مهاجر احتل بحار مدن شمال المغرب وهدد النظم البيئية
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
حل ضيف غير مرحب به في بحار مدن شمال المغرب. هاجر من موطنه غازيا لينعم بمكنونات الضفة المتوسطية، إنه جراد بحري، سيئ السمعة يأتي على الأخضر واليابس. يهدد النظم البيئية، شره، مفترس، مهيمن يمارس ضغطا قويا على مختلف الأسماك والمحار. ويستهلك الكائنات الحية والميتة. إنه السلطعون الأزرق: الاسم العلمي (Callinectes sapidus).
تاريخ ظهوره الأول في المياه الساحلية المغربية غير معروف، لكن باحثيين بالمركز الإقليمي للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري بمدينة الناظور، شمال المغرب، يؤكدون أنه لوحظ بداية في 17 أغسطس 2017 في بحيرة “مارشيكا”. وقال الصيادون المحليون إنه تم صيده في الشباك الخاصة بهم منذ سنة 2018، وتم إيجاده أيضا في سواحل مدينة طنجة في سنة 2020. وبات يصطاد يوميا، حتى الآن، بكمية يمكن أن تصل إلى 30 كيلوغراما في نهر ” اللوكوس” بمدينة العرائش، ويصل وزنه إلى حدود 1000 غرام في بحيرة مولاي بوسلهام. ويباع في أسواق السمك بالعرائش وطنجة والرباط والدار البيضاء.
وتم تسجيل أول تجمع من السلطعون الأزرق في فبراير 2021 في محيط غرب إفريقيا بالمغرب. وقد وجد عند مصب واد “كرت”(Oued Kert) ونهر ملوية (Moulouya) إلى غرب وشرق بحيرة الناظور على التوالي. وانتشر في منطقة العرائش بواد لوكوس في سنة 2020 على نطاق واسع بالواجهة الأطلسية، حيث وجد ظروفا مواتية لتكاثره السريع.
وقال الدكتور هشام الشعيري أستاذ التعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالعرائش، بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان أنه تم أخذ ما مجموعه 110 منه كعينات للدراسة، من ضمنهم اثنين فقط من الذكور. وكل ما جمع في المياه الساحلية لنهر اللوكوس، شمال المغرب (نهر ينبع من نواحي منطقة شفشاون ويصب في المحيط الأطلسي شمال مدينة العرائش)، في شهري يونيو ويوليوز من الإناث. وغالبية السلطعون الأزرق الذي تم أخذه في شهر نونبر من الذكور. ويتراوح عرض قوقعة الإناث بين 80 و150 مليمترا، في حين تختلف عن الذكور بين 82 و160 مليمتر. كما تم تسجيل عينات في القصر الصغير، بالقرب من ميناء طنجة المتوسط، في نهري “تهادرت” و”غريفة” وبحيرة مولاي بوسلهام والجديدة.
يستقر، مرحلة ما بعد اليرقات، بالضفة المتوسطية في مشاتل منخفضة الملوحة، أواخر فصلي الصيف والخريف. وتقضي صغاره فصل الشتاء في مناطق الحضانة وينمو بسرعة إلى مرحلة النضج الجنسي قبل التزاوج.
وبات من نافلة القول أن الأنواع الغريبة الغازية تشكل أحد التهديدات الرئيسية لجميع الأنواع تقريبا المعرضة لخطر الانقراض، وتغير أداء النظم البيئية الرئيسية، والثراء البيولوجي للبحر بالمدن المتوسطية. ويؤثر هذا النوع الجديد سلبا على النظام البيئي للمجتمعات الأصلية. كما يهدد وجودها وتوازنها البيئي.
فبعد قنديل البحر المستشري ببعض السواحل المغربية، يأتي السلطعون الأزرق متسللا بمساعدة السفن التجارية التي تعبر المحيط، أو تنتشر يرقاته من موطنها الأصلي إلى الضفة المتوسطية عبر المياه التي تملأ بالخزان الموجود في باطن البواخر بغية حفظ توازن ملاحتها، وتفرغ حين وصولها بالمياه المتوسطية محملة باليرقات. أو كما تقول روايات أخرى يأتي مهاجرا سباحة لأنه يسبح بسهولة لمسافة يمكن أن تصل إلى 15 كيلومترا في اليوم، بفضل رجليه الخلفيتين المسطحتين. ومن المحتمل انتشار اليرقات عن طريق التيارات البحرية، أو عن قصد عبر إدخاله لأغراض تجارية.
يتسم هذا المهاجر، غير الشرعي، بخصوصيات فسيولوجية تجعله مهيمنا. فهو قوي جدا، وله مخالب قوية ويستخدم أرجله الخلفية كمجاديف. يعد من القشريات عشارية الأرجل، له خمسة أزواج من الأرجل الزرقاء. مجهز بكماشتين حادتين. له لون أخضر غامق. يتم تغطية جسمه بشكل عام بهيكل خارجي صلب متعدد الأضلاع ودائري الشكل مع بطن ناعم. له أسنان أمامية وجانبية حادة.
يتناسل عادة في المياه الضحلة بالسواحل والبحيرات ومصبات الأنهار العلوية، أي في المياه ذات الملوحة المنخفضة. بعد التزاوج تهاجر الإناث باتجاه البحر إلى درجة ملوحة أعلى، حيث يطلقون حاضنات اليرقات. وتتم إعادة دخول اليرقات ويحدث الاستيطان في الخليج السفلي أو المصب، وبعد ذلك يهاجر اليافعون إلى أعلى الروافد في موائل منخفضة الملوحة.
وقد أكد الدكتور هشام الشعيري أن السلطعون الأزرق ليس كائنا منعزلا، بل يعيش في كثير من الأحيان في مجتمعات تضم 100 فرد أو أكثر. ويسبب العديد من المشاكل، حيث يتغذى على أنواع مختلفة من الأسماك في المنطقة، ويعلق في شباك الصيادين ويصعب إزالته.
وتؤثر هذه الأنواع الغريبة الغازية على المستوى الاجتماعي، إذ ينال الصيادون، بمعظم مدن شمال المغرب، من شراسته. يحدث خسائر لأدوات الصيد ويمزق الشباك.
ويتزايد قلق الصيادين المحترفين العاملين في بحيرة مارشيكا وباقي المناطق، بشأن التداعيات التي تحدثها هذه السلطعونات على جودة ونشاط المصيد، لا سيما تدهور الشباك، والتهام الأسماك الصغيرة والأنواع الأخرى.
تسبب هذه الأنواع الدخيلة في فقدان التنوع البيولوجي ويجب التعامل معها من خلال تطبيق مبدإ وقائي أو علاجي يصد العوامل المساعدة على اقتحام الحوض المتوسطي.
من هنا يتدخل البحث العلمي ويجري دراسة استهدفت 110 من سرطان البحر الأزرق من الذكور والإناث. تم جمعها من المياه الساحلية للمغرب باستخدام الفخاخ ذات الطعم بين فبراير ودجنبر 2021.
وأفاد الدكتور هشام الشعيري أنه بلغ إلى علمه أول ظهور لهذا النوع من القشريات بميناء طنجة وطنجة المتوسط لمضيق جبل طارق.
وجاء تسجيل هذا الضبط دعما لبحوث سابقة على مئات السرطانات الزرقاء، معظمها من الإناث، التي تم جمعها من أماكن مختلفة على طول الساحل المغربي.
وخلصت الدراسة الى أن هذا التوسع والانتشار طبيعي وذلك تبعا لولوج سابق لمجموعات السرطان الأزرق ل”ميناء المتوسط ” والذي يُعد أكبر ميناء في إفريقيا. إضافة إلى أن هناك حاجة لدراسة جينية لهذه المجموعات لمزيد من توضيح الأسئلة المحيطة باستمرار انتشاره على طول الساحل الشمالي الغربي لإفريقيا.
وأفاد صيادون محليون أن هناك إقبال على اقتناء هذا النوع من القشريات ويصل ثمنه ما بين 35 إلى 50 درهما للكيلوغرام الواحد. وتبلغ كمية الصيد اليومي في نهر لوكوس حوالي 30 كيلوغراما. ويمكن أن يصل وزنها إلى 1000 غرام في بحيرة مولاي بوسلهام. ويباع السلطعون في مزادات بيع الأسماك في العرائش وطنجة والرباط.
ولمعرفة هل هذا الانتشار الواسع هو نتيجة دخول واحد نتج عنه تكاثر بيولوجي أو عدة هجرات، وفي هذا الصدد قال الدكتور هشام الشعيري إنه تم إجراء نظرة عامة وراثية وكرونولوجية لتوسعه الأخير بغرب وشرق مضيق جبل طارق. وأنجزت دراسة مشتركة مع باحثين مغاربة وإسبان تتبعت عملية انتشار السلطعون الأزرق بشكل كبير على طول خليج قادس (golfe de Cadix) والسواحل المغربية في شمال شرق المحيط الأطلسي وذلك في أفق معرفة إمكانية وجود اختلافات جينية يمكن اكتشافها مع السلطعون الأزرق بالبحر المتوسطي. وقامت الدراسة بتقييم التركيب الجيني لسرطانات البحر من خليج قادس (golfe de Cadix) وبحر البوران (Alboran).
وقال الدكتور هشام الشعيري أن عملية الاختبار شملت تسلسل الجين (COI) للوحدة الفرعية السيتوكروم سي أوكسيديز ، بطولها الكامل تقريبًا 1511 زوجًا أساسيًا، من 149 فردا من ثلاثة مواقع على طول الساحل الإسباني للبحر الأبيض المتوسط، واثنان في بحر البوران واثنان في البحر المتوسط خليج قادس. وكشفت بيانات الدراسة عن تباين جيني منخفض، مع نمطين فقط من أنماط الفرد (Haplotype) ، مقارنة بالتنوع الجيني العالي المعروف في النطاق الأصلي، مما يشير إلى تأثير قوي في منطقة الدراسة.
وأضاف الدكتور الشعيري “نحن هنا نوثق انعكاسا لسيادة النمط الفرداني(Haplotype) بين المناطق، حيث كان النمط الفرداني (CSWM2) هو المسيطر على معظم ساحل البحر المتوسط الإسباني، ولكنه أقل شيوعا في خليج قادس وبحر البوران الذي يضم شواطئ إسبانيا في الشمال والمغرب والجزائر في الجنوب ويربط البحر المتوسط بالمحيط الأطلسي”. تم تحديد نمطين فقط من الجينات في مجموعات سرطان البحر الأزرق الأطلسي السبعة التي تم تحليلها في هذه الدراسة، والمشار إليها هنا باسم (CSWM1) و (CSWM2). وتم إيداع عينات المرجعية لمجموعة القشريات عشاريات الأرجل بالمعهد الإسباني لعلوم المحيطات في قادس بإسبانيا (IEO-CSIC, Spain) .
وشهد ساحل البحر المتوسط الإسباني اكتساح النمط الفرداني الجيني (CSWM2) بنسبة تتأرجح بين 53 إلى 80 في المائة بينما تمت السيطرة على خليج قادس وبحر البوران بواسطة النمط الفرداني الجيني (CSWM1) بنسبة تتراوح بين 67 إلى 78 في المائة.
يشير هذا إلى مدخل آخر للتكاثر والانتشار في منطقة الدراسة، بدلا من المدخل الجديد في منطقة المنشإ الأصل، وليس توسعا طبيعيا. وستساعد دراسات إضافية في الكشف بشكل أفضل عن تاريخ الأنواع الغازية الأخرى في خليج قادس.
وخلصت الدراسة إلى أنه تم العثور على تجمعات من سرطان البحر الأزرق الأطلسي في شرق وغرب مضيق جبل طارق. وتتكون حاليا من نمطين فرديين في خليج قادس وبحر البوران.
وتكشف هذه البيانات على أن هذه المجموعات هي نتاج حدث غزو واحد في البحر الأبيض المتوسط، مع توسع لاحق باتجاه الغرب أو مدخل آخر في مناطق أخرى. وعليه هناك حاجة لدراسات إضافية لمواصلة الكشف عن تفاصيل غزو السرطانات الزرقاء الأطلسية على الساحل الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة الإيبيرية.
ويستوجب توفير حوافز للصيادين لزيادة صيد هذا النوع من القشريات، خاصة خلال موسم التكاثر. ويشرح الصياد السيد حسن طريقة صيده عبر أقفاص توضع في أعماق المياه ليقبض عليه مثل الفأر. ويُساق الى بعض المطاعم بالدار البيضاء. كما يباع في الأسواق العامة في بعض المدن المتوسطية، حيث يكون بوفرة في فترة فصل الصيف (شهر يونيو، يوليوز). يزن كل واحد حوالي نصف كيلو بخلاف الأيام الأخرى التي يزن فيها من 150 غراما إلى 200 غرام. فالسلطعون الأزرق دائما ممتلئ. عكس السلطعون الأحمر، الذي يكون هزيلا خاليا من اللحم في وقت اكتمال القمر، إذ تبيض أنثى السلطعون الأحمر في بداية الشهر القمري.
وأفاد محمد الرايس، خبير في طبخ السمك ومستخدم سابق في أشهر مطاعم السمك في مدينة الدار البيضاء، أن طريقة طبخ السلطعون الأزرق ينطبق عليه ما يسري على باقي القشريات، يؤكل من قبل المغاربة بعدة طرق. لحمته، المتواجدة خلف قوقته الصلبة، مكتنزة، مغرية وشهية. كما يشرب ماءه المنسم بالأعشاب البحرية التي يقتاتها. وتفرغ أطرافه العشرة من لحيمات تستعمل في الشربة، أو كوجبة رئيسية في طابق مشكل من خضر وغيرها من المكونات والبهارات. أو مطهو بالجبن (gratin)…كما تكون لذيذة عبر طهيها على البخار أو غليها في الماء أو شَيّها. ” وأدعو بذلك إلى توفير هذا النوع من القشريات، الغنية بالمغذيات المفيدة، للمستهلك المغربي، بعرض كبير في الأسواق العامة، عوض الاقتصار على المطاعم والفنادق الكبرى…” يقول السيد محمد الرايس.
وتتم مراقبة هذه الأنواع الغازية من قبل باحثين لدراسة دينامياتها الاستيطانية في المنطقة. وسمحت البيانات الأساسية حتى الآن باستخلاص العديد من الاستنتاجات، بما في ذلك انتشارها، وهيكل حجمها، والأثر الاجتماعي والاقتصادي. وتستمر مؤشرات وفرة هذا النوع في ازدياد على مستوى البحيرات والسواحل المتوسطية المغربية.
تم إنتاج هذا التقرير بدعم من شبكة صحافة الأرض التابعة ل”إنترنيوز” كجزء من “مبادرة الإعلام المتوسطية “