من الاحتفالات إلى الفعل: قراءة نقدية في نتائج “قمة كوب24 ” بالقاهرة

محمد التفراوتيمنذ 49 دقيقةآخر تحديث :
من الاحتفالات إلى الفعل: قراءة نقدية في نتائج “قمة كوب24 ” بالقاهرة

آفاق بيئية: محمد التفراوتي 

مع تزايد الضغوط البيئية على البحر المتوسط بوتيرة غير مسبوقة، انعقد الاجتماع الرابع والعشرون للأطراف المتعاقدة في اتفافية برشلوفة وبروتوكولاتها (COP24) من 5-2 دجنبر 2025 في القاهرة، مصر، تحت شعار “الاقتصاد الأزرق المستدام من أجل البحر المتوسط المرن والصحي”، شارك في القمة ممثلين من 21 دولة متوسطية والاتحاد، الأوروبي. إلى جانب أصحاب المصلحة الرئيسيين، لمدارسة سبل مواجهة التحديات البينية الحرجة التي تواجه المنطقة،

قمة كوب 24 ( COP24) بالقاهرة: التحديات والفرص

تناول المشاركون قضايا ملحة مثل التلوث البحري، وتغير المناخ، وفقدان النوع البيولوجي. وتركزت المناقشات على تعزيز التعاون الإقليمي وتعزيز الحلول المستدامة لحماية النخظم لبينية الفريدة اللمتوسطين وتعزيز الاقتصاد الأزرق،
يعد مؤتمر الأطراف الهينة العيا لاتخاذ القرارات ضمن نظام اتفاقية الأمم المتحدة للبيئة واتفاقية برشلونة، ويوفر منصة مهمة للمسؤولين رفيعي المستوى والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية للتعاون واتخاذ قرارات لتشكيل مستقبل السياسات البيئية في البحر المتوسط، تقاسم صناع القرار الرؤى وشاركوا في مناقشات جماعية، وسلطوا الضوء على الإجراءات ذات الأولوية التي تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي والموارد البحربة في البحر المتوسط

و شهدت القمة مناقشة معمقة لمجموعة من القضايا المحورية التي تمس جوهر التنمية المستدامة والعمل البيئي المشترك. وتوزعت الجلسات بين عروض علمية رصينة، ومناقشات تفاعلية حول سبل تعزيز التكامل بين السياسات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
تناولت الجلسة الافتتاحية الرهانات الكبرى المرتبطة بالتغير المناخي وأمن الموارد الطبيعية، بينما ركزت الجلسات اللاحقة على الحلول المبتكرة في مجالات الطاقة النظيفة، والتكيف مع ندرة المياه، وإدارة النفايات.
كما خصصت حلقات نقاش لتجارب المجتمع المدني، عرض خلالها ممثلو الجمعيات والمنظمات الشبابية نماذج لمشاريع محلية ناجحة في مجالات الاقتصاد الأخضر والزراعة المستدامة وحماية التنوع البيولوجي.
ولم تخل القمة من بعد مؤسسي، حيث ناقش الخبراء آليات تمويل المشاريع البيئية، ودور القطاع الخاص في الانتقال الطاقي، وأهمية التحول الرقمي في دعم الحوكمة البيئية.
أما الجلسة الختامية، فتمحورت حول التوصيات العملية، التي دعت إلى تعزيز الشراكة بين الحكومات والجامعات والمجتمع المدني، وتوسيع المبادرات الإقليمية لتبادل الخبرات وبناء قدرات الشباب في مجالات الابتكار الأخضر.

جاء انعقاد الاجتماع الرابع والعشرين للأطراف في اتفاقية برشلونة بالقاهرة ليضع المنطقة المتوسطية أمام مرآة واضحة تعكس حجم التحديات البيئية التي تتفاقم بوتيرة أسرع من قدرة السياسات الحالية على المواكبة.

ورغم الطابع الاحتفالي الذي طغى على المناسبة بمناسبة مرور خمسين سنة على إطلاق خطة عمل البحر الأبيض المتوسط، فإن جوهر النقاشات كشف عن فجوة متزايدة بين الطموح السياسي المعلن وواقع التنفيذ على الأرض. غير أن هذه الذكرى لم تخف التحديات التي برزت بقوة خلال النقاشات.

الفجوة بين الطموح والتنفيذ

وخلال استعراض التقييم المرحلي للتقدم المحرز، بدا جليا أن معظم الإنجازات بقيت في حدود الإطار المفاهيمي والتقارير التقنية، في حين ظل التنفيذ الفعلي بطيئا ومتفاوتا بين الدول. ورغم أن استراتيجية المتوسط للتنمية المستدامة 2026–2035 حملت رؤية تقدمية من حيث تبني الاقتصاد الدائري والصمود المناخي، فإنها افتقرت لآليات قياس واضحة ومؤشرات كمية ملزمة، ما جعلها أقرب إلى وثيقة إرشادية منها إلى خطة تنفيذية قابلة للتتبع والمساءلة. وتكرر الأمر ذاته في الإطار الإقليمي للتكيف مع تغير المناخ، حيث حضر الطموح السياسي وغابت الأدوات العملية، خصوصا في ظل محدودية التمويل الذي لم يشهد أي زيادة تذكر رغم اتساع رقعة المخاطر البيئية.

أما قرار إنشاء مركز الأنشطة الإقليمية لتغير المناخ، فقد اعتبر خطوة مؤسسية متقدمة، تعكس طموحا سياسيا للتعامل مع التحديات البيئية.
إلا أن هذا القرار جاء متأخرا مقارنة بسرعة احترار المتوسط، وبقي نجاحه رهينا بقدرة الدول على توفير الدعم المالي والفني المطلوب، لضمان ألا يتحول المركز إلى منصة استشارية بلا تأثير فعلي.

وعلى مستوى إعلان القاهرة الوزاري، ورغم نجاح مصر في تحقيق توافق سياسي حوله، فإن الحسم العملي في إشكالية تلوث البلاستيك مثل تراجعا واضحا في ملف يعد من أخطر التهديدات التي تواجه البحر المتوسط. وقد أثار هذا الموضوع استياء فاعلين بيئيين رأوا فيه إشارة إلى استمرار تأثير المصالح الاقتصادية على صياغة القرارات البيئية الإقليمية.

وفي خلفية كل هذه النقاشات، كان المجتمع المدني مواكبا، وإن ظل تأثيره محدودا على مجريات التفاوض.
وقد لخص الدكتور عماد عدلي رئيس الشبكة العربية للبيئة والتنمية هذا الشعور بقوله: “ما نخشاه هو أن يظل البحر يحتفل به أكثر مما يحمى. نحن نسمع خطابات جميلة، لكن على الشواطئ نرى الحقيقة؛ البلاستيك ينتشر، والأنواع تختفي، والضغوط البشرية تتوسع بلا ضوابط. نحتاج إلى التزامات حقيقية، لا عبارات تضامنية فقط.”

هذا التصريح يلخص جوهر الفجوة بين الطموح والواقع، ويعكس قلقا متناميا لدى الفاعلين غير الحكوميين من استمرار القرارات في إطارها التوافقي دون أن ترتقي إلى مستوى الإلزام المطلوب.

وأفاد الدكتور عماد عدلي أن ما يحدث اليوم « يعبر عن اختبار حقيقي لمدى قدرة الفاعلين على حماية حق المواطنين في بيئة سليمة».
وأكد أن المجتمع المدني، بحكم قربه من الميدان وتماسه اليومي مع الفئات المتضررة، «أصبح يمتلك رؤية أوضح لحجم الاختلالات»، مشددا على أن صوته لم يعد ثانويا، بل يشكل جزء أساسيا من آليات الإنذار المبكر.
وأضاف أن مواجهة التحديات البيئية تستدعي «جرأة في اتخاذ القرار، وتحريرا لمساحات الشراكة، وتقديرا فعليا للمعرفة المحلية»، معتبرا أن كل تأخير في التدخل «يحول الأزمة من عارض بيئي إلى تهديد للعدالة الاجتماعية والأمن الإنساني»

المجتمع المدني وأزمة البلاستيك

و توجهت منظمات وجمعيات علمية وبيئية ومواطنون، عبر رسالة مفتوحة إلى وزراء البيئة بدول المتوسط خلال القمة داعين إلى تحرك عاجل وطموح وموحد لوقف أزمة البلاستيك التي تخنق البحر المتوسط.
الرسالة تحمل نبرة تحذير قوية وتؤكد أن البحر المتوسط، بحكم انغلاقه وكثافة الأنشطة البشرية حوله، أصبح واحدا من أكثر بحار العالم تلوثا بالبلاستيك، حيث يلقى فيه 230 ألف طن من البلاستيك سنويا. تراكم في أعماقه أكثر من 7 ملايين طن من المخلفات البلاستيكية.
أجزاء كبيرة منه أصبحت محجزا للنفايات البلاستيكية التي تبقى فيه ولا تغادره.

وهو ما يجعل أجزاء واسعة من البحر شبه مغلقة أمام التجدد الطبيعي للكتلة المائية، ويضاعف خطورة استمرار التلوث البلاستيكي على التنوع البيولوجي والاقتصادات الساحلية.

وتشير الرسالة إلى أن العلم حاسم. تجاوز العالم الحدود الكوكبية المتعلقة بالتلوث بالكيماويات والمواد الصناعية، ما يشكل خطرا على الأنظمة البيئية وصحة الإنسان.
كما تنتقد الرسالة فشل مفاوضات اتفاق البلاستيك العالمي في جنيف، وتدعو دول المتوسط إلى قيادة نموذج بديل إقليمي بدل انتظار التوافق الدولي.

ووجهت للوزراء عدة مطالب أهمها إعلان أزمة البلاستيك حالة طوارئ بيئية إقليمية. و دعم قوي للمعاهدة الدولية حول تلوث البلاستيك والتعهد بالتوقيع والتصديق عليها. وتحديد أهداف إلزامية لخفض البلاستيك وإيقاف تسربه للبحر بنسبة 50 في المائة بحلول 2030. ثم إنشاء آلية مراقبة شفافة إقليمية وقاعدة بيانات مشتركة. و خلق صندوق متوسطي للتضامن المالي لدعم الدول والمناطق الأكثر هشاشة. هءا مع إدماج مكافحة البلاستيك في كل السياسات القطاعية (السياحة، النقل، الصناعة، الصحة…).

وخاطبت الرسالة الوزراء بلهجة تاريخية. “القرارات التي ستتخذ في القاهرة ستسجل في التاريخ” وتدعو إلى اتفاق ملزم وقابل للقياس بدل الاكتفاء بإعلانات غير تنفيذية، معتبرة أن حماية المتوسط مسؤولية جماعية لا تحتمل التأجيل.

وعقب الدكتور عماد عدلي رئيس الشبكة المغربية للبيئة والتنمية على الرسالة قائلا: “تعكس هذه الرسالة صوتا جماعيا غير قابل للتجاهل، لأنها تأتي من قلب المجتمع العلمي والمدني الذي يراقب عن كثب ما يتعرض له البحر المتوسط من اختناق بفعل البلاستيك. إن الأرقام الواردة في الرسالة ليست مجرد مؤشرات بيئية، بل إنذارات حقيقية تهدد صحة الإنسان واستقرار النظم البحرية وازدهار الاقتصادات الساحلية. ما طرح من مطالب يشكل خارطة طريق واضحة، وعلى وزراء المنطقة التعامل معها باعتبارها التزاما أخلاقيا وسياسيا قبل أن تكون خيارا تقنيا.”
وأضاف: “لقد طال انتظار الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة الفعل. وإذا لم تتحمل دول المتوسط مسؤوليتها المشتركة اليوم، فسنخسر أحد أهم بحار العالم وأكثرها هشاشة. المطلوب الآن هو قرار شجاع. اتفاق ملزم، مراقبة صارمة، وتمويل عادل يعكس مبدأ التضامن بين دول الشمال والجنوب.”
وختم تصريحه بالتأكيد على أن: “المتوسط فضلا عن كونه جغرافيا مشتركة، فهو ذاكرة إنسانية وثقافية تجمع ملايين البشر. حماية هذا الإرث مسؤولية جماعية، وما جاء في الرسالة يعبر عن نبض الشارع البيئي في المنطقة، وعلينا الإصغاء إليه بجدية.”

أما الجلسات الجانبية فقد كشفت عن دينامية حقيقية، خصوصا في قضايا التلوث البحري والأراضي الرطبة وبرنامج “MedProgramme”. غير أن هذا الزخم ظل محصورا في نطاق الحوار أكثر من كونه محفزا لاتخاذ خطوات تنفيذية جديدة، مما يعيد طرح السؤال حول قدرة هكذا فعاليات على التأثير في مضمون القرارات الرسمية.

المتوسط على مفترق طرق

وفي المجمل، يمكن القول إن قمة كوب 24 (COP24) بالقاهرة كان ناجحا من حيث التنظيم وتبادل الرؤى، لكنه لم يكن نقطة تحول في مستوى الالتزام السياسي أو التمويل أو الإلزام القانوني. فقد بقيت اللغة التوافقية طاغية، واستمرت القرارات في إطارها الإرشادي، الأمر الذي يجعل حماية البحر المتوسط، في ظل تزايد المخاطر المناخية والبيئية، معركة تتطلب إرادة سياسية أكبر وقرارات أكثر جرأة. وبينما تستعد المنطقة لعقد جديد من التحديات، يظل السؤال معلقا: هل سيبقى المتوسط فضاء للتعاون البيئي، أم سيتحول إلى ساحة تظهر حدود هذا التعاون؟

وفي ضوء ما شهدته القاهرة، يبدو أن المتوسط يقف عند مفترق طرق حاسم. إما أن يصبح مختبرا عالميا للحلول البيئية، أو أن يتحول إلى مرآة تعكس حدود التعاون الإقليمي، والمستقبل الآن بين أيدي صناع القرار. إما الالتزام الجاد والملموس بحماية البحر المتوسط، أو المخاطرة بفقدان أحد أكثر بحار العالم هشاشة وأهمية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!