دعوة أفريقية إلى الحذر في استغلال ثروات أعماق المحيطات

محمد التفراوتي28 يوليو 2025آخر تحديث :
دعوة أفريقية إلى الحذر في استغلال ثروات أعماق المحيطات

صحفيون من أجل الصيد المسؤول والبيئة (JRFE) يطالبون بوقف احترازي لاستغلال المعادن في أعماق البحار

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في ظل تنامي الاهتمام العالمي المتزايد باستغلال المعادن في أعماق البحار، وجهت منظمة صحفيون من أجل الصيد المسؤول والبيئة (JRFE) نداء عاجلا إلى الحكومات الأفريقية لاعتماد موقف موحد وحازم يدعو إلى حظر أو، على الأقل، إلى تعليق مؤقت لأنشطة استغلال المعادن في أعماق البحار. وقد جاء هذا النداء خلال مؤتمر صحفي عقد في “كيب كوست”، غانا، على هامش اجتماعات الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA) المنعقدة في كينغستون، جامايكا.

افريقيا مطالبة بإسماع صوتها

أكد السيد “تشارلز سميث”، مسؤول الشراكات في منظمة صحفيون من أجل الصيد المسؤول والبيئة (JRFE)، أن الوقت قد حان لأفريقيا لتسمع صوتها وتنضم إلى قائمة الـ37 دولة والعلماء والمنظمات البيئية التي تطالب بوقف فوري أو مهلة احترازية، من أجل فهم أعمق للمخاطر البيئية والاقتصادية والعلمية المرتبطة باستغلال المعادن في أعماق البحار.

تراث مشترك… مهدد بالنهب

تعد أعماق البحار إحدى آخر الجبهات البيئية غير المستكشفة على كوكب الأرض. وتنص المادة 136 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) على أن هذه المناطق تعد “تراثا مشتركا للإنسانية”. وتزخر هذه النظم البيئية بكائنات نادرة وموائل عتيقة، ما يمنحها قيمة بيئية وثقافية وإنسانية لا تقدر بثمن.

ورغم ذلك، فإن هذا التراث مهدد اليوم بأنشطة متزايدة من بعض الشركات التي تسعى لاستخراج معادن استراتيجية كالكوبالت والنحاس والمنغنيز والنيكل، بذريعة دعم الانتقال الطاقي والاقتصاد الأخضر.

غياب مقلق لأفريقيا

ورغم خطورة الوضع بالنسبة للقارة، لم يسجل أي بلد أفريقي ضمن قائمة الدول المطالبة بوقف أو تعليق هذه الأنشطة. وتشير دراسة أجرتها الهيئة الدولية لقاع البحار سنة 2020 إلى أن 8 من أصل 13 بلدا أكثر عرضة للآثار الاقتصادية السلبية للتعدين البحري توجد في أفريقيا، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، الغابون، زامبيا، وموريتانيا.

وتساءل سميث: «كيف لقارة تمتلك ثروات بحرية هائلة ومجتمعات ساحلية واسعة أن تبقى خارج هذا النقاش المصيري؟»

تهديد مزدوج للبيئة والاقتصاد

و تحذر المنظمة (JRFE) من المخاطر الجسيمة التي يمكن أن تسببها أنشطة استغلال المعادن في أعماق البحار على النظم البيئية البحرية العميقة. فهذه الأنشطة قد تحدث أضرارا لا رجعة فيها في المواطن الطبيعية الهشة، وتؤثر على التيارات البحرية، وتخفض من مستويات الأوكسجين، وتهدد المخزون السمكي وسبل عيش المجتمعات الساحلية الأفريقية.

ومع غياب إطار قانوني واضح على المستوى الإقليمي والقاري، هناك خشية من تكرار “لعنة الموارد”، حيث تستغل الشركات الأجنبية الثروات الأفريقية دون أن يعود ذلك بالنفع على السكان المحليين.

انتقال أخضر أم ذريعة اقتصادية؟

وتطرح المنظمة (JRFE) تساؤلات جدية حول استخدام مبررات الانتقال الطاقي لتبرير هذا الاستغلال. إذ أن تقنيات البطاريات تتجه نحو استخدام مواد لا توجد في أعماق البحار. كما أن هناك شكوكا حول استغلال هذه الموارد لأغراض عسكرية، في خرق لمبدأ السلمية الذي ينص عليه القانون الدولي البحري بشأن التراث المشترك للإنسانية.

وقال سميث: «إذا كان الهدف من هذا الاستغلال هو تصنيع الأسلحة، فإن ذلك يشكل انتهاكا صارخا لمفهوم التراث المشترك للإنسانية».

نداء عاجل: أوقفوا الاندفاع

واختتمت المنظمة (JRFE) مداخلتها بنداء إلى الدول الأفريقية: «افتحوا أعينكم قبل فوات الأوان. إن استغلال المعادن في أعماق البحار ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو مسألة سيادة على مواردكم المشتركة ومستقبل بيئتكم».كما دعت إلى تعزيز التمثيل الأفريقي داخل الهيئة الدولية لقاع البحار، ووضع إطار قانوني إقليمي يتماشى مع استراتيجية الاتحاد الأفريقي للاقتصاد الأزرق، القائمة على الاستخدام المستدام للموارد البحرية في خدمة التنمية المستدامة ورفاه الشعوب.

تحذيرات علمية ومخاوف متزايدة

وفي تقرير صدر في مارس 2025، أشارت الخبيرة في الشؤون البحرية الدولية منى السماري إلى أن الأصوات المدافعة عن البيئة والشعوب الأصلية تعبر عن قلق متزايد بشأن حماية التراث الثقافي لأعماق البحار. وأكدت أن فقهاء القانون البحري يذكرون بأن الحق في استغلال معادن أعماق البحار يعود للإنسانية جمعاء، وليس لعدد محدود من الشركات المتميزة.

وأضافت السماري: «رغم الإغراء الذي تمثله معادن كالكوبالت والنيكل، تظهر دراسات حديثة أن العائدات المالية للدول ذات الدخل المنخفض تبقى ضئيلة. فقد أظهرت دراسة مشتركة للمجموعة الأفريقية ومعهد  “ماساتشوستس” للتكنولوجيا (MIT)،  أن كل دولة عضوة في الهيئة الدولية (خارج الاتحاد الأوروبي) لن تحصل سوى على معدل 2,93 مليون دولار خلال 30 سنة، أي نحو 97,800 دولار سنويا فقط».

وختمت السماري بالقول إن غياب البيانات العلمية الموثوقة، والجدل المحيط بظواهر غير مفهومة مثل “الأوكسجين الأسود” المزعوم، وغموض المعلومات الصادرة عن شركات استغلال المعادن، كلها عوامل تفرض ضرورة الالتزام الصارم بمبدأ الاحتياط، وتستدعي إجراء بحوث مستقلة، وفرض وقف دولي شامل لأي نشاط تجاري في أعماق البحار.

يشار إلى أن هذه المبادرة تجري تحت إشراف الخبيرة منى السماري، في إطار جهود التوعية والتنمية المستدامة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!