مخرجات مؤتمر نيس للمحيطات بين الإنجازات والإغفالات

محمد التفراوتيمنذ 6 ساعاتآخر تحديث :
مخرجات مؤتمر نيس للمحيطات بين الإنجازات والإغفالات
عقد مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات (UNOC3) في الفترة من 9 إلى 13 يونيو 2025 في مدينة نيس الفرنسية، بمشاركة أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة وآلاف من قادة الأعمال والعلماء والناشطين البيئيين . جاء هذا المؤتمر في وقت تواجه فيه المحيطات “حالة طوارئ” حسب تعبير الأمم المتحدة، مع تزايد التهديدات مثل تبييض الشعاب المرجانية وانهيار مخزونات الأسماك وارتفاع درجات حرارة البحار . كان الهدف المعلن للمؤتمر هو “تسريع العمل وتعبئة جميع الجهات الفاعلة لحفظ المحيطات واستخدامها على نحو مستدام” .
 الإنجازات الرئيسية للمؤتمر
 التقدم في معاهدة حماية أعالي البحار
شكلت المصادقة على معاهدة أعالي البحار أحد أبرز إنجازات المؤتمر، حيث صادقت 19 دولة إضافية على المعاهدة خلال المؤتمر، ليصل العدد الإجمالي للدول الموقعة إلى 50 دولة من أصل 60 دولة مطلوبة لدخول المعاهدة حيز التنفيذ . هذه المعاهدة تهدف إلى حماية الحياة البحرية في 60 في المائة من المحيطات الواقعة خارج المياه الوطنية، ووصفتها ريبيكا هوبارد من “تحالف أعالي البحار” بأنها “علامة فارقة في العمل من أجل المحيط” .
 “نداء الاستيقاظ اللطيف” لمعاهدة البلاستيك
أصدر وزراء من 95 دولة إعلانا مشتركا يحثون فيه على إبرام معاهدة طموحة لإنهاء التلوث البلاستيكي طوال دورة حياته . حدد الإعلان خمسة عناصر رئيسية تشمل نهج دورة الحياة الكاملة، والتخلص التدريجي من المواد الكيميائية المثيرة للقلق، وتحسين تصميم المنتجات . هذا الإعلان يمثل إطارا مرجعيا للمفاوضات النهائية لمعاهدة البلاستيك المقررة في غشت في جنيف .
 التعهدات المالية والمبادرات الإقليمية
خصص المؤتمر 10 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة من جهات مانحة ومستثمرين من القطاع الخاص للتنمية المستدامة لاقتصادات المحيطات . كما أعلنت فرنسا عن تخصيص مليوني يورو للتكيف مع المناخ في دول جزر المحيط الهادئ . بالإضافة إلى ذلك، أطلقت البرازيل وفرنسا مبادرة “تحدي المساهمات المحددة وطنيا الزرقاء” لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال إجراءات قائمة على المحيطات .
التقدم في حماية المناطق البحرية
اغتنمت العديد من الدول الفرصة خلال المؤتمر للكشف عن خطط لإنشاء مناطق بحرية محمية جديدة واسعة وتقييد صيد الأسماك بشباك الجر القاعية . كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن فرض قيود على صيد الأسماك بشباك الجر في بعض المناطق البحرية المحمية .
 الإغفالات والانتقادات الرئيسية
 إغفال قضية الوقود الأحفوري
تعرض المؤتمر لانتقادات حادة بسبب عدم ادراج الوقود الأحفوري في جدول أعماله الرسمي أو في البيان الختامي . هذا الإغفال جاء رغم أن الوقود الأحفوري هو العامل الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة المحيطات، كما أشار المبعوث الأميركي الخاص السابق للمناخ :جون كيري” . وصف الناشطون هذا الإغفال بأنه “غير مقبول” خاصة في مؤتمر مخصص لحماية المحيطات .
محدودية التعهدات المالية من الحكومات الغنية
عبرت العديد من الدول عن خيبة أملها لعدم حصولها على تعهدات مالية جديدة كافية لمكافحة ارتفاع منسوب مياه البحار والصيد الجائر . التعهدات المالية من الحكومات الغنية كانت محدودة نسبيا، حيث أعلنت فرنسا عن تخصيص مليوني يورو فقط لدول جزر المحيط الهادئ ، بينما تقدر الأمم المتحدة كلفة حماية النظم البيئية البحرية بنحو 175 مليار دولار سنويا .
محدودية التقدم في قضية التعدين في أعماق البحار
رغم التركيز على مخاطر التعدين في أعماق البحار، لم يحقق التحالف العالمي المناهض لهذه الممارسة، والذي تقوده فرنسا، سوى جذب أربعة أعضاء جدد خلال القمة، ليصل إجمالي عدد الدول الأعضاء إلى 37 دولة فقط . هذا التقدم المحدود يأتي في وقت تستعد الدول لمناقشات محمومة حول القواعد العالمية للتعدين في أعماق البحار في يوليوز .
 عدم كفاية الاهتمام بالانتقال العادل
أشارت بعض المنظمات إلى غياب الالتزامات الكافية بالانتقال العادل لعمال النفايات غير الرسميين، وحماية حقوق الإنسان بشكل أقوى في العديد من القرارات . هذا الإغفال يثير مخاوف بشأن العدالة الاجتماعية في تنفيذ السياسات البيئية.
 تحليل التحديات الهيكلية
 الفجوة بين الطموح والتنفيذ
كما هو الحال في العديد من المؤتمرات الدولية، ظهرت فجوة واضحة بين التصريحات الطموحة والقدرة على التنفيذ. الإعلان السياسي الختامي اعترف بأن “العمل لا يتقدم بالسرعة أو النطاق المطلوبين” . هذه الفجوة تكرس نمطا شوهد في مؤتمرات سابقة حيث تتفوق الخطابات السياسية على الإجراءات الملموسة.
تأثير السياسات الوطنية على العمل متعدد الأطراف
غياب الولايات المتحدة عن المؤتمر، ورفضها المشاركة في العديد من المبادرات متعددة الأطراف، شكل تحديا كبيرا لفعالية المؤتمر . كما أن مقاومة الدول المنتجة للنفط لبعض الالتزامات الملزمة، خاصة فيما يتعلق بمعاهدة البلاستيك، أثرت على مستوى الطموح .
محدودية مشاركة المجتمعات المحلية
رغم الجهود المبذولة لإشراك أصحاب المصلحة المتعددين، ظلت مشاركة المجتمعات المحلية والسكان الأصليين محدودة في عملية صنع القرار . هذه المحدودية تضعف فعالية السياسات في الميدان حيث تعتمد العديد من المجتمعات بشكل مباشر على الموارد البحرية.
 الطريق إلى الأمام
يترك مؤتمر نيس للمحيطات إرثا مختلطا من الإنجازات والإغفالات. من ناحية، حقق تقدما ملموسا.في معاهدة أعالي البحار ووضع إطارا لمعاهدة البلاستيك وحشد التمويل للاقتصاد الأزرق. ومن ناحية أخرى، فشل في معالجة القضية الجوهرية المتمثلة في الوقود الأحفوري، وأظهر محدودية في تحويل التعهدات إلى إجراءات ملموسة.
النجاح الحقيقي للمؤتمر سيعتمد على قدرة الدول والجهات الفاعلة على تسريع المصادقة على معاهدة أعالي البحار ودخولها حيز التنفيذ. و ضمان معاهدة بلاستيك قوية وشاملة في مفاوضات غشت. ثم معالجة فجوة التمويل لحماية المحيطات و إدراج الوقود الأحفوري بشكل صريح في أجندة حماية المحيطات المستقبلية. و تعزيز آليات المساءلة والمتابعة لضمان تنفيذ الالتزامات.
كما قال الأمين العام للمؤتمر “لي جونهوا”: “يواجه المحيط أزمة غير مسبوقة” . التحدي الآن هو تحويل الزخم السياسي الذي ولده المؤتمر إلى إجراءات تحمي المحيطات فعليا وتضمن استدامتها للأجيال القادمة.
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!