الصورة : المحطة التجريبية لمشروع غابة الصحراء في قطر توفر إطاراً بحثياً فريداً لإثبات جدوى التكنولوجيات البيئية في تحقيق تنمية في صحارى العالم
آفاق بيئية : الدوحة ـ «البيئة والتنمية»
على مساحة عشرة آلاف متر مربع خارج الدوحة عاصمة قطر، سيتم إنشاء محطة تجريبية تحوِّل الصحراء القاحلة موئلاً مزدهراً ينتج الغذاء والطاقة المتجددة والمياه العذبة.
هذا المشروع، الذي يسخّر ابتكارات حديثة، جاء ثمرة اتفاقية تعاون أبرمها «مشروع غابة الصحراء» النروجي مع شركة قطر للأسمدة (قافكو) وشريكتها يارا إنترناشونال، بحضور رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جبر آل ثاني ورئيس الوزراء النروجي ينس ستولتنبرغ.
من المقرر إنجاز المشروع بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2012. وسوف تحوي المحطة التجريبية مزيجاً فريداً من التكنولوجيات البيئية الواعدة. وتشارك في التنفيذ مجموعة من الخبراء الرياديين ومطوري التكنولوجيات. ويقوم المشروع على إنشاء دفيئات زراعية تستخدم فيها مياه البحر لتوفير ظروف نمو باردة ورطبة للخضار، بالإضافة إلى إنتاج الماء العذب. وستكون متصلة بلاقطات شمسية بارابولية، مع وحدة حرارية لتحلية مياه البحر تدعمها تكنولوجيا فوتوفولطية. وسوف تتيح المحطة التجريبية أيضاً زراعة الطحالب في نظام من المفاعلات الحيوية الضوئية ونظم زراعة في أحواض مكشوفة.
تنتج المحطة الغذاء والماء والطاقة، جامعة بين دفيئات محمية تبردها المياه المالحة، وتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية المركزة، وزراعة الطحالب، وتكنولوجيات إعادة تخضير الصحراء، ما يشكل عدة سوابق تقنية وعلمية.
طاقة شمسية مركزة
تستخدم في المحطات التقليدية للطاقة الشمسية المركزة أبراج تبريد مسرفة باستهلاك المياه العذبة. أما في مشروع غابة الصحراء، فسوف تستبدل هذه الأبراج بنظام خلاق يتيح استعمال المياه المالحة بكلفة منخفضة للحصول على تبريد رطب من دون استخدام المياه العذبة الثمينة. وتستعمل الحرارة الناتجة من مرايا الطاقة الشمسية المركزة لتشغيل نظام تحلية تبخيري متعدد المراحل، ينتج مياهاً مقطرة لري النباتات داخل الدفيئة وفي الخارج. وفي الشتاء تستعمل الحرارة لتدفئة الدفيئات الزراعية وإزالة الرطوبة من الهواء.
سوف يحوي المرفق التجريبي أول وحدة كاملة التشغيل للطاقة الشمسية المركزة في قطر. وهي تتيح قياس أداء اللاقطات الشمسية في الظروف القطرية، ما يوفر معلومات حيوية لإنشاء مرافق الطاقة الشمسية الكبيرة في المستقبل. كما ستتيح اختبار تأثيرات الجمع بين اللاقطات الشمسية المركزة والمساحات المزروعة في مكان واحد، حيث تساهم النباتات والأسيجة التبخيرية في التقاط الغبار الذي يتراكم عادة على نظم الطاقة الشمسية فيعيق أداءها، كما تحمي مرايا الطاقة الشمسية المركزة من الرياح الصحراوية القاسية.
دفيئات تبردها مياه مالحة
الدفيئات المبردة بالمياه المالحة توفر ظروف النمو المناسبة لخضار عالية القيمة على مدار السنة في الصحراء القطرية القاسية. تتكون بنية الدفيئة من ثلاث حجرات، لمقارنة أداء أغطية السطوح المصنوعة من مادتي الإثيلين تترافلورو إثيلين (ETFE) والبوليثين في إنتاج المحاصيل البستانية. وهناك نظام تبريد تبخيري في طرف واحد من الدفيئة. ويُنفث الهواء البارد تحت النباتات بواسطة أنابيب من البوليثين لضمان توزيعه بالتساوي في أنحاء الدفيئة وعلى مستوى منخفض. وإذ يسخن الهواء، يرتفع، ويُطرد إلى الخارج من خلال فتحات عالية في الجدار.
وللحجرة الوسطى سطح مزدوج من غشاء ETFE يشكل فراغاً فوق الدفيئة. وهو يتصل بجهاز تبخّر ومروحة يستخدمان الحرارة المبددة من نظام الطاقة الشمسية المركزة لتبخير مياه البحر وإنتاج الهواء الرطب الحار. وعندما يمر الهواء عبر الفراغ ليلاً، يبرد، وتتكثف الرطوبة الموجودة في الهواء فتتحول إلى مياه عذبة يمكن استعمالها لري النباتات.
وباستخدام المياه المالحة لتوفير التبريد والترطيب التبخيريين، تنخفض متطلبات المحاصيل من المياه العذبة الطبيعية أو المحلاة، وتـزداد إنتاجيتهـا، مع بصمة كربونية ضئيلة.
نباتات خارجية وأسيجة تبخيرية
ستكون نسبة تركيز الملوحة في الماء المصرَّف من الدفيئة نحو 15 في المئة. ولتركيز محتوى الملوحة أكثر، يتم تمرير الماء فوق أجهزة تبخّر عمودية خارجية منظومة في صف، لخلق بيئات محمية ورطبة. وعندما يتبخر الماء المالح، تزداد نسبة الملوحة فيه إلى حد يجعل الملح يترسب. وتحدث المرحلة الأخيرة من هذه العملية في برك تبخير تقليدية. وعلى نقيض معظم ممارسات التحلية التقليدية، فإن مشروع غابة الصحراء لا يعيد المياه المصرَّفة الشديدة الملوحة إلى البحر. فعندما تتبخر المياه تبقى الأملاح، التي يمكن استخراجها واستخدامها كملح للطعام أو للصناعة.
تزرع هذه الأماكن للانتفاع من ظروف النمو الصالحة للمحاصيل الغذائية والعلفية ولعدد كبير من النباتات الصحراوية. وسوف تزرع أنواع نباتية محبة للملح في مياه مالحة. هذه النباتات ذات القدرة الشديدة على الاحتمال، والمتكيفة جداً مع الظروف الصحراوية، تشكل مصادر واعدة لإنتاج العلف والوقود الحيوي. لكن ري التربة مباشرة بمياه مالحة قد يسبب أضراراً بيئية لا يستهان بها. المحطة التجريبية في قطر سوف تختبر تشكيلة من التقنيات الزراعية الحديثة لزراعة نباتات ملحية قليلة الكلفة، مع ضمان عدم تسرب المياه المالحة إلى التربة المجاورة أو طبقات المياه الجوفية.
وتضم المحطة مرفقاً حديثاً لاختبار الطحالب بحجم 50 متراً مكعباً، هو الوحيد من نوعه في قطر والمنطقة. وذلك لإجراء أبحاث على نطاق تجاري حول زراعة أنواع من الطحالب البحرية المتوطنة في منطقة الخليج والبحر الأحمر، لاستعمالها كمستحضرات غذائية ووقود حيوي وعلف للحيوانات والأسماك.
لكن مشروع غابة الصحراء لن يكون ناجحاً ما لم يتكامل مع المجتمعات المحلية. ومن شأنه توفير فرص عمل لذوي المهارات العالية والمحدودة، وخلق تنمية اجتماعية واقتصادية على المدى البعيد.
(ينشر بالتزامن مع مجلة البيئة والتنمية عدد حزيران / يونيو 2012)