آفاق بيئية: محمد التفراوتي
في قاعة المؤتمر بالقاهرة، وبين أجواء الاحتفال بمرور خمسين عاما على برنامج الأمم المتحدة للبيئة/خطة عمل البحر المتوسط (UNEP/MAP) وثلاثين عاما على اتفاقية برشلونة، ارتفعت أصوات المجتمع المدني ممثلة في البروفيسور مايكل سكولوس والدكتور عماد عدلي، لتذكر الوزراء بأن الطريق نحو الاستدامة لا يمكن أن يسلك دون شراكة حقيقية مع المنظمات غير الحكومية.

سكولوس: نقد بناء ودعوة للحوكمة الجديدة
بدأ سكولوس حديثه باستعادة ذاكرة تاريخية: “كان مؤتمر الأطراف السابع عام 1991 هو الأول الذي أتيحت فيه الفرصة رسميا للمنظمات غير الحكومية للتعبير عن آرائها.” هذا الاستحضار يضع الحضور أمام حقيقة أن إشراك المجتمع المدني امتيازا و تقليد راسخ يجب تعزيزه.
ثم انتقل إلى توصيف الأزمة البيئية الراهنة: “الأزمة الكوكبية الثلاثية عميقة جدا وللأسف ستبقى معنا بشكل دائم.” التحليل هنا يكشف عن إدراك عميق بأن التحديات البيئية ليست عابرة، وأنها ستظل ملازمة للبشرية، ما يستدعي استجابات جذرية لا مجرد حلول ترقيعية.
وفي لهجة نقدية صريحة، قال سكولوس: “رغم الجهود والمبادرات، تبدو الحكومات وكأنها تركض للحاق بالركب.”
خطاب يكشف عن الفجوة بين المعرفة العلمية المتاحة والحلول الممكنة من جهة، وبين بطء التنفيذ المؤسسي من جهة أخرى. لكنه لا يكتفي بالنقد، بل يطرح رؤية بديلة تقوم على إشراك المجتمع المدني باعتباره “الجزء الأكثر صحة وحيوية في المجتمع”.
و ثمن سكولوس التوجه نحو مقاربات تكاملية: “أهنئكم على التزامكم بتنفيذ مقاربات حوكمة متكاملة مثل استراتيجية الربط بين الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية.” هذا يعكس دعم المجتمع المدني لاستراتيجيات مثل الـ WEFE Nexus، التي تعد ركيزة أساسية للاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة في المنطقة.

عدلي: المجتمع المدني كمنارة للأمل
من جانبه، قدم الدكتور عماد عدلي صورة حية عن الحراك المدني في المتوسط، مشيرا إلى اجتماع ضخم في القاهرة قبل شهرين: “أكثر من 170 منظمة مجتمع مدني اجتمعت هنا في القاهرة، تضم الشباب (23 في المائة) والنساء والبرلمانيين والصحفيين والأكاديميين.”
هذا الاقتباس يبرز التنوع الكبير في قاعدة المجتمع المدني، ويعكس أن الحراك ليس نخبويا بل شاملا لمختلف الفئات، رغم محدودية الموارد.
ثم أشار الدكتور عدلي إلى التحديات الكبرى: “هناك تحديات كبيرة مرتبطة بتقلص المساحات المدنية عالميا وصعوبة الوصول إلى الموارد المالية.”
هذا التشخيص يضع الإصبع على الجرح: المجتمع المدني مستعد، لكنه يحتاج إلى بيئة قانونية ومالية داعمة ليستمر في الابتكار والشراكة الفعالة.
وفي ختام خطابه، أطلق عدلي نداء مؤثرا: “نريد أن نظهر عزمنا على الأمل. ونحتاج إلى شبابنا معنا، منخرطين بشكل فعال.”
هذا الاقتباس يلخص روح الخطاب: الأمل، المقاومة، وإشراك الشباب كشرط أساسي لتحقيق أهداف الاتفاقية ومواجهة التدهور البيئي. التحليل هنا يثمن البعد الإنساني والأخلاقي للخطاب، الذي لا يكتفي بالتشخيص بل يفتح أفقا للتجديد عبر الأجيال القادمة.

صوت المجتمع المدني في قلب المؤتمر
ومع انتهاء الجلسة، بدا واضحا أن الأستاذين سكولوس وعدلي يقدمان خطابا قويا، وحملا إلى جنبات المؤتمر فعلا تعبويا وبثا للتوعية من زاوية المجتمع المدني، ليؤكدا أن صوت الرأي العام حاضر بقوة إلى جانب صوت الحكومات في صياغة مستقبل المتوسط.
الخطاب المشترك لسكولوس وعدلي يعتبر رسالة قوية بأن المجتمع المدني في المتوسط حاضر وواع، ومصمم على أن يكون شريكا أساسيا في صياغة مستقبل بيئي أكثر عدلا واستدامة. لقد حملا إلى الوزراء صوتا جماعيا يطالب بالحوكمة الرشيدة، التمويل المستدام، وإشراك الشباب والنساء، ليبقى البحر المتوسط فضاء للحياة والأمل لا للأزمات واليأس.









































