بقلم محمد العشري
في 23 أيلول (سبتمبر)، بدعوة من أمين عام الأمم المتحدة، حضر قمة المناخ في نيويورك 100 رئيس دولة وحكومة، بينهم تسعة من بلدان عربية، بمشاركة أكثر من 800 قيادي من عالم الأعمال والمال والمجتمع المدني. وكان الهدف حشد الزخم السياسي للتوصل إلى اتفاقية مناخ جديدة في باريس سنة 2015، وتفعيل العمل في جميع البلدان لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة وتعزيز القدرة على التكيف مع التأثيرات القاسية لتغير المناخ.
في يوم الأحد قبل القمة نظمت «مسيرة المناخ» التي شارك فيها نحو 400 ألف شخص من جميع فئات المجتمع، ساروا في مدينة نيويورك دعماً لاتخاذ إجراءات قوية تتعلق بتغير المناخ. ونظمت مسيرات مماثلة في أكثر من 150 مدينة حول العالم.
خلال القمة، وهي أول تجمع من نوعه حول المناخ منذ خمس سنوات، لم يقدم القادة أي التزامات جديدة لتخفيض الانبعاثات أو أي تعهدات مهمة للتمويل. لكن «الاعلانات الوطنية» وفرت دفعاً للتحرك نحو اتفاقية قوية سنة 2015. هنا بعض نقاط الاتفاق الهامة:
حصر ارتفاع معدل درجة الحرارة العالمية بأقل من درجتين مئويتين.
- صياغة اتفاقية عالمية جديدة بشكل نهائي في باريس سنة 2015، بناء على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، والتوصل إلى مسودة أولى لهذه الاتفاقية في ليما عاصمة بيرو في كانون الأول (ديسمبر) 2014.
- إعادة التأكيد (من قبل قادة كثيرين) على أهداف ومبادئ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، بما في ذلك مبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتمايزة.
- تقوية السياسات الوطنية المتعلقة بالنمو المنخفض الكربون، وخطط التكيف مع تغير المناخ، وأهداف الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
- دعم تعبئة التمويل من القطاعين العام والخاص لتحقيق هدف تأمين 100 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2020.
- تحديد ثمن للكربون (من قبل قادة كثيرين) لتزويد الأسواق بمؤشرات السياسات اللازمة للاستثمار في حلول المناخ.
انتظر مشاركون كثيرون خطابَيْ زعيمي الصين والولايات المتحدة، أكبر نافثين لغازات الدفيئة. أعلنت الصين للمرة الأولى أنها ستتخذ إجراءات مشددة حول تغير المناخ وأن انبعاثاتها ستبلغ الذروة «في أقرب وقت ممكن»، وسوف تسعى إلى تخفيض كثافة الكربون (الانبعاثات لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي) بنسبة 45 في المئة بحلول سنة 2020 بالمقارنة مع مستويات 2005. من جهة أخرى، عرضت الولايات المتحدة خطوات تتخذها لتخفيض الانبعاثات بحلول سنة 2020 بنسبة 17 في المئة عن مستوياتها عام 2005، بما في ذلك قواعد أشد صرامة لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، والسيارات، وزيادة إنتاج الطاقة من الرياح ثلاثة أضعاف، وزيادة إنتاج الطاقة الشمسية عشرة أضعاف.
بالنسبة الى التمويل، قدم عدد صغير من البلدان، غالبيتها أوروبية، تعهدات جديدة لصندوق المناخ الأخضر (GCF) بلغ مجموعها 2.3 بليون دولار، وقد تعهدت فرنسا وألمانيا (قبل القمة) ببليون دولار لكل منهما. وفي الوقت ذاته، أعلنت مصارف تجارية رائدة عن خطط لإصدار سندات خضراء بقيمة 30 بليون دولار بحلول سنة 2015، والتزم تحالف لمستثمرين مؤسساتيين «نزع الكربون» من عمليات وأصول لمؤسساتهم تبلغ قيمتها 100 بليون دولار.
وأعلنت شركات نفط وغاز كبرى، بما في ذلك أرامكو السعودية وسينوبيك الصينية وتوتال الفرنسية، عن «مبادرة مناخية للنفط والغاز» لتخفيض حرق الغاز في آبار الإنتاج وتعزيز دور الطاقة المتجددة. ونُقل عن خالد الفهد رئيس مجلس إدارة أرامكو قوله إن المبادرة «ستضع صناعتنا بقوة أكبر في طليعة حلول المناخ».
في الخلاصة، أظهرت قمة نيويورك أن المناخ عاد إلى جدول الأعمال على أعلى المستويات. ووفرت تفاؤلاً وزخماً باتجاه التوصل إلى اتفاقية مناخية جديدة في باريس سنة 2015. لكن أول امتحان للحقيقة سيكون في ليما عاصمة البيرو في كانون الأول (ديسمبر)، حين يجتمع المتفاوضون مرة أخرى قبل باريس لمناقشة الخطوط العريضة لاتفاقية جديدة. وإذا فشلوا في ذلك، فسوف يثبت مرة أخرى أن الكلمات والالتزامات في قمة نيويورك لم تكن أكثر من خطابة سياسية.
الدكتور محمد العشري زميل رئيسي في مؤسسة الأمم المتحدة ونائب رئيس مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد).
ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية”