آفاق بيئية: محمد التفراوتي
شهد مقر الأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع استئناف محادثات اللجنة التحضيرية لاتفاقية المحيطات الشمالية الغربية، في إطار السعي لوضع أولى اللبنات العملية لتنفيذ معاهدة أعالي البحار (BBNJ). وقد دعا ناشطون وعلماء وممثلون عن المجتمعات الأصلية، إلى جانب منظمة السلام الأخضر، الحكومات إلى الاتفاق على عملية إنشاء مناطق محمية بحرية بموجب المعاهدة التاريخية، التي يرتقب أن تدخل حيز النفاذ خلال الأشهر المقبلة عقب سلسلة من التصديقات الوطنية.
وتعد المعاهدة، التي تم التوصل إليها بعد سنوات من التفاوض، أداة مفصلية لتحقيق الهدف العالمي بحماية 30 في المائة من المحيطات بحلول عام 2030، وهو التزام أقرته الدول ضمن إطار “كوب 15 للتنوع البيولوجي”.
أصوات من الجنوب العالمي: بناء القدرات أولوية
أكد البروفيسور “باباجيد ألو”، المستشار العلمي والمفاوض الرئيسي في المعاهدة (BBNJ) من نيجيريا، أن “العلم واضح، المحميات البحرية أداة حاسمة للحفاظ على التنوع البيولوجي وضمان الأمن الغذائي لمليارات البشر”. مشددا على أن إفريقيا، بما تمتلكه من نظم بيئية ساحلية وبحرية كبرى مثل خليج غينيا والبحر الأحمر، بحاجة إلى تعزيز دور علمائها المحليين.
وأشار إلى أن بناء القدرات ونقل التكنولوجيا يمثلان ركيزة أساسية لضمان عدالة بيئية حقيقية، وتقليص الاعتماد على الخبراء الخارجيين.
المطالبة بعدالة بيئية متجذرة في المعرفة المحلية
من جانبها، دعت “نويل يونغ”، مندوبة العدالة البيئية من برمودا، إلى أن يصبح بحر “سارجاسو” من أوائل المناطق البحرية المحمية بموجب المعاهدة. وقالت: “كل ما نحن عليه في برمودا مرتبط ارتباطا وثيقا بصحة هذا النظام المحيطي الفريد”.
وطالبت بتمكين برمودا والجزر الأخرى من لعب دور قيادي في إدارة المحميات البحرية، على أساس الجمع بين المعرفة العلمية والتقليدية، وإشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار.
غرينبيس: لا نريد “حدائق ورقية”
وحذرت “ميغان راندلز”، رئيسة وفد منظمة غرينبيس في المملكة المتحدة، من أن تبقى المعاهدة حبرا على ورق، إذا لم ترفق بآليات صارمة لإدارة الأنشطة البشرية المدمرة، مثل الصيد الصناعي و استغلال المعادن في أعماق البحار.
وقالت: “الفرصة متاحة أمام الحكومات لتجاوز سنوات من الجمود، وتحويل المعاهدة إلى ثورة في حوكمة المحيطات، بدل أن تظل مجرد إعلان نوايا”.
قراءة تحليلية: بين الطموح والتنفيذ
و رغم الزخم الإيجابي، تكشف هذه المحادثات عن ثلاثة تحديات رئيسية. تتجلى في الفجوة بين الشمال والجنوب، أي أن من دون آليات حقيقية لبناء القدرات ونقل التكنولوجيا، قد تبقى إدارة المحيطات رهينة الخبرة الغربية، ما يكرس التبعية بدل الاستقلالية. ثم الاعتراف بالمعرفة التقليدية من خلال دمج أصوات المجتمعات المحلية والأصلية، كما طالبت برمودا، شرط أساسي لتحقيق عدالة بيئية حقيقية. هذا فضلا عن الإرادة السياسية وحوكمة أعالي البحار، ذاك أن الخلاف لا يزال قائما حول تقاسم المسؤوليات والسلطات في مناطق لا تخضع لسيادة الدول.
يشار أن نجاح المعاهدة (BBNJ) يبقى رهينا بقدرتها على إحداث تغيير ملموس في إدارة أعالي البحار، وتحقيق توازن بين حماية التنوع البيولوجي وضمان حقوق المجتمعات التي ارتبطت بالمحيط عبر التاريخ. وبينما ينتظر العالم دخول المعاهدة حيز النفاذ، فإن التحدي الأكبر يكمن في ترجمة الطموحات البيئية إلى واقع عملي يغير مستقبل المحيطات.