاب أمله في قدرة المؤسسات الدولية على حفظ السلم في ربوع المعمور.

الأدب مرآة للتحولات: رواية “الهويات القاتلة” نموذجا

وانتقل إلى قراءة أدبية لكتاب “الهويات القاتلة” لأمين معلوف، معتبرا أنها تقدم مفتاحا لفهم صراعات الهوية اليوم، حيث يتحول الاختلاف إلى عنف عندما يختزل الإنسان في هوية واحدة متصلبة لا تقبل المختلف والدخيل في تجاهل لطبيعة الهوية التي هي مشروع مفتوح وبناء متواصل. كما أوضح أن الخطابات الرقمية و”غرف الصدى” زادت من حدة الاستقطاب.

مظاهر التوتر العالمي بين 2020 و 2025

استعرض الدكتور عبد النور أبرز ملامح المشهد العالمي والمشاكل التي تعيشها المجتمعات في قارات العالم الخمس وصولا إلى موجات النزوح الناتجة عن الأزمات المناخية. وأشار إلى خطاب متنام يبحث عن “كبش فداء”، وغالبا ما يحمل الآخر المختلف مسؤوليات متناقضة.

التسامح والحوار: من الامتناع السلبي إلى الاعتراف الحقيقي

شدد الدكتور عبد النور على ضرورة الانتقال من مفهوم التسامح بوصفه سماحا سلبيا إلى تسامح فعال، قائم على العدالة الاجتماعية والاعتراف المتبادل. فالتسامح من موقع قوة، كما قال، قد يتحول إلى “إحسان من فوق”، بينما يقوم الحوار الحقيقي على الندية والاحترام.

كما استحضر الفلسفة التأويلية لـ “غادامير” ليؤكد أن الحوار قبل أن يكون نقاشا هو عملية إصغاء ولقاء بين آفاق معرفية تبحث عن الفهم لا الانتصار.

الدين ودوره الأخلاقي في زمن الارتباك

وفي ختام المحاضرة، شدد الدكتور عبد النور على الدور الأخلاقي العميق الذي يمكن للأديان أن تلعبه اليوم، من خلال مساعدتنا على فهم تعقيدات العصر وتذكيرنا بأن مستقبل البشرية مشترك. وقال إن العالم يقف أمام مفترق طرق: إما أن نتقدم معا… أو نغرق معا. من جانبه أكد الدكتور مصبح سعيد الكتبي، نائب رئيس مجلس الأمناء ومدير عام مؤسسة الثقافة الإسلامية والتسامح الديني في مدريد أن المؤسسة تمضي قدما في برامجها وأنشطتها ونهجها الذي أنشأت من أجله وهو نشر قيم التسامح والسلام والحوار بين الشعوب عامة والأديان والشرائع خاصة، وتتخذ لذلك النهج وسائل متنوعة يرتجى من خلالها ايصال تلك القيم النبيلة، وذلك من خلال تنظيم مؤتمرات وفعاليات تجمع رجال الدين وتفتح لهم أبواب الحوار والنقاش في ما بينهم والسبب في ذلك أن رجال الدين لهم تأثير كبير على مجتمعهم وتابعيهم، أيضا من خلال المثقفين والأكاديميين فلهم متابعيهم وطلبتهم وقنواتهم الكثيرة لإيصال هذه القيم لهم، ومن ضمنهم محاضرنا اليوم الدكتور سيف الاسلام، فهو من الأكاديميين المثقفين والمعروفين في الوسط الثقافي من سنوات وهو من دعاة الحوار دائما. وكذلك من الوسائل الأخرى التعليم ولهذا تطرق هذا الباب لنشر قيم التسامح والحوار بين الطلبة والدارسين لينقلوها بدورهم لمجتمعهم الكبير. وقد سعت المؤسسة منذ انضمامها إلى المجلس العالمي للتسامح والسلام في عام 2023 على العمل بشكل أوسع على المستوى الإقليمي والدولي في مجالات التسامح والسلام وحوار الأديان. هذا التعاون عزز من فاعليتها وأسهم في تعزيز مكانتها كفاعل رئيسي في نشر قيم التسامح والتفاهم على المستويين المحلي والدولي اختتمت المحاضرة بنقاشات واسعة تواصلت بعد الجلسة، عكست اهتمام الحاضرين بقضايا الهوية والتسامح والحوار، وأبرزت الحاجة المتجددة لرؤية عقلانية وإنسانية تعيد بناء الثقة في المستقبل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!