الجائحة الصامتة لمقاومة المضادات الحيوية

محمد التفراوتي29 يناير 2021آخر تحديث :
Closeup green-blue antibiotic capsule pills in blister pack. Antimicrobial drug resistance. Pharmaceutical industry. Global healthcare. Pharmacy background. Pharmaceutical product. Amoxicillin capsule
Closeup green-blue antibiotic capsule pills in blister pack. Antimicrobial drug resistance. Pharmaceutical industry. Global healthcare. Pharmacy background. Pharmaceutical product. Amoxicillin capsule

آفاق بيئية : باتريشيا جيلي /* أوتو كارز*

عندما أطلقت منظمة الصحة العالمية في العام الماضي الأسبوع العالمي للتوعية بمضادات الميكروبات، قامت بتوسيع نطاق الحملة من المضادات الحيوية الى جميع مضادات الميكروبات -بما في ذلك الأدوية المضادة للفيروسات والفطريات ومضادات الأوالي. لقد اشارت منظمة الصحة العالمية الى ان تأطير الاستجابة لمقاومة المضادات الحيوية ضمن الاجندة الأوسع لمقاومة مضادات الميكروبات بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا سوف ” يسهل من التنسيق والكفاءة على مستوى البرامج ويحفز العمل على مستوى الدولة من اجل مكافحة الالتهابات المقاومة للأدوية ” ولكن على الرغم من وجود العديد من القواسم المشتركة بين مقاومة المضادات الحيوية ومقاومة مضادات الميكروبات، الا ان هناك اختلافات مهمة تبرر إيلاء اهتمام خاص بالمضادات الحيوية.

Closeup green-blue antibiotic capsule pills in blister pack. Antimicrobial drug resistance. Pharmaceutical industry. Global healthcare. Pharmacy background. Pharmaceutical product. Amoxicillin capsule

لقد كانت مقاومة المضادات الحيوية جائحة تنمو ببطء وهذا يعود جزئيا الى الدعم السياسي الضعيف نسبيا لتطبيق خطط العمل الوطنية والتي تتضمن تأسيس أنظمة مراقبة تتوفر لديها موارد كافية. لقد نتج عن ذلك نقص في البيانات الخاصة بالسياق حول العبء الصحي والاقتصادي للمقاومة وهذا النقص خلق عقبة امام الإجراءات المرتبطة بالسياسات.

على الرغم من وجود الأرقام الإجمالية المتعلقة بعبء مقاومة مضادات الميكروبات- اكثرها اقتباسا يأتي من المراجعة المستقلة لمقاومة مضادات الميكروبات للمملكة المتحدة 2014-2016 والتي ترأسها الاقتصادي جيم اونيل والتي تضع الحصيلة في حدود 700 الف وفاة سنويا- فإن هذه الارقام لا تعكس الحجم الحقيقي لمشكلة مقاومة المضادات الحيوية وذلك بسبب النطاق المحدود للبكتيريا المشمولة وفي واقع الأمر طبقا للتقديرات فإن مقاومة المضادات الحيوية وحدها تتسبب في وفاة اكثر من 750 الف شخص سنويا علما انه من المرجح ان الحصيلة الأكبر هي تلك التي تحصد الأطفال في الدول الأكثر فقرا وفي مسح عالمي جرى مؤخرا أشار 79% من الأطباء الذين يعالجون الأطفال حديثي الولادة الى زيادة في الالتهابات المقاومة للأدوية المتعددة خلال السنوات الخمس الماضية بينما ذكر 54% منهم ان مقاومة المضادات الحيوية اصحبت السبب الرئيسي للفشل في علاج تعفن الدم لدى حديثي الولادة وهو عدوى الدم التي تصيب الأطفال حديثي الولادة.

في السابق كان عادة ما يتم التعامل مع مشكلة مقاومة الادوية من خلال البحث وتطوير مضادات حيوية جديدة ولكن على الرغم من ان البحث والتطوير يعتبران عنصرا مهم في الاستجابة لمقاومة المضادات الحيوية ولكن هذا ينطوي على تحدي علمي بالإضافة الى التكلفة العالية وفي الواقع نشأ سباق تسلح بين تطوير الادوية ومقاومتها ومع وجود عدد قليل من المضادات الحيوية الجديدة قيد التطوير، نحتاج الى حوافز لتحفيز البحث والتطوير مع فصل عائدات الاستثمار عن حجم المبيعات من اجل ابطاء تطور المقاومة.

في الوقت نفسه فإن الادوية الجديدة التي تدخل الأسواق يجب ان تكون متوفرة لجميع الذين يحتاجون اليها وبأسعار معقولة. ان متوسط التكلفة الاجمالية الإضافية للمقاومة بسبب الانتقال الى علاجات الخط الثاني يمكن ان تكون كبيرة بحيث تصل الى 700 دولار امريكي لكل إصابة وفي الدول الضعيفة حيث تمثل مدفوعات الأفراد الشخصية 55% من اجمالي الانفاق على الصحة فإن من الممكن ان يؤدي ذلك لعواقب وخيمة بما في ذلك زيادة معدلات الإصابة بالأمراض والوفيات والفقر طويل الاجل.

يجب تحديد التكاليف الصحية والاقتصادية لمقاومة المضادات الحيوية من اجل اقناع الحكومات بالتدخل وتعزيز الحوافز من اجل تطوير المضادات الحيوية وهذا بدوره سوف يبرر الاستثمارات والشراكات بين القطاعين العام والخاص الضرورية لإدخال أدوية جديدة للسوق.

يبدو أن مقاومة المضادات الحيوية سوف تفوز بسباق التسلح مما يعني زيادة أهمية الحفاظ على المضادات الحيوية الموجودة ولكن لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع في هذا الخصوص علما انه في العديد من البلدان على سبيل المثال فإن زيادة فرصة الحصول على الادوية يعتبر امرا ضروريا للحد من معدلات المرض والوفيات والتي كان من الممكن تجنبها والناتجة عن الالتهابات البكتيرية. ان مبادرات مثل الصندوق العالمي لمكافحة الايدز والسل والملاريا قد تعاملت جزئيا مع قضية الوصول الى الأدوية الفعالة المضادة للفيروسات العكوسة والمضادة للسل بالإضافة الى الادوية المضادة للملاريا.

ولكن وكما ذكرت منظمة الصحة العالمية ” لا يوجد تمويل مماثل أو آلية توزيع لتلبية الاحتياجات المتعلقة بمضادات حيوية فعالة للتصدي لمجموعة واسعة من الالتهابات البكتيرية الشائعة في الدول النامية” وفي هذا السياق فإن الصندوق متعدد الشركاء الذي تم تأسيسه مؤخرا يعتبر خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح وعلى الرغم من ان النطاق المالي للصندوق ما يزال متواضعا، الا انه سوف يدعم البلدان في تطبيق خطط العمل الوطنية للتصدي لتهديد مقاومة الميكروبات بما في ذلك مقاومة المضادات الحيوية.

ان احداث توازن بين الحاجة للمحافظة على فعالية المضادات الحيوية مع توسيع القدرة على الحصول عليها ينطوي على تحديات وذلك نظرا لإن الاستخدام الأوسع سوف يؤدي في نهاية المطاف الى زيادة مقاومة المضادات الحيوية علما ان هذه المشكلة تتفاقم في العديد من الدول الأكثر فقرا وذلك بسبب أن الصراعات الاهلية ومستويات النظافة والتغذية السيئة والموارد المائية التي لا يمكن التعويل عليها تساعد في عملية الانتشار السريع لمسببات الأمراض المقاومة ولكن المدى الكامل للمشكلة ما يزال غير واضح بسبب نقص أنظمة المراقبة الوطنية من اجل مراقبة استخدام المضادات الحيوية ومقاومتها . ان وجود نهج للنظم الصحية سيكون أمرا حيويا من اجل التحقق من ان العواقب غير المقصودة للسيطرة على مقاومة المضادات الحيوية لن تعيق القدرة العادلة والمستدامة على الوصول للأدوية المنقذة للحياة.

لقد حققت افريقيا تقدما مهما مؤخرا في هذا الخصوص ففي سبتمبر الماضي قام رؤساء الدول والحكومات في افريقيا بتبني موقفا مشتركا فيما يتعلق بالسيطرة على مقاومة مضادات الميكروبات وبالإضافة الى ذلك فإن افريقيا تقف الان في طليعة جهود التعاون فيما يتعلق بكوفيد-19 بما في ذلك استخدام تقنيات مبتكرة مثل المراقبة الرقمية وتسلسل الجيل التالي. ان هذا يمكن ان يشكل مكونا أساسيا في شبكة مراقبة مقاومة مضادات الميكروبات التابعة للمراكز الافريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها حيث تهدف هذه الشبكة الى ربط الجهات الفاعلة من قطاعات صحة الانسان والحيوان. ان هذه الجهود مهمة بشكل خاص ضمن السياق الأفريقي حيث من المتوقع ان تتحمل العديد من البلدان المنخفضة الدخل والضعيفة معظم التداعيات السلبية لمقاومة مضادات الميكروبات.

ان مشكلة مقاومة المضادات الحيوية المتزايدة لا تحترم الحدود بين الدول وهذا بالأساس نتيجة لفشل منهجي متعدد والذي يمكن التغلب عليه فقط من خلال عمل جماعي عالمي عاجل.

  • يشار أن ان الآراء التي يتم التعبير عنها في هذا المقال هي اراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي للبنك الدولي.

–  بروجيكت سنديكيت 

*باتريشيا جيلي اقتصادية أولى وأخصائية صحة عامة في مجموعة البنك الدولي.

*أوتو كارز هو أستاذ الأمراض المعدية بجامعة أوبسالا في السويد ومؤسس ReAct – Action on Antibiotics Resistance.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!