ليس من قبيل المجازفة القول إن الثروة السمكية بالمغرب أصبحت مهددة بالانقراض. ومبعث هذا التخوف ليس جديدا، فقد سبق للمهنيين أن حذروا قبل عشر سنوات من الآن من مغبة استنزاف المجال البحري المغربي. في تلك الفترة كانت تبدو مثل هذه الدعوات ضربا من الخيال ونوعا من «المزايدات النقابية»، لكن اليوم لم يعد هناك مجال للتهرب من الحقيقة التي يريد المسؤولون المغاربة إخفاءها بالكثير من المساحيق، ونفس العدد من القوانين.
القاعدة تقول إن القانون يأتي بعد أن يكون الداء قد وصل إلى مراتب متقدمة، وداء البحر المغربي إذا شئنا الدقة أكثر، وصل إلى مسام الاقتصاد الوطني وصار مع توالي الأيام يهدد آلاف العائلات بالكساد بسبب جشع «أباطرة البحر» الذين يفعلون كل شيء للحفاظ على امتيازاتهم كاملة. تارة يواجهون مشاريع القوانين بشراسة غير مفهومة وتارة يلتفون عليها، ويجنون من وراء ذلك الملايير من الدراهم سنويا، أما سلطات المراقبة، فلا عين رأت ولا أذن سمعت إلا من رحم ربك.
ثمة ما يشبه الإجماع أن السفن التي تصطاد في أعالي البحر تعد العدو الأول للبحر المغربي ليس لأنها تصطاد أثمن وأغلى الأسماك، بل لأنها تدمره وتجرف كل شيء في رحلة البحث على أكبر نسبة من الربح، بدءا بقتل الأسماك الصغيرة ورميها في البحر ومرورا بالتحايل على القانون من أجل اصطياد أكبر حصة ممكنة من الأسماك ووصولا إلى احتكار حصة الأسد من الكوطا المخصصة للصيد بكل تفرعاته.
في هذا الملف، نتوقف عند أهم الخروقات التي تطبع ملف الصيد البحري بالمغرب، خاصة فيما يرتبط بالصيد في أعالي البحار واصطياد الأخطبوط والمافيات المتشعبة التي تتحكم في آلاف البحارة المغاربة وفي المحصلة: المغرب بات قريبا جدا من فقدان مخزونه السمكي بطريقة تبعث على الكثير من الغرابة. في الملف نطرح السؤال الخطير: هل سيصبح المغرب بدون ثروة سمكية؟
كيف أصبحت الثروة السمكية بالمغرب مهددة بالانقراض
هكذا تتورط «لوبيات» الصيد في أعالي البحار في استنزاف الخيرات البحرية
يحدث أن يكون القانون هو نفسه من يحمي منتهكيه، تارة لأنه يترك لهم فراغات وبياضات كثيرة، يعبثون بها كما يشاؤون، وتارة يعجز عن مسايرة حيلهم وخططهم. في ملف الصيد البحري بالمغرب وارتباطه باستنزاف الثروة السمكية الوطنية، لا شيء يتم خارج القانون. الكل يبرر استنزافه للبحر بالوثائق وبالمساطر القانونية، بل إن البعض ممن استطاب، لعشرات السنين، أن «ينهب» و«يسرق»، بقوة النواميس الموضوعة أيضا، كلما أحسوا أن وزارة الفلاحة والصيد البحري بصدد إنجاز قانون يحد من سرقاتهم على الأقل يسارعون إلى إنشاء جمعية ويجمعون حولهم أتباعا وحواريين، ويوظفون مئات الملايين من الدراهم كي يظل البحر محمية لهم باستعمال جميع الوسائل، ولا نعدم الأمثلة في هذا الصدد: استنزاف الأخطبوط والقضاء على الأسماك الزرقاء، ونهب الأسماك الغالية في الداخلة، أكادير، الحسيمة، آسفي وعشرات الموانئ المغربية الكبيرة والصغيرة.
هناك مؤشر بسيط لكنه دال، يشرح عبد العالي، الذي ركب أمواج البحر، منذ 22 سنة: « قبل عشر سنوات من الآن كان السمك الأزرق يطفح على الموج، ولا نحتاج سوى إلى اختراق البحر لبعض الأمتار، وأذكر أنه في سنوات 1994، 1995، 1996، 1997، كنا نعيد مئات الأطنان من الأسماك إلى البحر، لأن قانون العرض والطلب أصيب بالخلل، لم نكن نعلم وقتها أن الذي نقوم به سيكون السبب الرئيس لوضعيتنا المأساوية اليوم».
انتقينا شهادة عبد العالي دون غيرها لأنها تنطوي على إشكاليتين رئيسيتين تحاول الفرضيات التي يطرحها التحقيق أن يجيب عنها، الأولى تتعلق بتراجع الثروة السمكية بالمغرب والبواعث التي ساهمت في الوصول إلى حقيقة يحاول العديد من المسؤولين تجنبها أو حتى الخوض فيها مكتفين بمخططات- مثل مخطط أليوتيس- يقول عنها أهل القطاع إنها أثبتت فشلها رغم أن الدافع من ورائها كان أساسا ناقوس الخطر الذي دقه المهنيون قبل أكثر من عشر سنوات من الآن، والحقيقة هي كالتالي: بعد أقل من عشر سنوات سيفقد المغرب ثروته السمكية من الأسماك الزرقاء والرخويات والأسماك الثمينة بسبب «مافيات» يسندها رجال يعملون في الإدارة وصيادون صغار وكبار يتواطؤون معهم، وهي مستعدة على الدوام للدفاع عن مصالحها. كيف ذلك؟ يقول أحد الفاعلين الجمعويين الذين تحدث إليهم صحافي الجريدة إن ما يصطلح عليه بالراحة البيولوجية وتوزيع الحصص من الأسماك بين سفن الصيد في أعالي البحار والصيد الساحلي والصيد التقليدي تثوي فيه الكثير من التفاصيل الصغيرة لكنها مهمة، لأنها ببساطة تفضح إلى أي مدى أصبح قطاع الصيد البحري مشرعا أماما مافيات همها الوحيد هو جني الأرباح سواء بالقانون أو ضد القانون.
أعالي البحار..السمك المغربي في مهب الريح
قبل عقدين من الزمن كانت السفن التي تصطاد في أعالي البحار بمدينة الداخلة تتجاوز 380 أما الآن، فحسب المعطيات المتوفرة، فلا تتجاوز 250 سفينة، والسبب الرئيس هي السفن نفسها التي استغلت الفراغ القانوني في الفترة الماضية لتتجاوز حصتها التي حددتها وزارة الفلاحة والصيد البحري. يشرح أحد المتخصصين الذي رفض الكشف عن هويته بسبب ما أسماه حساسية الموضوع بمدينة الداخلة» هناك سفن ضخمة لا يمكن مراقبتها ولا يمكن أيضا أن تعرف ماذا تصطاد وما هي نوعية الأسماك التي تصطادها، وهل تتلاءم مع دفتر التحملات الذي بموجبه تشتغل السفن الكبيرة وهل تخضع عملية المسافنة بالنسبة للسفن الأجنبية للمراقبة الدقيقة كي لا يتم تهريب الأسماك المغربية إلى وجهات أخرى».
لنفهم الموضوع أكثر، يوضح المصدر نفسه أن هناك على سبيل المثال سفن تسمى بسفن RSW، وهبي السفن التي تخزن الأسماك عن طريق عملية التبريد، حيث تتوفر هذه السفن على نظام متطور للتبريد يحتفظ بالأسماك في مخزن كبير مليء بالمياه كي تحافظ الأسماك على طراوتها وتتجنب أيضا فيروسات تصيب الأسماك خاصة الزرقاء- السردين على وجه الخصوص-، بالنسبة لهذه السفن فهي متطورة جدا، ولديها قدرة كبيرة على اصطياد كميات غير محدودة من الأسماك».
من جانب آخر، ثمة نوع آخر من السفن الذي يتوفر على رخصة اصطياد جميع أنواع الأسماك باستثناء الأسماك السطحية ونقصد الأسماك الزرقاء، أما السؤال الذي يؤرق المهنيين في الكثير من المدن المغربية: «هل تعرف السلطات ما الذي تصطاده هذه السفن وهل احترمت دفتر التحملات». في الجواب عن السؤال تنطرح الكثير من الأفكار في مقدمتها أن المغرب لا يتوفر كما باقي الدول المتقدمة في المجال البحري على الوسائل المتطورة التي بإمكانها أن تحدد طبيعة السمك المصطاد وكميته الحقيقية وكل» ما نتوفر عليه هو مراقبة البحرية الملكية والدرك الملكي، وفي السفن الأجنبية نجد ملاحظا مغربيا يراقب مدى احترام هذه السفن لاتفاقيات الصيد البحري مع المغرب».
تفيد المعلومات التي توصلت إليها «المساء» أن السفن التي تصطاد في أعالي البحار متورطة في خروقات كبيرة تهدد الثروة السمكية بالمغرب بالاندثار دون أي مبالغة، فهي تعمد إلى اصطياد الحوت الصغير بالإضافة إلى أن قبطان السفينة هو من لديه حرية اختيار الكمية المصطادة بالنظر إلى أن الحصة التي تمنحها الوزارة للسفن المشتغلة في أعالي البحار تخضع لمنطق الحصة الجماعية وليس لمنطق الحصة الفردية. لا يفهم بعض المهنيين كيف أن عشرات السفن تلجأ إلى رمي الحوت الصغير في البحر، الشيء الذي يشكل خطرا حقيقيا على الثروة السمكية بالسواحل المغربية.
استنزاف الثروة السمكية بالمغرب له مظاهر متعددة، البعض منها بارز والبعض منها متخف، لأن كل شيء يحدث في عرض البحر، ولاشك أن موضوع السفن الأجنبية شغل الكثير من النقاش الدائر حول قطاع الصيد البحري بالمغرب. التوغل في التفاصيل يوصلنا إلى حقيقة واحدة لا مفر منها: رغم كل المراقبة وتشديد الخناق على السفن الأجنبية لاحترام اتفاقيات الصيد مع المغرب، فإن جل السفن المستفيدة من الاتفاقية تخرق القانون. « كل ما في الأمر أنه عوض أن تصطاد هذه السفن ما هو مسموح به فقط، فإنها تعمد إلى استنزاف البحر بكل الوسائل المتطورة الحديثة، إذ لا يمكن أن نتصور اليوم أن بعض السفن الكبيرة تتوفر على معامل صغيرة لصناعة دقيق البحر، وغالبا ما تلجأ السفن الأجنبية إلى طحن الأسماك الصغيرة في غياب تام للمراقبة» يؤكد مصدر آخر تحدثت إليه الجريدة. بالنسبة لعملية المسافنة التي تعني شحن السفن الكبرى بالأسماك مقابل التزود بالغذاء ولوازم الحياة اليومية، الشيء الذي يصعب إلى حد كبير عملية المراقبة، إذ لا يمكن معرفة نوعية السمك المصطاد أو حمولة الصناديق وماذا تحوي تلك الصناديق رغم وجود مراقب مغربي داخل السفن الأجنبية.
تشخيص الداء، حسب عبد الرحمان السالمي، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان لا يحتاج إلى الكثير من الجهد، فالقطاع بنظره أضحى مهددا بقوة أمام سطوة السفن الكبيرة التي تصطاد في أعالي البحار. يقول السالمي في هذا الصدد»بالنسبة للصيد في أعالي البحار وفي ظل غياب معطيات دقيقة ومراقبة وتدبير عقلاني فإن مهنيي الصيد الساحلي والصيد التقليدي ينتقدون وبشدة الممارسات غير القانونية لسفن الصيد في أعالي البحار، بحيث يتم استغلال الثروة السمكية بشكل مفرط واستعمال شباك غير مرخص لها، وكذا عدم احترام المجال المائي لمحاربة الصيد من طرف هذه السفن، ناهيك عن عدم التقيد بالكوطا المخصصة لهذا الصنف من طرف الوزارة الوصية على القطاع والمساهمة كذلك في تدمير المجال البيئي البحري بما تلقيه هذه السفن من أسماك نافقة غير مرغوب فيها في البحر والشباك المحرمة دوليا التي تدمر الشعاب البحرية، حيث مجال توالد مختلف الكائنات الحية البحرية».
تجاوز المرحلة الحالية لن يتأتى، حسب حسن السالمي، رئيس جمعية الصيد التقليدي بالداخلة إلا بتطبيق القانون لكن بطريقة رادعة لأن الاكتفاء بالغرامات المالية لن يزيد إلا في تأزيم الأمور، إذ كيف يمكن تغريم عضو في مافيا ذات تشعبات كثيرة مليون سنتيم في الوقت الذي يجني فيه عشرات ملايين السنتيمات في غضون أشهر قليلة. ويرى الطالبي أن «الحل في المرحلة الراهنة هو إحالة المخالفين مباشرة على النيابة العامة، ولا مجال حينئذ للتخويف أو الترهيب. أنا أتساءل فقط من سمح لهؤلاء بتولي سلطة المراقبة، من أعطاهم الحق في ذلك؟ القرار جاء في فترة حرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، وكان هناك سياق سياسي مختلف عما نعيشه الآن» موضحا في السياق نفسه» جاء المعطي بوعبيد سنة 1983 وقال للبحرية الملكية إنكم ستتولون مهمة وزارة الصيد والملاحة التجارية شريطة أن يبقى هناك تواصل دائم بين البحرية الملكية والوزارة. بأي حق تسجل البحرية الملكية في حقي مخالفة مشهرة في وجه الجميع ورقة يتيمة منحت لهم في الثمانينيات من القرن الماضي. أنا أطالب بأن تعطى صلاحية المراقبة لجهة أخرى وأقترح هنا الدرك الملكي، وفي حال تورط هو أيضا في تواطؤات أو مؤامرات، فإننا سننتقده، فالمغاربة تحرروا من عقدة الخوف وأصبحت لديهم القدرة على انتقاد كل شيء».
الأخطبوط..اسم على مسمى
يتحكم»أخطبوط» « الفريكو بالداخلة في بيع وشراء»البولبو»- الأخطبوط- إلى درجة أن هذا اللوبي أصبح قويا جدا في الكثير من الموانئ المغربية. يؤكد أحد المهنيين في تصريح للجريدة أنه» ليس هناك راحة بيولوجية كما قد يعتقد البعض، صحيح أن الوزارة وضعت معايير صارمة لحماية الأخطبوط من الانقراض لكن أباطرة البحر يتحكمون في مراكب الصيد الصغيرة التي تصطاده بشكل سري خلال تطبيق مبدأ الراحة البيولوجية. هذا التحكم، استنادا إلى المعلومات المتوفرة يتمظهر في تجليات كثيرة يمكن أن نجملها في ثلاثة أبعاد رئيسة. فيما يتعلق بالبعد الأول، فإنه من المستحيل أن لا تكون السلطات الموكول لها مهمة المراقبة على علم بالمراكب التي تصطاد بشكل سري، الشيء الذي يزكي فرضية التواطؤ إلى حد كبير. أما البعد الثاني، فيتعلق بطبيعة رجال الأعمال الذين يتوفرون على»الفريكو»، و»الفريكو» حتى تتوضح الأمور أكثر هو المكان الأكثر أمانا للحفاظ على طراوة الأخطبوط.
يتساءل المهنيون بالداخلة ومعها مدن مغربية كثيرة» في الفترات التي تعرف تطبيق الراحة البيولوجية يكون عرض الأخطبوط متوفرا جدا في السوق لكنه ليس بثمنه الأصلي، ففي الوقت الذي يصل فيه ثمنه في الأيام العادية إلى 60 إلى 70 درهم، يتضاعف ثمنه خلال فترة الراحلة البيولوجية ليصل إلى 150 درهما، والمستفيد الحقيقي من هذه التجارة المربحة في نهاية المطاف أصحاب «الفريكو» والمافيا التي تشتغل في فلكها. ويرتبط البعد الثالث، وهو البعد الأهم والأخطر في سلسلة حرب الاستنزاف التي تستهدف الأخطبوط المغربي، بالطريقة التي تشتغل بها هذه المافيا. الأكيد أن الشاحنات التي تنقل الأخطبوط خلال فترات منع صيده تمر عبر التراب المغربي وليس من أي مكان آخر، وتدخل إلى موانئ مثل أغادير وطانطان دون أي مراقبة رغم أن هذه الشاحنات يجب أن تتوفر على تصريح بالكميات المصطادة، وأن تخضع تلك الكمية للمزاد العلني وقبل كل شيء يجب أن يؤشر عليها الطبيب البيطري. في الكثير من الحالات، حسب مصادرنا، تتم كل هذه العمليات بطرق وهمية بتواطؤ من الجميع.
يقول حسن الطالبي في هذا المنحى بالذات» هناك شبكة حقيقية تشتغل في هذا المجال، ومن قال لك إن هناك أصحاب»فريكويات» معدودة على رؤوس الأصابع يكذب عليك، إنها شبكة تقوت بطريقة غريبة وأصبحت أقوى من مصالح الدولة بالمدينة، ولديها نفوذ داخل القضاء وداخل الأمن وداخل الدرك. أعتقد أن الأخطبوط الذي يخرج من المدينة في أوقات الراحة البيولوجية لا يتم نقله عبر الجو أو عبر الطائرات، بل عبر شاحنات معروفة تقطع حوالي 1300 كلم من الطريق في اتجاه أكادير أو طانطان ولا يوقفها أحد. كيف يمكن أن تفسر ذلك. وحين تقرر أن تخبرهم بأن هناك شيئا ما يتم خارج القانون يفضحونك عوض أن يحموك. وهناك نقطة أخرى أريد أن أتوقف عندها وهي أن القضاة المغاربة ليست لديهم دراية بموضوع الخروقات البحرية، مما يفسح المجال في بعض الأحيان للتلاعب بالقانون بيد أن هذا لا يمنعنا من القول إن قضاة أكفاء كانوا بالداخلة أصدروا عقوبات زجرية كبيرة، وهو أمر محمود لأنه لو حكمت على هؤلاء بدفع غرامات مالية، لن يفضي ذلك إلى أي نتيجة لأن المخالفين يجنون أموال طائلة».
أصل الداء
على العموم يمكن أن نجمل الأعطاب التي تهدد الثروة السمكية بالمغرب في بعض النقط الأساسية، حيث تكشف الإحصائيات المتوفرة عند مندوبيات الصيد البحري المتوسطية تناقصا كبيرا في الكميات المصطادة من الأسماك والرخويات على مستوى طول الساحل المغربي، وذلك راجع لعدة أسباب نذكر منها، التغيرات العامة للظروف البيئية على المستوى العالمي كالتغيرات المناخية وما لذلك من تأثير سلبي على توازن المنظومات البيئية كتغير التيارات البحرية ودرجة حرارة مياه البحر بالإضافة إلى الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، وذلك نتيجة زيادة عدد مراكب الصيد على المستوى الوطني وزيادة قدرتها على الصيد والاستغلال المفرط للموارد السمكية من طرف أساطيل المراكب الأجنبية التي تصطاد في المياه الساحلية المغربية، والتي تصطاد الأنواع الغالية الثمن كبعض أنواع الرخويات مثل: الكلمار الكبير الحجم» الخداق» وتلقي بكل ما تبقى من الأنواع الأخرى إلى البحر، وفي ذلك تبذير واستنزاف بغيض للمخزون السمكي.
من جهة أخرى لا يمكن أن نلقي المسؤولية على كل الجهات دون أن نتوقف عند دور المهنيين أنفسهم في تدمير البحر، إذ يتم استعمال طرق صيد غير مستدامة كالصيد بالجر وما لذلك من تأثير مدمر على قعر البحر وعلى مجموع الكائنات البحرية القعرية.علاوة على صيد وتسويق أسماك دون القامة التجارية المحددة بواسطة قوانين وطنية واضحة وبتواطؤ مكشوف مع مجموعة من المصالح المعنية بالمراقبة، مما لا يعطي فرصة للأسماك بالعيش حتى تضمن توالدها، ناهيك عن ممارسة الصيد باستعمال المتفجرات والصيد بالغطس تحت الماء من أجل أهداف تجارية وعدم احترام القوانين المنظمة للمناطق البحرية المحمية (كالمنتزهات البحرية).
إن الاستنزاف المكثف الذي تعرضت له ومازالت تتعرض له الثروات البحرية السمكية وغيرها (أخطبوط، مرجان أحمر، طحالب بحرية…) سواء في الساحل المتوسطي ستكون له بدون شك انعكاسات وخيمة على توازن المنظومات البيئية البحرية، وبالتالي على الثروات البحرية والأمن الغذائي البروتيني وعلى الاقتصاد الوطني بشكل عام.
عبد الرحمان السالمي *: سفن أعالي البحار تنتهــــــــك المجال البحري وتصيد السمك بطرق غير مشروعة
قال إن التدبير العشوائي لعملية الصيد أدى في الـــــــــــــ10 سنوات الأخيرة إلى استنزاف ممنهج للثروة السمكية
– هل الثروة السمكية بالمغرب معرضة للاستنزاف في المغرب؟
يعتبر الصيد البحري بجهة وادي الذهب لكويرة إلى جانب النشاط الفلاحي والسياحي قاطرة لتنمية مستدامة لما يوفره من فرص للشغل سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وكذا قيمة المساهمة المالية إما على المستوى الجهوي أو المستوى الوطني، إلا أن العشر سنوات الأخيرة عرف خلالها القطاع استنزافا ممنهجا للثروة السمكية بسبب التدبير العشوائي والفوضوي لعملية الصيد، سواء الصيد التقليدي أو الساحلي أو أعالي البحار، ومع دخول مخطط «أليوتيس» حيز التنفيذ نتمنى سن سياسة عقلانية في أفق الحفاظ على هذه الثروة الوطنية داخل الجهة وتثمين المنتوج السمكي الوطني.
– في الداخلة يقول الصيادون والمتابعون إن الفترة المخصصة للراحة البيولوجية لا تحترم، وهناك لوبيات تتحكم في تجارة الأخطبوط في السوق السوداء بتواطؤ مع السلطات هناك؟
فيما يتعلق بتنظيم فترات الصيد لمختلف الأنواع السمكية سواء القشريات أو ما يدخل في خانة فواكه البحر (الأخطبوط الكلمار) فما يلاحظ من طرف المتتبعين والمهنيين أن فترات الراحة البيولوجية المخصصة لكل نوع في غالبها تنتهك ويسود الصيد السري في غياب تام لكل أشكال المراقبة من طرف السلطات الوصية على القطاع، وهو ما يضرب في العمق تكافؤ الفرص ما بين مهنيي القطاع، ويحدث تفاوتا في مداخيل الصيادين ويحرم خزينة الدولة من عائدات مالية مهمة يمكن استثمارها محليا وجهويا في خلق مناصب الشغل لأبناء المنطقة وإنجاز أوراش للبنى التحتية في مجال التجهيز والمنشآت الاقتصادية والاجتماعية .
– هناك انتقادات للسفن التي تصطاد في أعالي البحار بكونها لا «تحترم الكوطا» المخصصة لها من طرف وزارة الصيد البحري؟
بالنسبة للصيد في أعالي البحار، وفي ظل غياب معطيات دقيقة ومراقبة وتدبير عقلاني فإن مهنيي الصيد الساحلي والصيد التقليدي ينتقدون وبشدة الممارسات غير القانونية لسفن الصيد في أعالي البحار، بحيث يتم استغلال الثروة السمكية بشكل مفرط واستعمال شباك غير مرخص بها، وكذا عدم احترام المجال المائي لمحاربة الصيد من طرف هذه السفن، ناهيك عن عدم التقيد بالكوطا المخصصة لهذا الصنف من طرف الوزارة الوصية على القطاع، والمساهمة كذلك في تدمير المجال البيئي البحري بما تلقيه هذه السفن من أسماك نافقة غير مرغوب فيها في البحر والشباك المحرمة دوليا، التي تدمر الشعاب البحرية حيث مجال توالد مختلف الكائنات الحية البحرية.
– فيما يرتبط بالمراقبة، توجه انتقادات للفاعلين في هذا المجال، إذ يقول البعض إن وزارة الصيد البحري يجب أن تمسك بهذا الملف عوض البحرية الملكية؟
فيما يتعلق بالثروة السمكية في المغرب عامة وجهة وادي الذهب خاصة وإذا أخذنا بعين الاعتبار كون المخزون السمكي والوطني مخزونا غذائيا استراتيجيا فإن هذه القاعدة تحتم على الدولة المغربية وكل المتدخلين في القطاع من سلطات وصية جمعيات مهنية فاعلين اجتماعيين خبراء اقتصاديين وسلطات مدنية وعسكرية البحث بشكل عاجل عن آليات ناجعة لمراقبة الممارسات القانونية وغير القانونية التي تتم داخل قطاع الصيد البحري بدل التشتت الحالي لمختلف أجهزة المراقبة، حيث يغيب التنسيق بينها فيما يفتح القطاع على مصراعيه للتدمير والنهب واستنزاف المخزون الاستراتيجي الوطني من الثروة البحرية.
– فيما يخص الصيد التقليدي، فبالرغم من أنه الأكثر حفاظا على البيئة وعلى الثروة السمكية تم الخفض من حصته.
بما أن الصيد التقليدي الذي يشغل أكبر نسبة من اليد العاملة في الصيد البحري بشكل مباشر وغير مباشر، تستفيد منه عدة شرائح اجتماعية ويساهم بالتالي في خلق رواج اقتصادي سواء داخل المدينة أو في قرى الصيد التقليدي المنتشرة على طول سواحل جهة وادي الذهب لگويرة، وإذا عرفنا أن هذا القطاع أكثر حرصا على المجال البيئي وكذلك الثروة السمكية، ونظرا لتخصص قوارب الصيد التقليدي في صيد أنواع معينة من الأسماك فيشتكي المهنيون من انخفاض الحصة (الكوطا) المخصصة لهذا النوع، ونظرا لهيمنة لوبيات الصيد في أعالي البحار والصيد الساحلي على حصة الأسد من الثروة السمكية، لكون ممثليهم قادرون على لي يد الوزارة الوصية لتحقيق مطالبهم فيما يناشد مهنيو الصيد التقليدي من خلال الجمعيات المهنية العاملة في القطاع والهيئات الحقوقية بضرورة الاهتمام المتزايد من طرف السلطات الوصية على القطاع بهذه الشريحة من العاملين في صنف الصيد التقليدي عن طريق إلزامية التصريح بالعمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي وإقرار التغطية الصحية لهم.
* رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان- الداخلة–
هناك شبكة لأصحاب «الفريكو» تستنزف الأخطبوط والبحرية الملكية لا تقوم بأدوارها الرقابية في البحر
– توجه انتقادات للمسؤولين بأنهم لا يقومون بأدوارهم الرقابية، كيف يمكن مراقبة السفن في البحر، ومنعها من استنزاف الثروات السمكية.
البحرية الملكية يجب أن تقوم بأدوارها الرقابية كاملة، لا أن تسمح من باب التواطؤ للقوارب والسفن أن تفعل ما تشاء في البحر. أعتقد أن الأمر فيه عمولات كثيرة. الغريب في الأمر أننا نحن داخل الجمعيات نشحذ البنادق لنوجهها صوب وزارة الفلاحة رغم أنها ليست من تقوم بوظيفة المراقبة التي أعدها السبب الرئيس وراء استنزاف الثروة السمكية بالمغرب. بالنسبة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، مهمتها هي إصدار القوانين وتوفير وعاء تشريعي زجري، وهنا لابد أن أسجل أنه في عهد الوزير عزيز أخنوش أصدرت قوانين غاية في الأهمية تخص الصيد البحري، لكنها قوانين لن يظهر أثرها على أرض الواقع مادام أن مطبقيها بعيدون جدا عن الوزارة.
وماذا تقترح من أجل تجاوز ما تسميه بالتقصير في مراقبة ما يحدث داخل البحر؟
الحل في المرحلة الراهنة هو إحالة المخالفين مباشرة على النيابة العامة، ولا مجال حينئذ للتخويف أو الترهيب. أنا أتساءل فقط من سمح لهؤلاء بتولي سلطة المراقبة، من أعطاهم الحق في ذلك؟ القرار جاء في فترة حرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، وكان هناك سياق سياسي مختلف عما نعيشه الآن. جاء المعطي بوعبيد سنة 1983 وقال للبحرية الملكية إنكم ستتولون مهمة وزارة الصيد والملاحة التجارية شريطة أن يبقى هناك تواصل دائم بين البحرية الملكية والوزارة. بأي حق تسجل البحرية الملكية في حقي مخالفة مشهرة في وجه الجميع ورقة يتيمة منحت لهم في الثمانينيات من القرن الماضي. أنا أطالب بأن تعطى صلاحية المراقبة لجهة أخرى وأقترح هنا الدرك الملكي، وفي حال تورطه هو أيضا في تواطؤات أو مؤامرات، فإننا سننتقده، فالمغاربة تحرروا من عقدة الخوف وأصبحت لديهم القدرة على انتقاد كل شيء. لا أعرف لم لا نتوفر على الشجاعة الكاملة لانتقاد البحرية الملكية والتجاوزات التي تقوم بها في مراقبة صيد الأسماك في البحر، وهي الأحرى بالنقد في تقديري.
الذي يمكن أن أقوله في هذا الصدد أن البحرية الملكية لا تقوم بأدوارها كاملة في مراقبة ما يحدث بالبحر.
بالنسبة لصيد الأخطبوط، كل المهنيين يقولون إن الجميع لا يحترم مبدأ الكوطا الذي حددته الوزارة..
هناك شبكة حقيقية تشتغل في هذا المجال، ومن قال لك إن هناك أصحاب»فريكويات» معدودين على رؤوس الأصابع يكذب عليك، إنها شبكة تقوت بطريقة غريبة وأصبحت أقوى من مصالح الدولة بالمدينة، ولديها نفوذ داخل القضاء وداخل الأمن وداخل الدرك. أعتقد أن الأخطبوط الذي يخرج من المدينة في أوقات الراحة البيولوجية لا يتم نقله عبر الجو أو عبر الطائرات، بل عبر شاحنات معروفة تقطع حوالي 1300 كلم من الطريق في اتجاه أكادير أو طانطان ولا يوقفها أحد. كيف يمكن أن تفسر ذلك. وحين تقرر أن تخبرهم بأن هناك شيئا ما يتم خارج القانون يفضحونك عوض أن يحموك. وهناك نقطة أخرى أريد أن أتوقف عندها وهي أن القضاة المغاربة ليست لديهم دراية بموضوع الخروقات البحرية، مما يفسح المجال في بعض الأحيان للتلاعب بالقانون، بيد أن هذا لا يمنعنا من القول إن قضاة أكفاء كانوا بالداخلة أصدروا عقوبات زجرية كبيرة، وهو أمر محمود لأنه لو حكمت على هؤلاء بدفع غرامات مالية، لن يفضي ذلك إلى أي نتيجة، لأن المخالفين يجنون أموالا طائلة.
حسن الطالبي*
* رئيس جمعية الصيد
التقليدي بالداخلة