المحيط لا يصمت: مبادرة مغربية تضيء على أزمة الطيور البحرية المنسية

محمد التفراوتي13 يوليو 2025آخر تحديث :
المحيط لا يصمت: مبادرة مغربية تضيء على أزمة الطيور البحرية المنسية

حملة وطنية لحماية الطيور البحرية 

المحافظة على الطيور البحرية في المغرب: تجربة ميدانية لتغيير الوعي وتعزيز ممارسات الصيد المستدام

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في سياق السعي نحو تعزيز حماية التنوع البيولوجي البحري، أطلقت مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM – BirdLife Maroc) حملة وطنية توعوية ممتدة ما بين نوفمبر 2024 وأبريل 2025، ركزت على إشكالية الطيور البحرية والصيد العرضي (Bycatch)، وهي ظاهرة مسكوت عنها إعلاميا ولكنها تمثل تهديدا حقيقيا للأنواع البحرية الضعيفة.

رغم غياب التغطية الكافية، فإن الصيد العرضي يعد تهديدا متناميا لعدد من الطيور البحرية مثل البفن والفريجة، إذ تنجذب هذه الطيور للأسماك أو الطعم ثم تعلق في معدات الصيد، خاصة الطرافات (palangres)، التي تعتبر من الأدوات الأكثر تسببا في الحوادث.

إشكالية الصيد العرضي: تهديد صامت للطيور البحرية

وتظهر نتائج الدراسة الميدانية التي استهدفت 70 صيادا ومتعلما في مراكز التكوين البحري، أن 67 في المائة من المستجوبين سبق لهم أن لاحظوا حالات صيد عرضي لطيور بحرية، مما يدل على شيوع الظاهرة رغم قلة التناول المؤسسي والإعلامي لها.

و أبرزت نتائج الاستبيان أن ولا أحد من المستجوبين سبق له أن تلقى تدريبا أو معلومات حول طرق التعامل مع الطيور البحرية أو كيفية حمايتها. هذا الواقع يعكس فراغا في البرامج التكوينية، ويبرر الحاجة الماسة إلى حملات ميدانية مباشرة، كالحملة التي أطلقتها مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM)

منهجية الحملة: تقارب مباشر، أدوات بيداغوجية، واستماع متبادل

انطلقت الحملة من أربعة موانئ رئيسية (الصويرة، العرائش، آسفي، والحسيمة)، وعملت على تنفيذ مقاربة تشاركية قاعدية تجلت في تنظيم ورشات تقنية داخل معاهد تكوين البحارة (ITPM) ومراكز التأهيل المهني البحري (CQPM). و لقاءات ميدانية مباشرة على الأرصفة مع الصيادين والمجهزين والجمعيات. و اعتماد وسائط بصرية (صور، فيديوهات، مطويات، دلائل) لشرح ممارسات صديقة للطيور.
واستفاد من هذه الأنشطة أكثر من 220 طالبا وصيادا في طور التكوين، و90 صيادا محترفا، إلى جانب 10 جمعيات محلية، مما منح الحملة بعدا اجتماعيا ومهنيا حقيقيا.
نتائج واستنتاجات: وعي أولي وحاجة إلى بناء الكفاءات

خلص تحليل استبيانات المشاركين إلى أن 97 في المائة من المستجوبين يدركون الدور البيئي المهم للطيور البحرية. و أن معرفة الأنواع محدودة وتقتصر على الطيور الأكثر شيوعا، مع رغبة قوية في التكوين، تعكس استعدادا للتغيير. فضلا وجود ممارسات الإطلاق لكنها غير سليمة تقنيا، بسبب غياب التكوين العملي.
وتوحي إذن هذه المؤشرات بتوفر “نية إيجابية” تحتاج فقط إلى هيكلة وتوجيه مؤسسي ومهني سليم.

توصيات لتعزيز الأثر واستدامة الجهود

و استنادا إلى تجربة الحملة، وتوصي مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM) بنهج عدة خطوات لتثبيت المكتسبات من قبيل إدماج مواضيع التنوع البيولوجي البحري في مناهج تكوين الصيادين ومهنيي البحر.
و تنظيم تكوينات دورية موجهة للصيادين حول الصيد المستدام وحماية الطيور. و تعميم أدوات التواصل والتوعية بأشكال مبسطة وبلغات متعددة. ثم تجريب تقنيات مبتكرة كأنظمة الإخافة البصرية (Scybirds) وتعديل ساعات وعمق الصيد لتقليل الحوادث. و تفعيل مناطق بحرية محمية مؤقتة خلال الفترات الحرجة لتكاثر أو هجرة الطيور. وتعزيز دور الجمعيات المحلية في التتبع والمرافقة والتوعية داخل الموانئ.

نحو التزام دائم من أجل تنوع بحري سليم

وتمثل هذه الحملة نقلة نوعية في مسار المحافظة على الطيور البحرية في المغرب، حيث لم تكتف بالتوعية، بل مهدت لتعاون طويل الأمد بين الفاعلين البحريين والبيئيين. وقد خلقت هذه المبادرة أرضية مشتركة بين الخبراء والممارسين، قائمة على الثقة، والفعل الميداني، والمعلومة العلمية.
وتؤكد مجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب (GREPOM) في هذا السياق ان “التوعية هي المفتاح الأول للتغيير. فالصيادون هم في الخط الأمامي لحماية البحر، إذا توفرت لهم الأدوات والاعتراف اللازم.”
يشار ان هذه التجربة، بنهجها المتكامل والبناء، تمثل نموذجا قابلا للتكرار في بلدان أخرى تواجه نفس التحدي، وتؤكد على أهمية الجمع بين المعرفة، العمل الميداني، والتواصل الفعال من أجل بيئة بحرية أكثر توازنا واستدامة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!