آفاق بيئية : محمد التفراوتي
نظم معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة و الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان والمعهد الوطني للبحث الزراعي بمدينة زاكورة (جنوب المغرب ) ملتقى دولي حول “التدبير المندمج والمستدام للمجالات الواحاتية ” ، بشراكة مع المركز الدولي للبحوث الزراعية للتنمية وجمعية المعرض الدولي للتمور بالمغرب والفدرالية البيمهنية المغربية للتمور والجمعية المغربية للزراعة والبستنة وجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي بالامارات العربية المتحدة تحث إشراف وزارة الفلاحة والصيد البحري.
استهل الدكتور إبرهيم الحافيدي مدير عام الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان الملتقى بتحديد سياق ودواعي الملتقى الذي نظم في مدينة تمثل منطقتها أكبر واحة بمساحة تقدر بحالي 26ألف هكتار . ودعا إلى ضرورة الاهتمام بإدماج الإنسان في تنمية الواحات و المحافظة عن البيئة . وأثنى الدكتور الحافيدي على مختلف المؤسسات المعنية بالقطاع والمشتغلة بانسجام تام. مما جعل مردودية الإنتاج تتضح جليا في تنامي منتوج التمور من 90 ألف طن قبل انطلاق البرنامج إلى 115 ألف طن خلال السنة الماضية . وساق الحافيدي مثالين لتمور لا تلقى أهمية في السوق ، حيث باتت في عداد الفقدان وبدون قيمة في إقليم زاكورة بسبب بخس ثمنها مثل نوع “بوسحتمي ” الذي يباع ب “العبرة” (العبرة الواحدة تزن 30 كيلو) ب 4 درهم لكن الان من خلال التلفيف والتخزين سيباع بالأسواق ب 25 درهم للكيلو الواحد .مما سيمكن المزارع من تحسين مستوى عيشه حيث ذكر أحد المزارعين، بالمناسبة ، أنه سيتمكن من بناء مسكن له من خلال هذه النوع من التمور الذي أضحى ذا قيمة استهلاكية .كما أن منطقة تافيلالت تعرف نوع آخرمن التمور يسمى “بوسليخن” كان يباع بدرهمين وإذا لم يستهلك خلال شهرين لم تعد له قيمة لكن الآن بواسطة التلفيف والتخزين سيباع في الأسواق ب20 درهم للكيلو .
وقال الحافيدي أن الواحات تراث إنساني .ويتوفر المغرب على محميتين للمحيط الحيوي على مستوى شجرالأركان والواحات فضلا عن محميات أخرى في الجزائر وتونس وليبيا مصنفة من قبل اليونسكو وتشكل حاجزا لتقدم الصحراء مما يستوجب العناية بنباتاتها وحيوانتها لكي لا تزحف الصحراء نحو دول الشمال .
و طالب الدكتور الحافيدي الباحثين والطلبة بتكثيف الجهود في مجال البحث العلمي والاجتماعي لتجاوز الإشكالات والامراض الذي تصيب التمور نحو إنتاج أكبر وجودة أحسن وتخزين وتسويق أفضل.
وقال كاتب عام وزارة الزراعة والصيد البحري، محمد صديقي ، خلال الجلسة الافتتاحية ، ان المجالات الواحية تمثل أكثر من 30 بالمائة من المساحة الوطنية وهي تشكل مجال عيش أكثر من 1.7 مليون نسمة .مذكرا بكون إن إنشاء الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA) يعد دليلا على الأهمية الممنوحة للواحات في إطار خطة المغرب الأخضر، الذي هو رافعة للاقتصاد الوطني “وأشار السيد صديقي، خلال الافتتاح الملتقى ، إلى أن مع 5 مليون شجرة، باتت شجرة النخيل عنصرا مهيكلا للفضاءات الواحية مؤكدا أن القطاع ليستفيد من عقد برنامج بين الدولة وبين مهنيي القطاع لتطوير القدرات الوطنية لانتاج السلالات ونباتات النخيل في المختبر من التخزين وتأهيل الموارد الطبيعية لبساتين النخيل، وتحسين وتطوير الظروف الإطارية للقطاع..
وتتكون الواحات ، يضيف الصديقي ، من أربع مجموعات رئيسية هي: واحات جنوب الأطلس الصغير وطاطا وتلك من تاتا، وواحات وادي درعة وواحات وادي زيز واغريس وواحة فكيك. ومن حيث تنظيم المنتجين بالإضافة الفدرالية المغربية لمنتجي التمور (FENAPROD) والفدرالية البيمهنية المغربية للتمور (FIMADATTES)، فقد تم إنشاء 23 مجموعات ذات النفع الاقتصادي (GEI) تغطي جميع واحات المغربية .
وأكد السيد عبد الغني الصمودي عامل اقليم زاكورة أن احتضان هذه الورشة يبين لدى المهتمين بالمجال الواحي بالمغرب الذي يمتد على مساحة 240 كيلومتر وضمها لأكبر واحة بالقارة الافريقية وتوفرها على إمكانات ومؤهلات كبيرة باعتبارها ملتقى الثقافات ومجال استقرار تجمعات بشرية ذات الإثنيات المختلفة وتميزها بالتراث المادي واللامادي الضارب في عمق التاريخ. كلها عوامل ، يشير المتحدث نفسه ، ساعدت على تثبيت الساكنة بها وميلاد ثقافة شكلت تراثا وطنيا يجب تثمينه واستغلاله للرفع من المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمجال الواحي باعتباره آخر حزام طبيعي ضد زحف الرمال.
و يجسد الملتقى، يضيف الصمودي ، رغبة أكيدة لدى الفاعلين والمهتمين في رفع التحدي من أجل ضمان تنمية مستدامة التي ليست سهلة المنال لكن ليست صعبة التحقيق من قبل الغيورين على المجال الواحي بالمغرب. والذي يحتضن كذلك محميات المحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي الذي يصنف ضمن الثرات العالمي لليونسكو ويتوفر على مؤهلات اقتصادية واجتماعية وبيئية وموارد طبية مختلفة ومتنوعة ذات أبعاد ايكولوجية وثقافية كبحيرة “إريقي” وغيرها من النقوش الصخرية التي تشهد على الغنى الطبيعي لهذا المجال .مما يتطلب “منا جميعا تكثيف الجهود من أجل تثمينها والبحث على سبل استثمارها لتساهم في التنمية المحلية للمجال الواحي المتميز بتعدد أنظمته البيئية وهشاشة وندرة موارده الطبيعية .
وأعرب ممثل جهة درعة تافيلالت عن انخراط المنطقة في بلورة مفهوم الجهوية المتقدمة . ودينامية البحث وتشجيع العلم لتنمية الجهة من خلال إحداث مؤسسة لخبراء جهة دعة تافيلالت ، مثمنا أشغال الملتقى الذي يتشد التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجال والانسان مبديا رغبة الجهة في تطبيق توصيات الملتقى والبحوث العلمية وإدراجها في المخطط الجهوي للتنمية.
وقال السيد محمد بلحسن رئيس الفدرالية البيمهنية المغربية للتمور ، التي تمثل منتجي التمور بواحات المغرب ، أن شجرة النخيل تعد العمود الفقري للزراعات في الواحات . نظرا للدور الرئيسي الذي تمثله في البيئة والمناخ . وقد حضي قطاع النخيل بأهمية كبرى في استراتيجية مخطط المغرب الأخضر.
وأكد بلحسن أن استراتيجية التنمية المتبعة تأتي عقب التدهور المتواصل الذي عرفته واحات النخيل بشرق المملكة المغربية وفي مناطق الجنوب الشرقي ، وذلك بفعل موجات الجفاف المتلاحقة والتغيرات المناخية الطارئة خلال العقود الأخيرة فضلا عن الانتشار الامراض المضرة للنخيل في مقدمتها مرض البيوض . ووعيا بمكانة سلسلة إنتاج التمور ضمن النشاط الفلاحي الوطني وفي إطار النسيج الاقتصادي والمنظومة البيئية اتخذت عدة إجراءات فعلية ومبادرات العلمية في إطار عقد البرنامج الموقع بين الحكومة المغربية والفدرالية البيمهنية للتمور في سنة 2010 . مما يؤشر على أن إنتاج التمور سيعرف خلال السنوات القليلة القادمة تحولا نوعيا وذلك على مستوى الوضع البيئي بمختلف الواحات .ويهدف هذا العقد إلى إعادة تأهيل المساحات المغروسة من النخيل المتواجدة على مساحة 48 ألف هكتار. وتوسيع المساحات المغروسة خارج الواحات التقليدية على مساحة 17 ألف هكتار فضلا عن تحسين تثمين المنتوج عبر خلق وحدات للتثمين والتخزين مع إعطاء أهمية كبرى للعامل التنظيمي للسلسلة .و سيمكن انخراط المتدخلين من منتجين وتجار وتعاونيات ومختبرات ومستثمرين في الفدرالية البيمهنية من خلق نوع من الترابط بين مختلف الشركاء في إطار تكاملي يغني السلسلة ويساعد على إنتاج أكبر قسط ممكن للثروة .
وأضاف بلحسن أن قطاع النخيل شهد تطورا كبيرا وذلك بفضل الدعامتين الأولى والثانية من مخطط المغرب الأخضر حيث تم اعتماد عدة إجراءات من قبيل إعادة هيكلة الواحات التقليدية وغرس النخيل بالتوسعات وتثمين المنتوج وتخزينه. وهناك مواضيع الرئيسية المبرمجة ستناقش عدة قضايا تروم المحافظة على الواحات ونظم الإنتاج بها.
واقترح رئيس الفدرالية إمكانية تطوير سلسلة النخيل والتمر من الناحية البيولوجية . ثم تثمين التمور ومنتجاتها لأغراض صناعية وسياحية .وإجراء البحوث العلمية المختلفة في كافة المجالات المرتبطة بإنتاج وتسويق وتخزين وتصنيع التمور. والاستفادة من مخلفات النخيل .وإجراء حصر للآفات التي تصيب النخيل تحت الظروف المناخية بمناطق الإنتاج المختلفة مع وضع برامج للمكافحة المتكاملة خاصة منها المكافحة البيولوجية، للتقليل من آثار المبيدات المتبقية الملوثة للبيئة .
وطالب بلحسن بإنشاء مزرعة مجمعة للأصناف المهددة بالانقراض وأصناف الذكور الممتازة بالواحات وحفظ عينات من هذه الأصناف بالتجميد في بنك للجينات .ودراسة الأسواق وتحديد الحاجات لكل سوق حسب الأنواع المختلفة من التمور.و تنشيط الدعاية لتسويق التمور وفتح أسواق خارجية و تشجيع المشاركة في المعارض الخارجية والداخلية للتمور.
ومن جهته أفاد الدكتور عبد الوهاب زايد ،سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو” و أمين عام جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والإبتكار الزراعي ، أن اختيار مدينة زاكورة كمنطقة لتدارس مختلف رؤى وتصورات التدبير المندمج والمستدام لمجالات الواحات في “هذا الملتقى العلمي البهيج هي إشارة قوية إلى المقاربة اللامركزية الناجحة المتبعة في القطاع والتي تنم عن التطلع نحو سياسة قرب تروم تحويل واحاتنا إلى واحات غناء وجنة خضراء بفعل المجهودات المبذولة وبفضل سياسة المغرب الأخضر الناجحة” .
وأثنى الدكتور زايد على المستوى المتقدم الذي يعرفه المشهد الزراعي المغربي من حيث استراتيجية البحث والتطوير والإنتاج والدعم والتدبير العام وكذا التكوين الفلاحي حيث بات القطاع الزراعي قطب الاقتصاد المغربي ورافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وضمان الامن الغدائي.
وأشار الدكتور إلى أن جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي تأسست في سنة 2007 بمرسوم اتحادي، برعاية رئيس دولة الامارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. وحققت خلال مسيرة سبع سنوات إنجازات ونجاحات كبيرة، واستقطبت أهم الباحثين والخبراء والمزارعين والمهتمين بقطاع نخيل التمر، وعملت على تطوير هذا القطاع والنهوض به واستطاعت أن تتبوأ مكانة عالمية مرموقة باعتبارها الجائزة العلمية الأولى المتخصصة بنخيل التمر وصناعاته على مستوى العالم. داعيا عموم الباحثين والعلماء للمشاركة بكثافة في هذا التباري العلمي المميز بكل فئاته والذي جوائزه تناهز 3 ملايين دولار أمريكي سنويا.
وأعرب الدكتور زايد عن أمل بلوغ الملتقى أهدافه وأن تتلاقح الأفكار والتجارب بين الباحثين لتبقى الواحات معطاءة كما عهدناها. ذات جمال يسر الناضرين. متأقلمة مع تغير المناخ ودرع منيع في مواجهة التصحر وندرة المياه وزحف الرمال.
يذكر أن هذه الورشة العلمية شهدت 66 ورقة علمية ، و 11 لقاء عاما وموازيا ، قاربت مختلف التطورات والاكراهات والتهديدات التي تعرفها الواحات على مستوى النظم البيئية واستخدام الموارد الطبيعية وكذا التفاعلات العديدة مع التقنيات والانظمة الزراعية المعتمدة والأنشطة السكانية . وتدارس المشاركون بالدرس والتحليل عدة محاور رئيسية همت نظم الإنتاج الفلاحي في الواحات وتثمين وتسويق المنتجات الواحاتية .ثم تنمية ودينامية المجالات الشبه الصحراوية ، و الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في المجالات الشبه الصحراوية . وتناولت الورشة كذلك مختلف الممارسات المستعملة في إدارة وتدبير المياه في الواحات ونظم الإنتاج المستعملة الناجعة والرشيدة و سلاسل الإنتاج ذات الأهمية الاقتصادية ثم القيود والمعيقات والفرص المتاحة من أجل تنمية مستدامة للواحات.
يشار أن الورشة عرفت مشاركة مكثفة ناهزت 250 مشاركا من ثماني دول المغرب، الجزائر، تونس، مصر، فرنسا، إيطاليا، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وتضمن الملتقى معرضا المنتوجات المحلية المرتبطة بقطاع النخيل والواحات وتخلل الورشة زيارات ميدانية للمشاركين لبعض الضيعات والتجارب النموذجية الناجحة في مجال التدبير والمحافظة على النظم البيئية وترشيد المياه والتأقلم مع التغيرات المناخية .
للاطلاع على المقال بجريدة بيان اليوم اضغط هنا