آفاق بيئية: محمد التفراوتي
في إطار فعاليات المنتدى الإقليمي الذي احتضنته العاصمة المصرية القاهرة ما بين 21 و23 أكتوبر 2025، نظم مكتب معلومات البحر المتوسط للبيئة والثقافة والتنمية المستدامة (MIO-ECSDE)، بالشراكة مع مشروع دعم المياه والبيئة في جنوب البحر المتوسط (WES-BCA) وبرنامج البحر الأبيض المتوسط الممول من مرفق البيئة العالمية (GEF)، وباستضافة وتنسيق من الشبكة العربية للبيئة والتنمية (رائد) وبدعم من الاتحاد الأوروبي، منتدى متوسطي للأطراف المعنية تحت شعار: “تحفيز التحول السلوكي من أجل مستقبل متوسطي مستدام”.
وشهد المنتدى مشاركة واسعة من ممثلي منظمات المجتمع المدني، والجامعة العربية، والبرلمانيين، والخبراء، والصحفيين، إضافة إلى المنظمات النسائية والشبابية من ضفتي البحر المتوسط، حيث ناقش المشاركون سبل تعزيز العمل المناخي وتكامل الجهود البيئية والتنموية في المنطقة.
وفي إحدى الجلسات العلمية البارزة، قدم البروفيسور “جويل غيو” (Joel GUIOT)، المنسق المشارك لشبكة MedECC (الشبكة المتوسطية لتقييم التغير المناخي والبيئي)، عرضا علميا شاملا، عن بعد، بعنوان:”المحركات المناخية والبيئية للتغير في المناطق الساحلية”، تناول فيه أبرز المخاطر والتحديات والفرص التي يواجهها حوض البحر الأبيض المتوسط في ظل التغيرات المناخية والبيئية المتسارعة، مسلطا الضوء على ضرورة تبني سياسات متكاملة وتشاركية لحماية المناطق الساحلية ودعم قدرتها على التكيف.
شبكة MedECC ومهمتها
أوضح المتحدث أن الشبكة المتوسطية لتقييم التغير المناخي والبيئي (MedECC) تأسست سنة 2015 كمنصة علمية مستقلة تهدف إلى تقييم المخاطر البيئية والمناخية في المنطقة المتوسطية.
وقال إن الشبكة تعمل كـواجهة علمية، سياسية إقليمية، تربط البحث العلمي بصانعي القرار، وتساهم في تحسين السياسات العمومية لضمان رفاه الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأشار إلى أن عمل الشبكة يستند إلى عملية علمية صارمة تشمل اختيار مؤلفين على أساس الكفاءة والتوازن الجغرافي والجندري، و الاعتماد على الدراسات المحكمة، و مراجعة مفتوحة من قبل المجتمع العلمي، ثم ضمان تتبع مصادر المعلومات وشفافيتها.
وأكد أن تقارير الشبكة المتوسطية لتقييم التغير المناخي والبيئي (MedECC) ليست وصفية فحسب، بل تقدم تحليلا معرفيا يمكن صناع القرار من اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة، دون أن تكون تقارير موجهة سياسيا.
التغير في المناطق الساحلية (Coastal Risks)
و أفاد “جويل غيو” (Joel GUIOT) أن المناطق الساحلية المتوسطية تواجه مخاطر متزايدة من الفيضانات، التعرية الساحلية، وارتفاع مستوى البحر.
وقال إن الإجراءات الهندسية التقليدية (مثل الحواجز والسدود) تفتقر إلى الفعالية طويلة الأمد لأنها لا تأخذ في الحسبان توقعات ارتفاع منسوب البحر مستقبلا.
وفي المقابل، أكد أن الحلول القائمة على الطبيعة (Nature-Based Solutions) تظهر إمكانيات واعدة، لكنها تتطلب تنازلات في استخدام الفضاءات والمنافع.
وأشار إلى أن نقل البنى التحتية أو السكان من بعض المناطق الحساسة يمكن أن يكون خيارا ناجحا إذا تم التخطيط له بشكل عادل ومنظم.
كما شدد على أن تحقيق مستقبل قابل للعيش يتطلب تحولا جذريا (Transformative Action) في جميع القطاعات والأنظمة والمستويات، لأن إجراءات التكيف الحالية غير كافية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ترابط المياه والطاقة والغذاء والأنظمة البيئية (WEFE Nexus)
و بين “جويل” (GUIOT) أن منطقة المتوسط تعد نقطة ساخنة مناخيا (Climate Hotspot)، إذ تعاني من ارتفاع يفوق المعدل العالمي في درجات الحرارة، و ندرة في المياه، وتدهور في النظم البيئية.
وأكد أن هذه التغيرات تهدد الأمن الغذائي والمائي والطاقة وتؤثر على معيشة ملايين السكان.
وأضاف أن مفهوم ترابط المياه والطاقة والغذاء والبيئة (WEFE Nexus) يمثل إطارا متكاملا لمعالجة هذه الترابطات، من خلال.تعزيز التآزر بين القطاعات، و إدارة المفاضلات (Trade-offs)، وتبني حلول متكاملة ومستدامة تدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs).
وأشار إلى أن الحوكمة المنسقة عبر القطاعات ضرورية لتجاوز التحديات، من خلال توحيد السياسات وتعزيز التعاون واستعمال المعرفة العلمية في اتخاذ القرار.
كما أوضح وجود فرص واعدة للتخفيف والتكيف، من قبيل الطاقات المتجددة، و الزراعة المستدامة، و الحلول القائمة على الطبيعة، وتحسين كفاءة الري.
التغير البيئي، الهجرة، والنزاعات
و قال “جويل غيو” (Joel GUIOT) إن النزاعات المسلحة لها عواقب غير مباشرة خطيرة على البيئة والاقتصاد، مثل تدمير البنى التحتية والمنشآت الصناعية والتجارية.
وأضاف أن النزاعات، الاضطهاد، المجاعات والكوارث الطبيعية تسببت في نزوح أكثر من 68 مليون شخص داخل حوض المتوسط حتى نهاية سنة 2017.
وأشار إلى أن تدفق المهاجرين واللاجئين يشكل تحديات كبرى للمجتمعات المضيفة، مما يؤدي أحيانا إلى توترات وصراعات محلية. وأكد أن قابلية المجتمعات للتأقلم وقدرتها على الصمود على المستويين المحلي والإقليمي تلعب دورا حاسما في تقليل المخاطر العامة.
وشدد على أن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تستفيد بشكل كبير من التعاون الإقليمي وكسر الحواجز الدبلوماسية البيئية، للتخفيف من المعاناة الإنسانية الناتجة عن التفاعل بين التغير البيئي، الهجرة، والنزاعات.
تطور تقارير MedECC (2015–2025)
و استعرض المتحدث المسار الزمني لعشر سنوات من عمل الشبكة مند 2015 سنة إنشاء MedECC. وسنة
2020 صدور أول تقرير تقييم (MAR1) وحصوله على جائزة الشمال والجنوب لمجلس أوروبا. ثم سنة 2021 التي شهدت المصادقة على الملخص الموجز لصناع القرار (SPM) في مؤتمر الأطراف COP22. وكذا سنة 2022 التي عرفت المساهمة في التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC AR6). هذا فصلا عن إصدار تقريرين خاصين حول التغير المناخي، وترابط WEFE والمخاطر الساحلية سنة 2024
ليعقبه التحضير لتقرير جديد (MAR2) حول التغير البيئي، النزاعات والهجرة البشرية سنة2025.
اختتم Joel GUIOT عرضه بالتأكيد على أن تحقيق التنمية المستدامة في المتوسط لن يكون ممكنا دون عمل مشترك بين العلماء، صانعي السياسات، والمجتمعات المحلية. وشدد على أن التعاون، والتكامل بين العلوم والسياسات، وتغيير السلوكيات الفردية والجماعية هي مفاتيح الوصول إلى مستقبل متوازن بيئيا واجتماعيا واقتصاديا.
























