المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة يستهلّ زيارة لمدة يومين إلى ملديف حيث يمثّل الابتكار والرقمنة في البلدان الجزرية الصغيرة النامية مجالًا رئيسيًا من مجالات تركيز عمل المنظمة
آفاق بيئية : مالي، ملديف/روما
وضعت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة) الدول الجزرية الصغيرة النامية في صميم عملها الرامي إلى تحويل النظم الزراعية والغذائية، نظرًا إلى ضعفها في وجه تغيّر المناخ وإلى صدماتٍ أخرى وأهميتها في حماية التنوّع البيولوجي البحري.
ولئن كانت الدول الجزرية الصغيرة النامية تنتشر حول العالم ولا تضمّ سوى 65 مليون نسمة، ومسؤولة عن نسبة 1 في المائة فحسب من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، فإنها تتحمّل وطأة آثار تغيّر المناخ على اقتصاداتها الهشّة.
ويقوم السيد شو دونيو، المدير العام للمنظمة بزيارة إلى ملديف لمدة يومين تأكيدًا على التزام المنظمة بالدول الجزرية التي تواجه في الصفوف الأمامية أزمة المناخ وغيرها من الصدمات وتؤدّي بموازاة ذلك دورًا رئيسيًا كجهة مؤتمنة على التنوع البيولوجي لمحيطاتنا.
وسيوقّع المدير العام للمنظمة خلال زيارته لملديف، على إطار للبرمجة القطرية مع حكومة البلاد، يرمي إلى دعم الجهود التي تبذلها هذه الأخيرة للتعافي من آثار جائحة كوفيد-19، وإعادة البناء بشكل أفضل وزيادة قدرتها على الصمود ومعالجة الاحتياجات الإنمائية. كما سيلتقي السيد شو دونيو بعدة وزراء وأعضاء من المجتمع المدني، وسيقوم بزيارة لشركة لمصايد الأسماك ومشروع للزراعة المائية تتم فيه زراعة المحاصيل دون استخدام التربة.
الابتكار عاملٌ حاسمٌ للمستقبل
قال السيد شو دونيو: “سوف يساعد تعزيز الابتكار والرقمنة الدول الجزرية الصغيرة النامية وسائر مناطق العالم، على تحقيق المقاصد المتعددة والمشتركة بين خطة عام 2030 للتنمية المستدامة وإطار عمل مسار ساموا“، بالربط بين الالتزامات المتعلقة بالاستدامة بجميع أبعادها وإجراءات متابعة قمة الأمم المتحدة للنظم الغذائية التي عُقدت السنة الماضية.
ورغم الصورة المثالية التي يتمتع بها هذا البلد الواقع في المحيط الهندي والذي يضمّ أكثر من 200 1 جزيرة، فهو يجسّد من نواحٍ عديدة التحديات التي تواجهها الدول الجزرية الصغيرة النامية. ويقول المسؤولون في ملديف إنهم يعانون بالفعل من آثار تغير تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة على إنتاج الأغذية من أراضي البلاد الزراعية الممتدة على مساحة صغيرة جدًا تبلغ إجمالي 65 كيلومترًا مربعًا.
وإذ تعتمد ملديف، على غرار معظم الدول الجزرية الصغيرة النامية، على الواردات الغذائية باستثناء ما يتعلق بمصايد الأسماك، فهي تعاني من آثار الأنماط الغذائية غير الصحية، ما يفضي إلى معدلات مرتفعة للأمراض غير السارية. كما أنها معرّضة بشكل حاد لتقلّب أسعار السلع الأساسية، التي تفاقمت بفعل جائحة كوفيد-19، ممّا قضى على قطاعها السياحي الحيوي.
وتساهم كل هذه العوامل في الحاجة إلى “الخبرة والدعم الفنيين، وإلى الاستثمارات المالية في أنماط مستدامة ومتجدّدة لإنتاج الأغذية، وتوزيعها واستهلاكها”، حسب ما قالته السيدة Thilmeeza Hussain، الممثلة الدائمة لملديف في الأمم المتحدة والمبعوثة الخاصة لرئيس الجمعية العامة، في كلمةٍ رئيسية أدلت بها خلال الحوار حول الحلول الخاصة بالدول الجزرية الصغيرة النامية الذي عقدته منظمة الأغذية والزراعة في الشهر الماضي. وأضافت قائلة “إننا نتطلّع إلى مواصلة العمل مع الشركاء الرئيسيين، مثل منظمة الأغذية والزراعة وغيرها، لتنفيذ التغييرات الضرورية من أجل ضمان نظم غذائية منصفة ومستدامة”.
وشكّل الحوار حول الحلول الخاصة بالدول الجزرية الصغيرة النامية الخطوة الأخيرة في سلسلة من المنتديات التي عقدتها المنظمة للتصدّي للتحديات التي تواجهها هذه الدول. وتلاه منتدى الحلول الخاصة بالدول الجزرية الصغيرة النامية، الذي شاركت المنظمة مع حكومة فيجي في تنظيمه في أغسطس/آب 2021، وعُرضت خلاله مجموعةٌ من الأفكار المبتكرة التي تمّ تطويرها في هذه الدول، مع إمكانية تعزيزها وتكرارها.
وشملت هذه الأفكار تطبيقاتٍ على الهواتف الذكية للترويج لأنماط غذائية صحية أكثر، بالاستناد إلى الأغذية المتاحة محليًا، من أجل توفير المعلومات عن الزراعة وتجميع البيانات عن الموارد الصحية المتاحة. وشكّل هذا المنتدى النسخة الأولى من حدثٍ من المقرر عقده مرّة كل سنتين.
ومن بين مبادرات أخرى للمنظمة تستهدف بشكلٍ محدد الدول الجزرية الصغيرة النامية، ثمة برنامج العمل العالمي بشأن الأمن الغذائي والتغذية في الدول الجزرية الصغيرة النامية. وهو يتناول ضرورة وضع نهجٍ متعددة أصحاب المصلحة أكثر تكاملاً إزاء التحديات الخاصة التي تواجهها هذه الدول في محاولتها ضمان الأمن الغذائي والتغذية، ويعطي الأولوية لإقامة شراكات دولية وأقاليمية أقوى.
كما أن برنامج الاستجابة لجائحة كوفيد-19 والتعافي منها يتصدّى للاحتياجات الرئيسية في الدول الجزرية الصغيرة النامية، في حين أن إنشاء مكتب الدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأقلّ نموًا والبلدان النامية غير الساحلية يساعد في توجيه الانتباه إلى أوجه الضعف في الدول الجزرية الصغيرة النامية وسائر البلدان المندرجة في الفئتين الأخريين، ووضع نهج مشترك للتصدّي للتحديات الفريدة التي تواجهها هذه البلدان.
المبادرات الرئيسية لمنظمة الأغذية والزراعة التي تعود بالنفع على الدول الجزرية الصغيرة النامية
إضافةً إلى ذلك، يستفيد عدد من الدول الجزرية الصغيرة النامية إلى حدّ كبير أيضًا من المبادرات الرئيسية للمنظمة التي تُنفذ على الصعيد العالمي. ومن بينها هناك مبادرة العمل يداً بيد، التي تسرّع وتيرة الاستثمارات والتنمية الريفية، ومبادرة 000 1 قرية رقمية، التي تساعد المجتمعات المحلية في القيام بقفزة نوعية إلى الأمام لتحقيق الرقمنة، والمنصة الفنية للزراعة الأسرية، التي تدعم الإثراء المتبادل بين الأقاليم للابتكار في مجال السياسات ومبادرة بلدٌ واحد منتجٌ واحد ذو أولوية، التي تسرّع تطوير منتجات زراعية جديدة.
وتؤدي كل هذه المبادرات مجتمعةً إلى التزام قوي من جانب المنظمة لضمان أن تكون الدول الجزرية الصغيرة النامية في صميم الجهود التي تبذلها ضمن إطارها الاستراتيجي للعمل من أجل إنتاج أفضل، وتغذية أفضل، وبيئة أفضل، وحياة أفضل، دون ترك أي أحد خلف الركب – في بعض المجتمعات المحلية الأضعف في العالم.
وظهر هذا الضعف على نحوٍ أوضح في إقليم المحيط الهادئ في أعقاب انفجار البركان تحت الماء والتسونامي اللذين وقعا في تونغا في 15 يناير/كانون الثاني، حيث غطّى الرماد أجزاءً من الأراضي الزراعية في الجزيرة ولحقت أضرارٌ جسيمة بمصايد الأسماك. وتعمل المنظمة وشركاء الأمم المتحدة مع حكومة تونغا لتنفيذ خطط ترمي إلى دعم المزارعين وصيّادي الأسماك في البلاد من أجل إعادة بناء سبل عيشها غداة الكارثة.