آفاق بيئية / نيويورك : فيليبي كالديرون
إن التغير المناخي يؤثر علينا جميعا ولكن ما زلنا لا نعمل بالسرعة الكافية لمعالجة أسبابه والتخفيف من الضرر والتأقلم مع تأثيراته .إن العديد من الناس لا يفهمون المخاطر التي يشكلها التغير المناخي على الهياكل العالمية الإقتصادية والإجتماعية وللإسف فإن العديد من الناس الذين يدركون تلك المخاطر يرفضون الفوائد الكثيرة التي سيجلبها التحول العالمي للإستدامة والطاقة النظيفة.
طبقا لدراسة أجراها مركز بيو للإبحاث مؤخرا فإن سبعة من كل عشر أمريكيين يصنفون على إنهم مستقلون سياسيا لا يشعرون بقلق كبير من أن التغير المناخي سيضرهم والأسوأ من ذلك إن الباحثين من جامعة يال وجدوا مؤخرا أن 40% من البالغين في العالم لم يسمعوا مطلقا عن التغير المناخي وفي بعض الدول النامية مثل الهند يقفز ذلك الرقم إلى 65%.
إن هذه الإرقام غير مشجعه ولكن يمكن تحسينها فلقد خلصت دراسة يال إلى أن ” التحصيل العلمي عادة ما يكون المؤشر الوحيد الأقوى للوعي العام بالتغير المناخي “.إن الإستثمار في التعليم الجيد يعني أنه بإمكاننا وضع الجيل القادم على الطريق الصحيح لمعالجة هذه المشكلة العالمية.
إن التعليم والتغير المناخي يعملان معا من خلال ثلاث طرق فبادىء ذي بدء التعليم يعمل على سد الفجوة المعرفية . إن فهم كيف إن التغير المناخي يؤثر بالفعل على حياة المرء يمكن أن يكون له فوائد عملية وهذا ينطبق على وجه الخصوص على الشعوب الفقيرة والمعرضة بشكل كبير لفشل المحاصيل والكوارث الطبيعية التي يتسبب بها التغير المناخي . إن الشعوب التي يتوجب عليها إعادة البناء من الصفر بعد كل كارثة جديدة تفوت فرص التنمية السريعة وعندما تدرك تلك الشعوب إن عالمها يتغير – وبإن إحتمالية الكوارث المستقبلية تزيد- فإنها ستعمل على إكتساب الصلابة والمرونة وتعلم التأقلم مع الضغوط المفاجئة والبطيئة للتغير المناخي .
ثانيا ، التعليم يتحدى الخمول وعدم الإكتراث فمعرفة الوسائل المتاحة للتعامل مع التغير المناخي قد يفتح آفاق عريضة للنمو الإقتصادي . يجب أن يدرك المستثمرون العالميون إن الحلول المستدامة يمكن أن تزيد الرفاهية وتخلق فرصا إقتصادية إضافية فعلى سبيل المثال ساعد التعليم والتقنيات الزراعية المحسنة في النيجر على مضاعفة الدخول الزراعية الحقيقية لإكثر من مليون شخص مع معالجة مساحات شاسعة من أراضي تضررت بشدة وفي الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ سنة 2014 هناك وظائف أكثر تعتمد على الطاقة الشمسية مقارنة بتعدين الفحم .
لكن ما يزال العديد من الناس يصرون على أن تطبيق أساليب معينة للتخفيف من أثار التغير المناخي يكلف أسلوب حياتنا الحالي الكثير وطبقا لدراسة مركز بيو للإبحاث فإن حوالي سبعة من كل عشرة أشخاص يعتقدون أنه نظرا للقيود التي تفرضها التقنية فإنه يتوجب عليهم القيام بتغييرات كبيرة في نمط حياتهم ولكن لا يجب أن يكون الوضع كذلك فالتعليم يمكن أن يتحدى هذه النوعية من الشكوك التي تحد من الفرص للحياة الذكية التي تؤخذ المناخ بعين الإعتبار .
أخيرا فإن التعليم يوفر المعرفة التقنية اللازمة لبناء مستقل أفضل من خلال الإبتكار وهو مستقبل يتضمن طاقة نظيفة وآمنه وزراعة مستدامة ومدن أذكى. إن التوسع في حرية الوصول للتعليم سيؤدي للمزيد من الإبتكار المحلي بحيث يجد رواد الأعمال الفرص لمعالجة المشاكل المحلية . أما عالميا فنحن لا نستطيع الإعتماد على مراكز المعرفة مثل وادي السيليكون أو أكسفورد لتطوير علاج سحري للتغير المناخي فالحلول قد تأتي من مراكز تقنية ولكنها قد تأتي كذلك من قرى ومدن نامية ومن المزارعين والمصنعين بوجهات نظر مختلفة للعالم حولهم وهذا سيخلق حلقة حميدة. إن من الأسهل على الناس المتعلمين أن يهاجروا ويندمجوا في المجتمعات الجديدة ويتبادلوا المعرفة التي جلبوها معهم .
وإقرارا بإهمية التعليم قامت حكومة النرويج تحت القيادة الملهمة لرئيسة الوزراء إيرنا سولبيرج بتأسيس المفوضية العالمية لتمويل فرص التعليم العالمية والتي أنا عضو فيها . سوف نلتقي هذا الأسبوع في أوسلو حيث يحدوني الأمل بإن نواجه تحديات عصرنا والتصرف مع إدراكنا بإن التعليم هو الأسلوب الأفضل الذي يتوفر لدينا من أجل حل المشاكل .
لحسن الحظ فإن الإجيال الشابة اليوم هي أفضل تعليما والتزاما بتخفيض بصمة الكربون التي تؤثر سلبا على المناخ مقارنة بالإجيال السابقة فالشباب اليوم يقودون الطريق ويجبرونا جميعا على إعادة النظر في أفعالنا ولكن يتوجب علينا توسيع توفر التعليم عالميا من أجل التحقق من أن جهودهم لن تضيع سدى . إن التعامل مع أخطار التغير المناخي ليس ضرورة وجودية فحسب ،بل هو أيضا فرصة للتوجه نحو مسار تنمية أنظف وأكثر إنتاجية وعدالة علما إن المجتمع العالمي المتعلم هو الوحيد الذي يمكن أن يتخذ القرارات الحاسمة التي ستحقق ذلك .
فيليبي كالديرون : رئيس سابق للمكسيك و رئيس اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ.