آفاق بيئية : الدكتور محمد عبد الرؤوف
بعد نجاح الكبير لقمة عين علي الأرض (Eye on Earth “EOE”) الأولي في عام 2011، تأتي النسخة الثانية من القمة لعام 2015 والتي تعقد في الفترة من 6 إلى 8 من أكتوبر في أبوظبي،الإمارات العربية المتحدة، والتي من المتوقع أن تستقطب ما يزيد عن650مشارك من القادة والعلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم من خلفيات متعددة مثل المنظمات الحكومية وهيئات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، ومجتمع البحث العلمي والأكاديمي، والقطاع الخاص.
وتشمل قمة عين علي الأرض لعام 2015 على ثلاثين جلسة لمناقشة طيف واسع من مختلف القضايا البيئية. والهدف الرئيسي للقمة هو العمل بشكل تعاوني بين مختلف أصحاب المصلحة لسد الفجوة في البيانات والمعرفة من أجل مساعدة صانعي القرار على رسم السياسات والإستراتيجيات لمستقبل مستدام.
فبلا شك هناك نقص عام في المعلومات البيئية المتناسقة عالمياً وإقليمياً. وهناك أيضا ضعف في تبادل المعلومات وكذا التعاون في مجال المعلومات البيئية بين المؤسسات في البلد الواحد وبين البلدان. وعلى هذا النحو، فهناك حاجة ملحة لجمع ومعالجة وتحليل ونشر المعلومات البيئية بطريقة منهجية.
إن رسم السياسات والإستراتيجيات للتنمية المستدامة، فضلاً عن سن التشريعات المختلفة،تتطلب بيانات يمكن الإعتماد عليها، سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية أو بيئية. بعد ذلك، يحتاج مختلف أصحاب المصلحة مثل القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والجمهور بشكل عام إلى معلومات عن هذه السياسات والخطط والتشريعات.
كما يحتاج أصحاب المصلحة أيضاً معرفة الفائدة المرجوة من هذه السياسات والتشريعات. كذا فإن تقييم نجاح السياسات والتشريعات يتطلب معلومات وبيانات أيضاً. لذلك، المعلومات هي عنصر حيوي في جميع المراحل من أجل حوكمة أفضل. وفي الواقع، إن النشر الحر للمعلومات البيئية هو متطلب أساسي من أجل إدارة بيئية أفضل عالمياً وإقليمياً ومحلياً.
المبدأ العاشر حول الحصول على المعلومات
إن القمة وأهدافها تتماشى مع المبدأ “10” حول الحصول على المعلومات من إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية، والتي من بين العديد من الإتفاقيات الدولية تذكر”بأن كل فرد يجب أن يتمكن من الوصول المناسب إلى المعلومات المتعلقة بالبيئة والموجودة بحوزة السلطات العامة، وأنه ينبغي على الدول تسهيل وتشجيع توعية الجمهور ومشاركته عن طريق إتاحة المعلومات على نطاق واسع”.
وقمة عين علي الأرض ليست معنية فقط بالبيانات، ولكن أيضا معنية بوسائل الحصول على المعلومات الضرورية والمعرفة لمواجهة التحديات البيئية العالمية في مختلف المجالات مثل المياه وتغير المناخ والتنوع البيولوجي (البري والبحري)، والنفايات، والأراضي، وإدارة المواد الكيميائية وما الي ذلك. ويمكن للمرء أن يدرك أن البيانات موجودة في كل مكان، ولكن ليس كل شخص لديه حق الوصول إليها ولا يمكن لأي شخص أن يصل إليها في الوقت المناسب، ولا يمكن لأي شخص تفسيرها بشكل صحيح …
توقيت حاسم
في الواقع، نجحت أبو ظبي بإمتياز في إختيار توقيت للقمة بالغ الأهمية في عام 2015 حيث يتواكب مع العديد من الأحداث والمؤتمرات الهامة والفاصلة في تاريخ كوكبنا في مجال البيئة والتنمية. فعلى سبيل المثال، تعقد القمة بعد أيام قليلة من إعتماد دول العالم على جدول أعمال التنمية لما بعد 2015 وإقرار أهداف التنمية المستدامة (SDGs).
إن أهداف التنمية المستدامة، والتي ستحدد مسار أعمال التنمية علي كوكبنا في السنوات الخمسة عشر المقبلة حتى عام 2030 ، لا يمكن تحقيقها وتقييم التقدم المحرز بشأنها ما لم تتوافر لدينا البيانات والمعلومات الصحيحة في الوقت المناسب وبالكم والنوعية المطلوب. فبدون بيانات موثوقة سيتم إختيار مسارات تنموية خاطئة. والإنسانية لم يعد لديها متسع من الوقت في محاولة لتصحيح القرارات والإجراءات التنموية الخاطئة. فيجب أن تؤخذ الأن تدابير علاجية،ويعتمد نجاح هذه التدابير بشكل رئيسي على البيانات الدقيقة.
أهمية القمة لدول مجلس التعاون الخليجي
تعتبر قمة عين على الأرض 2015 حدثاً بالغ الأهمية لمناقشة مختلف القضايا البيئية العالمية، وهو أمر مهم أيضاً لدول مجلس التعاون الخليجي. حيث ستعقد عدة جلسات من شأنها أن تحرك دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأمام نحو مستقبل مستدام. فمن المعروف أن دول مجلس التعاون الخليجي تواجه عدة قضايا بيئية هامة والتي لها إنعكاسات على الاستقرار الإقتصادي والحياة الإجتماعية. فواحدة من الجلسات المهمة التي ستعقد خلال القمة على سبيل المثال “صنع القرار والأمن المائي، إستراتيجية المجتمع للنجاح”. فقضية المياه قضية مصيرية لدول مجلس التعاون الخليجي ومثل هذه الجلسة ستساعد دول مجلس التعاون الخليجي علي تبادل الخبرات والمعرفة والحصول على البيانات من شأنها أن تساعد في المضي قدماً إلى إدارة أفضل ومستدامة للمياه.
وهناك أيضاً جلسة أخرى هامة حول “التعليم من أجل المحافظة على كوكب الأرض”. وتهدف هذه الجلسة إلى تسليط الضوء على أهمية التعليم والتثقيف حول التنمية المستدامة. في الواقع، فإن التثقيف حول التنمية المستدامة يساعد في رفع مستوى الوعي بين السكان في دول مجلس التعاون الخليجي حول هذا المفهوم الرئيسي وأهمية التغيير نحو نمط حياة مستدام والإستهلاك والإنتاج المستدامين.
أخيراً وليس آخراً، فمن الجدير بالذكر أن القمة الافتتاحية في عام 2011 أطلقت العديد من المبادرات والتي مازالت مستمرة مثل عين على المجتمع الأرض وعين على المحيطات والكربون الأزرق … الخ. باختصار، هذه المبادرات وقمة 2015 سيساعدا في سد الفجوات في البيانات من أجل رسم السياسات علي نحو أفضل لدعم المستقبل المستدام لكوكبنا. وهي تثبت أن أبوظبي ودولة الإمارات العربية المتحدة، تقود الطريق في مجالات التنمية المستدامة وبذلك تعد الدولة شريكاً أساسياً في المشاركة في جدول الأعمال التنمية فيما بعد 2015.
*المنسق العالمي للمجتمع المدني (مجموعة البحث العلمي) التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.