السياسة الخضراء

محمد التفراوتي15 يوليو 2014آخر تحديث :
السياسة الخضراء

لموازنة أهداف الطاقة والبيئة “حالة دولة الإمارات العربية المتحدة”

livre abd raof

آفاق بيئية :د. محمد عبد الرءوف :كاتب وباحث في مجال البيئة

المنسق العالمي للمجتمع المدني لمجموعة البحث العلمي التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة

يمثل هذا الكتاب محاولة للربط بين أهداف الطاقة والبيئة والتنمية المستدامة عن طريق السياسات الخضراء، أى تلك السياسات التى تساعد فى التحول من الاقتصاد التقليدى (الذى يطلق عليه الاقتصاد البني) لاقتصاد المستقبل أو ما يسمى بالاقتصاد الاخضر الذى هو الوسيلة لتحقيق التنمية المستدامة. فالسياسة الخضراء هى “تلك السياسة التى تحمى البيئة ومواردها وتحقق العدالة الاجتماعية وترتفع بمستوى المعيشة”.

والكاتب من خلال هذا المؤلف هو أول من صاغ مصطلح “السياسة الخضراء” على المستوى الكلى. فكثيراً ما يستخدم المصلح على المستوى الجزئى (الشركات) حين تضع سياستها البيئية ولم يجد الكاتب له استخدام على المستوى الكلى فى بحثه واعداده لهذا الكتاب.

يزداد الإهتمام يوماً بعد يوم بالبيئة ومواردها المختلفة ويأتى على رأس هذه الموارد الطبيعية – بلا منازع – “موارد الطاقة بمختلف أنواعها” وذلك بعد أن أحس الإنسان بحجم المخاطر التى تهدده نتيجة سوء تعامله مع بيئته واستنزاف مواردها مما أدى لظهور العديد من المشكلات البيئية ذات الآثار السلبية على الإنسان والبيئة.

وتلعب السياسات دوراً هاماً فى حسن إستغلال وترشيد إستخدام الموارد البيئية المختلفة لكن هل هناك تعارض بين أهداف وسياسات الطاقة والبيئة؟ إن الإجابة نسبية لحد كبير فبالطبع قد ينشأ تعارض إذا لم تصمم السياسة بعناية بحيث تضمن التوازن بين الأهداف المختلفة لتحقيق التنمية المستدامة. ولأن سياسات الطاقة والبيئة تؤثر فى كافة مناحى الحياة، فالأمر يزداد تعقيداً فقد تؤدى سياسة ما إلى مشكلات فى مجالات أخرى مثل المياه، الأمن الغذائى، الصحة وخلافه.

كما اصبح “الحق فى الطاقة” متطلب أساسى مبدئى لأى فرد ليتمتع بباقى حقوقه البيئية المختلفة (الماء، الهواء…الخ) والقاعدة الفقهية فى الدين الإسلامى “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب” تتماشى وتؤكد هذا المفهوم.

وقد صدرت العديد من الكتب والدراسات التى تناولت قضايا الطاقة والبيئة فى العالم والوطن العربى ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص نظراً لما تتمتع به من مكانة عالمية فى مجالات الطاقة الأحفورية والمتجددة على السواء. ومع أنه من المتوقع أن تكون دولة الإمارات من ضمن أخر البلدان التى سينفد بها النفط والغاز فإنها بدأت تلعب دوراً رائداً فى مجالات الطاقة المتجددة أيضاً. الا أن اغلب هذه الدراسات تناولت قضايا البيئة والطاقة بصورة منفصلة والقليل منها فقط هو الذى وضح دور السياسات Policies وخاصة السياسات الخضراء Green Policies فى التوفيق بين أهداف الطاقة والبيئة.

الحوكمة البيئية

يوضح هذا الكتاب مفهوم الحوكمة البيئية كمفهوم أكبر وأشمل من مفهوم السياسة البيئية، ثم توضيح السياسات التى تعتبر أحد أهم عناصر الحوكمة الرشيدة. مع التوضيح لاسباب فشل السياسة والذى قد ينتج عن فشل السوق أو فشل السياسات ومتى يمكن القول بانه لدينا فعلا سياسة خضراء؟ مع الاشارة الى اهمية تطبيق “سلة من السياسات الخضراء” التى تأخذ في الاعتبار الأبعادالبيئية والإجتماعية والإقتصادية.

وهنا يشير الكاتب أيضاً إلى أن السياسة الخضراء فى مكان أو زمان ما قد لا تكون بالضرورة خضراء فى مكان أو زمان أخرين. فيجب أن ندرس بعناية مثلاُ ثقافة المجتمع وأنماط استهلاكه قبل وضع السياسة، كما أن السياسة الخضراء قد لا تصبح كذلك بعد فترة حيث تتغير الظروف والتكنولوجيات والآثار وبالتالى يجب مراجعة السياسات دورياً للتأكد من أنها فعلاً مازالت خضراء أو يتم تعديلها بما يتماشى مع المستجدات.

تصدر الحكومات والشركات بمختلف أنواعها سياسات بيئية. وفى رأى الكاتب أن وضع سياسة بيئية فقط ليس كافياً وليس دليلاً على أنها فعلاً خضراء أو صديقة للبيئة. فهل فعلاً هذه السياسات تطبق وإذا طبقت فهل فعلاً تحقق منافع وتضيف قيمة على المستوى الكلى وعبر قطاعات الدولة المختلفة. لذلك يرى الكاتب أن السياسة قد تكون خضراء أو بنية والعبرة هنا ليس بالسياسة نفسها بل بآثارها ونتائجها على مختلف القطاعات والفئات.

لذلك فمن الضرورى قبل تنفيذ أى سياسة أن يتم دراسة أثر “سياسة ما” فى مجال معين على باقى المجالات عن طريق مصفوفة لتحليل اثار السياسات المختلفة بحيث يتم معرفة العلاقات المتشابكة والمزايا والسلبيات المتوقعة كى يتم اختيار السياسات التى تعظم النتائج الإيجابية فى أكثر من مجال أو قطاع.

والأمثلة هنا كثيرة فمثلاً السياسات الزراعية فى كثير من الدول العربية كانت تهدف خلال الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضى إلى الأمن الغذائى وهو هدف نبيل فى حد ذاته الا أن هذه السياسات أدت إلى تشجيع المزارعين على التوسع فى الزراعة وإستخدمت الأدوات الاقتصادية، بطريقة خاطئة فكانت تقدم المياه مجاناً وتقدم مساعدات وقروض للمزارعين وكذلك خدمات تسويقية للمنتجات الزراعية لكن النتائج كانت كارثية حيث استنفذت المياه الجوفية فى كثير من المناطق فى غضون سنوات قليلة وانهارت الزراعة ودمرت أغلب هذه المزارع حالياً، كما أن المنتجات الزراعية كانت غالية الثمن ولم تستطع المنافسة عالمياً وحتى محلياً.

ومن هنا يرسى الكاتب هذه القاعدة “ليس كل سياسة بيئية خضراء والعكس صحيح”. فقد نستخدم سياسة ذات هدف بيئى واضح لقطاع ما لكن بالتحليل الدقيق نكتشف أن لها آثاراً سلبية على غيرها من القطاعات.

فإن أى سياسة أو أداة للسياسة يترتب عليها آثار إيجابية وسلبية والهدف هو تعظيم الجانب الإيجابى وموازنة الأولويات وقد نستخدم سياسة لها ضرر ما كمرحلة انتقالية ثم نستعيض عنها بسياسة أخرى فى مرحلة أخرى وهكذا وذلك ما يؤكد ضرورة المراجعة الدورية للسياسات لتعديلها وتطويرها. وكرؤية أوسع لابد من عمل مثل مصفوفة تحليل السياسات أيضاً على مختلف الجوانب الأخرى لمعرفة أثر السياسة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية أيضاً.

بلا شك أن القيادة السياسية فى دولة الإمارات أدركت أهمية تنويع مصادر الطاقة بالدولة والاتجاه للطاقات المتجددة لضمان أمن الطاقة ولاعتبارات بيئية، ونظرا لاهمية قطاع الطاقة كمحرك للتنمية فلابد ان تحرص السياسة الخضراء على عدم إهدار هذا المورد بألا تصب فى فراغ بمعنى أن تصب فى مصلحة التنمية المستدامة بأقصى كفاءة ممكنة.

حيث يستعرض الكتاب عدد من السياسات والمبادرات فى دولة الامارات العربية المتحدة التى تهدف للبحث والتطوير فى مجالات الطاقة المختلفة خاصة المتجددة منها، وكذلك اهمية توفير التمويل والدعم لمشروعات الطاقة المختلفة مثل التعرفة المتزايدة للكهرباء والمياه بما يتناسب مع مختلف القطاعات، وكفاءة الطاقة وسيسات ترشيد الاستهلاك وتوطين التكنولوجيا وتطوير البناء المؤسسى فى الدولة والنقل المستدام واخيرا وليس اخراً استيراتيجية الدولة للنمو الاخضر التى تؤكد على الفكر الرائد فى هذا المجال.

وأخيراً وليس أخراً، يمكن القول بأن النظرة المتأنية للأمور تدرك بسهولة أنه لا تعارض بين سياسات الطاقة والبيئة وأنه يمكن للسياسة الخضراء تحويل تحديات البيئة والطاقة إلى فرص تجارية وإيجاد فرص عمل خضراء. إن تحقيق التناغم بين سياسات الطاقة والبيئة يجعل الجميع رابحاً.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!