آفاق بيئية: محمد التفراوتي
وسط أجواء مفعمة بالتوتر والآمال، تواصلت فعاليات مؤتمرات الأطراف لاتفاقيات بازل وروتردام وستوكهولم لعام 2025، حيث شهد يوم 2 مايو أحداثا حاسمة ومواقف متباينة بشأن مكافحة الملوثات العضوية الثابتة والنفايات العابرة للحدود.
في قاعة الاجتماعات في جنيف، سلط أعضاء شبكة القضاء على الملوثات (International Pollutants Elimination Network – IPEN) الضوء على كيفية انتقال الملوثات العضوية الثابتة من النفايات إلى السلسلة الغذائية، مبرزين المخاطر الصحية والبيئية المترتبة على استمرار إطلاق هذه المواد السامة. وتم عرض صور توضيحية ونماذج حية لمصادر التلوث وطرق انتقاله.
قرارات مؤثرة واستثناءات تثير الجدل
شهدت اتفاقية ستوكهولم تقدما نوعيا من خلال قرارها بحظر إنتاج واستخدام بعض الملوثات العضوية الثابتة، لا سيما أحماض البيرفلوروكربوكسيل طويلة السلسلة (LC-PFCAs)، التي تعرف بكونها من “المواد الكيميائية الدائمة”. إلا أن هذا الإنجاز لم يكن مطلقا، إذ تضمن القرار استثناءات تسمح باستخدامات محددة لمدة خمس سنوات، مما أثار انتقادات بعض الوفود ومنظمات المجتمع المدني.
وفي قرار آخر طال انتظاره، تم الاتفاق على إلغاء مبيد الكلوربيريفوس تدريجيا، مع الإبقاء على استخدامه في بعض المحاصيل الحيوية لعدة سنوات، مراعاة لأزمات الغذاء العالمية التي تؤثر على نحو 1.9 مليون شخص وفق تقديرات برنامج الأغذية العالمي.
رغاوي الإطفاء… جدل أخلاقي وبيئي
أثار قرار بالسماح لدولة واحدة بمواصلة استخدام رغاوي إطفاء الحرائق التي تحتوي على مواد كيميائية دائمة، استياء واسعا بين اتحادات رجال الإطفاء والمنظمات البيئية، إذ اعتبر القرار بمثابة “سماح بتسميم رجال الإطفاء”، رغم تحديده لفترة أربع سنوات فقط ولقضايا حرائق “الفئة ب”.
اتفاقية بازل تفتح ملف نفايات المنسوجات
انطلقت أعمال اتفاقية بازل بتركيز جديد على نفايات المنسوجات، في ظل تزايد القلق من تصدير كميات هائلة من هذه النفايات إلى الدول النامية تحت ستار إعادة الاستخدام، رغم أن 1 في المائة فقط منها يعاد تدويره فعليا. كما تناولت الاجتماعات سريان تعديلات النفايات البلاستيكية، والتي دخلت حيز التنفيذ في 2021، ووضعت قيودا مشددة على حركة هذه النفايات.
فعالية حول الشفافية في تجارة البلاستيك
شهد اليوم تنظيم فعالية جانبية حول تعزيز الشفافية في تجارة البلاستيك، بالتوازي مع المفاوضات الجارية لإعداد معاهدة دولية جديدة بشأن التلوث البلاستيكي. كما جرى استكشاف التداخل بين إدارة المواد الكيميائية وحماية التنوع البيولوجي.
تنسيق السياسات وتعبئة الموارد
عقدت جلسة لتبادل الرؤى بين قيادة مرفق البيئة العالمية وممثلي الاتفاقيات المتعددة الأطراف، بهدف تعزيز التنسيق في تعبئة الموارد. كما ناقشت الفعالية الخاصة باتفاقية ستوكهولم كيف يمكن لخطط التنفيذ الوطنية أن تساهم في تحقيق أهداف الإطار العالمي للمواد الكيميائية.
الاتفاقيات الثلاث ومسار التفاوض
لقد شكلت الاتفاقيات الثلاث، بازل 1989، روتردام 1998 وستوكهولم 2001، إطارا تعاقديا دوليا متقدما لتنظيم التعامل مع النفايات والمواد الكيميائية الخطرة، إلا أن المسار التاريخي للمفاوضات حول هذه الاتفاقيات يظهر أن الطموحات البيئية العالمية غالبا ما كانت تصطدم بحسابات جيوسياسية ومصالح اقتصادية ضيقة.
فمنذ بداياتها، هيمنت الدول الصناعية على مسارات التفاوض وصياغة المعايير، بينما وجدت دول الجنوب نفسها في موقع دفاعي، تطالب بتضمين مبادئ العدالة المناخية والحق في التنمية والتمويل والتكنولوجيا، دون أن تنال سوى استجابات محدودة أو مؤجلة.
هذا التفاوت البنيوي تجلى بوضوح في التباطؤ المستمر في إدراج عدد من المواد الكيميائية السامة ضمن ملاحق الحظر أو المراقبة، رغم التوصيات العلمية المتكررة. وقد ساهم هذا الجمود التاريخي في تعميق الفجوة بين الالتزامات القانونية والطموحات البيئية والواقع العملي، لا سيما في ظل التحديات البيئية المتصاعدة وتزايد تدفق النفايات نحو دول الجنوب.
إن المفاوضات الحالية المنعقدة بجنيف ليست إلا امتدادا لهذا المسار المتعثر، لكنها تكتسي أهمية خاصة في ظل الدعوات المتصاعدة لتجاوز الطابع التجزيئي للحوكمة البيئية، والانتقال نحو إصلاح عادل وشامل يأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الدول الأكثر تضررا، ويضمن فعالية تنفيذية متوازنة بين الشمال والجنوب.
خريطة طريق لمستقبل أكثر عدالة
في ظل التحديات البيئية المتزايدة الناتجة عن المواد الكيميائية السامة والنفايات العابرة للحدود، تبرز الحاجة إلى تبني استراتيجيات فعالة تعتمد على التعاون الدولي، وتسريع تنفيذ الاتفاقيات، وإلغاء الاستثناءات، وتشديد الرقابة على النفايات، وتوفير الدعم المالي والتقني للدول النامية، مع إشراك المجتمع المدني وتعزيز الابتكار في إيجاد بدائل آمنة.
تشكل هذه الركائز مجتمعة خريطة طريق لموازنة التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على البيئة، وتمكين الدول الأكثر تأثرا من المساهمة في مستقبل أخضر ومستدام.