لا مستقبل أخضر دون معرفة محلية الجذور، إنسانية الروح، عالمية الأفق 

محمد التفراوتيمنذ 47 دقيقةآخر تحديث :
لا مستقبل أخضر دون معرفة محلية الجذور، إنسانية الروح، عالمية الأفق 

الإمارات تقود تحولاً نوعياً في توطين المعرفة البيئية وتعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والطبيعة

عماد سعد:

• إدماج توطين المعرفة البيئية ضمن السياسات الوطنية للتعليم والإعلام والتنمية.

• إنشاء منصات معرفية عربية مستقلة لصناعة الخطاب البيئي المحلي.

• قياس الأثر البيئي المجتمعي عبر مؤشرات سلوكية واقتصادية لا تقنية فقط.

• تمكين الشباب بوصفهم صناع المستقبل البيئي لا مجرد متلقين للمعرفة.

آفاق بيئية: شبكة بيئة أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 22 نوفمبر 2025

أكد المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي ورئيس شبكة بيئة أبوظبي، أن توطين المعرفة البيئية لم يعد خياراً فكرياً أو ترفاً أكاديمياً، بل أصبح ضرورة وجودية لضمان بناء مجتمعات قادرة على التكيّف مع التغيرات المناخية والتحولات الاقتصادية العالمية، مشيراً إلى أن دولة الإمارات قطعت شوطاً رائداً في هذا المسار عبر سياسات مبتكرة ومبادرات نوعية جعلتها نموذجاً إقليمياً يحتذى به.

وأوضح سعد أن مفهوم توطين المعرفة البيئية يقوم على إعادة إنتاج المعرفة العالمية بما يتلاءم مع السياق المحلي والبيئي والاجتماعي، وتحويلها من نظريات وتقارير إلى سياسات وطنية وسلوكيات مجتمعية ومبادرات اقتصادية مستدامة، لافتاً إلى أن الدراسات الدولية تشير إلى أن أكثر من 80% من السياسات البيئية في الدول النامية تم استيرادها دون مواءمة حقيقية مع الواقع المحلي، وهو ما أفرز ما يُعرف بـ “فجوة الترجمة البيئية” .

شبكة بيئة أبوظبي ليست مجرد منصة إعلامية، بل مدرسة فكرية تصوغ الوعي البيئي وتحوّل المعرفة إلى فعل إنساني مسؤول يقوده الإيمان بأن البيئة جوهر الحضارة لا هامشها.

وأشار إلى أن الإمارات، بفضل رؤى قيادتها الحكيمة، نجحت في الانتقال من مجرد استهلاك المعرفة إلى صناعتها، ومن استيراد الحلول الجاهزة إلى ابتكار نماذج وطنية أثبتت فاعليتها، ومن أبرزها تجربة “شبكة بيئة أبوظبي” التي تحولت إلى منصة معرفية تربط بين البحث الأكاديمي والعمل المجتمعي والابتكار الوقفي، وتسهم في تعريب المفاهيم البيئية وصياغتها بلغة قريبة من المجتمع.

وبيّن أن النموذج الإماراتي في توطين المعرفة البيئية تجاوز الأساليب التقليدية المعتمدة على الضرائب القسرية، ليتبنى منهجاً تشاركياً قائماً على التحفيز الطوعي والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من خلال برامج مثل “التعويض الكربوني الطوعي” الذي حوّل الانبعاثات إلى فرص استثمار تنموية لصالح المشاريع الزراعية والبيئية المحلية.

وفي جانب المشاركة المجتمعية، أكد سعد أن الإمارات استطاعت كسر الفجوة بين المواطن وصانع القرار البيئي عبر مبادرات رائدة مثل برنامج “همسا” للعلم المواطن، وبرنامج المدارس المستدامة، ما عزز دور الفرد من متلقٍ للمعرفة إلى شريك في إنتاجها، وأسهم في رفع مؤشرات التطوع البيئي بنسبة ملحوظة وزيادة قاعدة البيانات الوطنية للتنوع البيولوجي.

كما شدد على أن توطين المعرفة البيئية يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الأخضر، إذ يعزز السيادة الاقتصادية ويحفز الابتكار وريادة الأعمال البيئية، ويدعم بناء سلاسل قيمة وطنية قائمة على إعادة التدوير والتصنيع المستدام والطاقة النظيفة، بما ينسجم مع رؤية الإمارات 2031 واستراتيجية الحياد المناخي 2050.

تمثل شبكة بيئة أبوظبي نموذجًا حيًا لرؤية عماد سعد في توطين المعرفة البيئية، حيث تلتقي القيم الإنسانية مع التفكير العلمي لصناعة تأثير مستدام يخاطب العقل والضمير معًا.

واختتم سعد بالتأكيد على أن الاستدامة الحقيقية تبدأ من المعرفة، وأن المجتمع الذي ينتج معرفته البيئية هو المجتمع الذي يمتلك قراره التنموي ويصنع مستقبله بيده، داعياً إلى تعميم التجربة الإماراتية عربياً بوصفها نموذجاً قابلاً للتكرار يجمع بين الجذور المحلية والأفق العالمي.

قراءة بفكر المهندس عماد سعد:

مدخل لفهم البنية الفكرية للمحاضرة

تقوم أطروحة المهندس عماد سعد على رؤية تعتبر أن البيئة لم تعد موضوعًا تقنيًا أو قطاعيًا، بل تحوّلت إلى مشروع معرفي – حضاري متكامل يقوم على إعادة إنتاج المعرفة البيئية محليًا، وربطها بالثقافة والسلوك والسياسات والاقتصاد، بدل استيرادها كنماذج جاهزة منفصلة عن السياق العربي. وتنطلق هذه الرؤية من قناعة مركزية مفادها أن المعرفة البيئية، إذا لم تُوطَّن وتُترجم إلى ممارسة مجتمعية، تبقى حبيسة التقارير والمؤتمرات ولا تُحدث أثرًا تنمويًا مستدامًا.

الملامح الجوهرية لفكر المهندس عماد سعد

توطين المعرفة كفعل سيادي لا كمجرد خيار ثقافي

يرى المهندس عماد سعد أن توطين المعرفة البيئية هو ضرورة سيادية لضمان الاستقلال التنموي، حيث يحذّر من خطورة استيراد الحلول البيئية دون مواءمة مع الواقع المحلي، معتبرًا أن ذلك ينتج ما يسميه بـ«فجوة الترجمة البيئية» بين المعرفة المنتجة عالميًا والتطبيق الفعلي محليًا. هذا الطرح يعبّر عن وعي نقدي عميق بدور المعرفة في صناعة القرار، ويحوّل البيئة من ملف تقني إلى قضية هوية وانتماء وقرار وطني.

الجمع بين الأكاديمية والمجتمع والوقف في منظومة واحدة

يتّسم فكر المهندس عماد سعد بقدرته على بناء نماذج تكاملية تجمع بين: البحث الأكاديمي، الإعلام البيئي، العمل المجتمعي، المبادرات الوقفية. ويجعل من شبكة بيئة أبوظبي نموذجًا تطبيقيًا يربط بين الفكر والتنفيذ، ويحوّل المعرفة إلى قوة مجتمعية مؤثرة في السلوك والسياسات العامة.

نقد جذري للنماذج المستوردة والانبهار بالتجارب الغربية

في قراءته للسياسات البيئية بالدول النامية، يقدّم المهندس عماد سعد تشخيصًا دقيقًا لمشكلاتها البنيوية، موضحًا أن أكثر من 80% من هذه السياسات اعتمدت على نماذج مستوردة غير منسجمة مع الواقع البيئي العربي، مما أدى إلى ضعف فاعليتها. ويبرز هنا طابع المفكر الإصلاحي الذي يسعى إلى تفكيك التبعية المعرفية وبناء نموذج بيئي عربي مستقل.

البيئة كقيمة إنسانية وسلوك يومي

لا يتعامل سعد مع البيئة كخطاب نخبوياً، بل كقضية سلوكية تمس المدرسة والبيت والمزرعة والشارع، مؤكداً أن التحول الحقيقي يبدأ من الإنسان، وأن المواطنة البيئية تُبنى بالممارسة لا بالشعارات  وهو بذلك يعيد تعريف البيئة بوصفها: ثقافة حياة، لا مجرد سياسات فوقية.

الاقتصاد الأخضر كمدخل للسيادة التنموية

يربط المهندس عماد سعد التوطين البيئي بالاقتصاد الأخضر بطريقة استراتيجية، حيث يراه ركيزة لتوليد القيمة المضافة محليًا، وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال، وتحقيق المرونة المناخية والسيادة الاقتصادية، بما ينسجم مع رؤية الإمارات 2031 واستراتيجية الحياد المناخي 2050.

القراءة الفكرية الشاملة

يمكن توصيف فكر المهندس عماد سعد من خلال هذه المحاضرة بأنه:

• فكر تأسيسي يهدف إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والبيئة والمعرفة.

• فكر تحويلي ينتقل من التلقين إلى التمكين، ومن الاستيراد إلى الإنتاج.

• فكر منهجي واقعي يجمع بين التحليل النظري والنموذج التطبيقي.

• فكر إنساني حضاري يضع الإنسان في قلب معادلة الاستدامة، لا على هامشها.

الرسالة العميقة في فكر المهندس عماد سعد

إن الاستدامة لا تُستورَد، بل تُزرَع. والمعرفة لا تُكتفى بترجمتها، بل تُعاد صياغتها، تُعاش، وتتحول إلى ممارسة. فحين يصبح الإنسان منتجًا للمعرفة البيئية، لا مستهلكًا لها، تتحول البيئة من شعار إلى ثقافة، ومن خطاب إلى فعل، ومن مشروع مؤقت إلى هوية وطنية راسخة.

التوصيات المستخلصة من المحاضرة

1. إدماج توطين المعرفة البيئية ضمن السياسات الوطنية للتعليم والإعلام والتنمية.

2. تعزيز الشراكة بين الجامعات، المجتمع المدني، والمؤسسات الحكومية.

3. إنشاء منصات معرفية عربية مستقلة لصناعة الخطاب البيئي المحلي.

4. دعم المبادرات الوقفية في خدمة المعرفة البيئية المستدامة.

5. قياس الأثر البيئي المجتمعي عبر مؤشرات سلوكية واقتصادية لا تقنية فقط.

6. تمكين الشباب بوصفهم صناع المستقبل البيئي لا مجرد متلقين للمعرفة.

خلاصة تحليلية

يمثل فكر المهندس عماد سعد نموذجًا عربيًا ناضجًا لفلسفة الاستدامة، يجمع بين عمق الرؤية وواقعية التطبيق، ويؤسس لمسار معرفي يرى في البيئة قضية حضارية تتجاوز التقنية، وتؤسس لإنسان واعٍ، مسؤول، ومتصالح مع محيطه.

وهو فكر يحمل رسالة واضحة: لا مستقبل أخضر دون معرفة محلية الجذور، إنسانية الروح، عالمية الأفق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!