الجهوية المتقدمة في مواجهة التغيرات المناخية: من التكيف إلى التحول

محمد التفراوتي20 يوليو 2025آخر تحديث :
الجهوية المتقدمة في مواجهة التغيرات المناخية: من التكيف إلى التحول
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
بين جنبات “دار المنتخب” في مراكش، التأمت إرادات جهوية متعددة خلال الورشة الجهوية الثانية التي نظمتها جمعية جهات المغرب (ARM) بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD)، يومي 17 و18 يوليوز 2025. كان العنوان واضحا: “نحو جيل جديد من برامج التنمية الجهوية (PDR) المستجيبة للمناخ”. لكن خلف العنوان، تكمن معارك فكرية وعملية، من أجل وضع المناخ في قلب التخطيط الجهوي، ومن ثم، قلب نموذج التنمية المغربي رأسا على عقب.
من التكيف إلى التحول: الجهة كمحرك للتغيير
التغير المناخي لم يعد مجرد تهديد بيئي، بل بات يعيد رسم ملامح المجتمعات والهويات الجغرافية. في هذا السياق، لا يكفي أن تضع الجهات برامج للتكيف مع آثار التغيرات المناخية (حرائق، جفاف، ندرة المياه…)، بل يتعين عليها أن تقود تحولا تنمويا شاملا يعيد النظر في منطق التدبير الترابي بأكمله. ذلك يتطلب إعادة توجيه الاستثمارات نحو مشاريع مستدامة. و تفعيل أدوات التخطيط المناخي كـ(PADCR) كمرجعية إلزامية. وكذا
توسيع هامش القرار الجهوي في الملفات البيئية.
التخطيط المناخي: بوابة للعدالة المناخية المجالية
تشكل الجهات منصات استراتيجية لتحقيق عدالة مناخية محلية، في مواجهة تركز السياسات والمشاريع في المركز. الورشة كشفت أن الجهوية ليست فقط أداة للحكامة، بل أيضا أداة لإعادة توزيع المخاطر والفرص بشكل عادل، خاصة نحو المناطق المهمشة مثل الواحات والجبال المعرضة للجفاف. و المناطق الساحلية المهددة بارتفاع مستوى البحر. ثم معاناة القرى من هجرة المناخ.
من هنا، يصبح التخطيط المناخي مسؤولية اجتماعية بقدر ما هو تقنية.
من الورشات إلى السياسات: الحاجة إلى تفعيل التوصيات
وقد تكون مثل هذه الورشات زاخرة بالأفكار، لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل التوصيات إلى التزامات واضحة. فهل نملك في المغرب آلية تمويل جهوية خاصة بالمناخ؟ او شبكة تقنية جهوية تواكب إعداد وتنزيل برامج التكيف؟  تفعيلا صريحا لمقتضيات المادة 145 من الدستور التي تعطي للجهة سلطة حقيقية في التنمية المستدامة؟
إن غياب الترجمة المؤسساتية للنتائج يفقد الورشات زخمها، ويضعف الرصيد المتراكم في تجربة التخطيط المناخي الجهوي.
الجهوية والمناخ: أدوار متجددة في زمن الأزمات
بات من المؤكد أن الجهوية، في سياق تغير المناخ، لم تعد مجرد مستوى إداري، بل أصبحت مختبرا للابتكار المناخي المحلي. من الزراعة الذكية إلى الطاقات المتجددة. و فاعلا في الدبلوماسية المناخية اللامركزية، عبر شراكات مع جهات دولية. و ضامنا لاستدامة المشاريع بتكييفها مع الواقع الجهوي والهشاشة المحلية.
وكشفت الورشة عن آفاق واسعة لجهات مثل سوس ماسة وبني ملال، في الريادة الوطنية للمشاريع المناخية المجالية، بما يتيح تعميمها على باقي جهات المملكة.
التحدي الصامت: غياب قاعدة بيانات مناخية جهوية
وتطفو على السطح عدة عقبات أساسية تعرقل التخطيط المناخي الجهوي من قبيل ضعف المعطيات المناخية الدقيقة على مستوى الجهات. فكيف يمكن الحديث عن تشخيص للهشاشة دون نظم معلومات مجالية محدثة؟ و
معطيات مندمجة بين الأرصاد الجوية، والمجالس الجهوية، والمندوبية السامية للتخطيط؟ و مؤشرات ميدانية خاصة بتأثير التغيرات المناخية على الأنشطة الاقتصادية؟
إن تجاوز هذا العائق يتطلب استثمارا في البنية الرقمية والمعلوماتية للجهات، وربط ذلك بالذكاء الترابي.
الاقتصاد القروي والتكيف المناخي: حلقة مفقودة
لا تنمية مناخية حقيقية دون إدماج العمق القروي في التخطيط المناخي. والمفارقة أن المناطق الأكثر هشاشة هي في الوقت نفسه أكثر غنى من حيث المعارف التقليدية وأساليب الصمود. من هنا، فإن دعم الفلاحين الصغار عبر تقنيات التكيف (الري بالتنقيط، الزراعة العضوية). و تعزيز سلاسل القيمة المستدامة ( أركان، الأعشاب الطبية، التين الشوكي…). و خلق صناديق محلية لتمويل الاقتصاد الاجتماعي والبيئي، كلها خطوات ضرورية لجعل برامج التنمية المناخية متجذرة في ترابها وساكنتها.
 نحو هندسة مناخية للجهوية المتقدمة
يذكر أن الورشة الثانية التي نظمت بمراكش ليست مجرد حلقة ضمن سلسلة لقاءات تقنية، بل تشكل محطة مفصلية في مسار الجهوية البيئية بالمغرب. لقد آن الأوان لإحداث نقلة نوعية، تتجاوز لغة التوصيات، نحو منظومة من السياسات والإجراءات التي تجعل من المناخ رافعة تنموية لا عبئا ظرفيا. فالمناخ لم يعد مجرد معطى بيئي، بل محدد رئيسي لمستقبل العدالة المجالية، والسيادة الغذائية، والأمن الاجتماعي.

وعليه هل تملك الجهات الشجاعة والرؤية لتكون فاعلا رئيسيا في هذا التحول؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!