من الوعي المناخي إلى الإدماج المؤسساتي: آفاق جديدة للاقتصاد التضامني في المغرب

محمد التفراوتيمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
من الوعي المناخي إلى الإدماج المؤسساتي: آفاق جديدة للاقتصاد التضامني في المغرب

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

شهدت كلية الطب والصيدلة بوجدة تنظيم الدورة الثانية للندوة الدولية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني يومي 13 و14 نونبر 2025، تحت شعار: الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، العمل اللائق للجميع، الذكاء الاصطناعي والصحة: ​​آفاق جديدة للتنمية الترابية المتكاملة.

تعد الدورة حدثا أكاديميا متميزا جمع نخبة من الخبراء والباحثين وصناع القرار والفاعلين المدنيين من المغرب والخارج.
ناقش المشاركون خلال هذه الدورة المحاور الكبرى المرتبطة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والعمل اللائق، والتحول التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، إلى جانب رهانات الصحة والتنمية المجالية المستدامة، مستحضرين تجارب محلية ودولية شكلت أرضية خصبة للنقاش.
وتدارس المتدخلون، عبر جلسات علمية وموائد مستديرة، سبل تعزيز دور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كرافعة للتنمية، مع إبراز أهميته في دعم الانتقال الإيكولوجي، وترسيخ العدالة الاجتماعية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تناولوا التحديات الراهنة التي تواجه السياسات العمومية في ظل التحولات المناخية ومتطلبات الابتكار الاقتصادي والاجتماعي.
وتضمن البرنامج عروضا علمية مكثفة سلطت الضوء على التجارب الناجحة والمبادرات المبتكرة في مجالات الحوكمة، الاقتصاد الأخضر، الذكاء الاصطناعي، التمويل التضامني، والصحة المجتمعية، مقدمة بذلك رؤية شمولية لآفاق التنمية المجالية المندمجة.

الانتقال الإيكولوجي : نحو سياسات اجتماعية عادلة ومستدامة

و في هذا السياق، قدم الدكتور جلال المعطى مداخلة محورية ضمن محور «الانتقال الإيكولوجي، المشاركة المواطنة وأهداف التنمية المستدامة»، حيث ركز على أهمية المدخل المناخي كأداة لإعادة صياغة السياسات العمومية وتوجيهها نحو اقتصاد اجتماعي وتضامني أكثر إدماجا وعدالة واستدامة. وقد أبرز أن التغيرات المناخية  أصبحت محددا بنيويا في التخطيط المجالي، و تدبير الموارد الطبيعية، و السياسات الاجتماعية، وأنماط الإنتاج والاستهلاك، مما يستدعي دمج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كآلية للتكيف وبناء الصمود داخل الجهات.

و أوضح المتدخل العلاقة البنيوية بين المناخ والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، معتبرا أن هذا الأخير يساهم في خلق فرص عمل خضراء ولائقة، ويعزز المشاركة المواطنة، ويطور حلولا مبتكرة منخفضة التكلفة، ويبني شبكات تضامن ومقاومة داخل المجتمعات المحلية، فضلا عن تشجيع الاقتصاد الدائري وتقليص الهشاشة الاجتماعية الناتجة عن التغيرات المناخية. وأكد أن أي سياسة عمومية مستقبلية لن تكون فعالة دون إدماج المدخل المناخي في استراتيجيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

انتقل الدكتور المعطى إلى إبراز ضرورة التحول من الوعي المناخي إلى الإدماج المؤسساتي، عبر اعتماد التشخيص المناخي داخل البرامج الاجتماعية، واستلهام أدبيات التكيف المناخي من خلال مؤشرات الهشاشة وخرائط المخاطر والحلول المبنية على الطبيعة، إضافة إلى إعادة صياغة التمويل العمومي وتوجيهه نحو مشاريع تضامنية منسجمة مناخيا تعتمد الطاقات المتجددة، التدبير المستدام للماء، الإنتاج منخفض الكربون، والابتكار الاجتماعي البيئي.

كما شدد على أهمية دمج العدالة المناخية في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مبرزا الفوارق المجالية والهشاشة التي تعاني منها المجتمعات القروية والنساء والشباب، وضرورة إعادة توزيع الموارد والفرص بشكل عادل، مع التأكيد على دور الدولة في مرافقة الفاعلين التضامنيين. وأوضح أن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني قادر على مضاعفة أثر السياسات المناخية عبر ضبط آثار التغير المناخي وإعادة توزيع القيمة بطريقة عادلة.

اختتم الدكتور المعطى مداخلته بتوصيات استراتيجية موجهة لصناع القرار، من أبرزها: أجرأة المدخل المناخي داخل مخططات التنمية الجهوية، إدماج الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في برامج التخفيف والتكيف المناخي، خلق آليات تمويل مناخي موجه للاقتصاد الاجتماعي، تعزيز القدرات المحلية في مجالات الاقتصاد الأخضر والابتكار الاجتماعي، ودعم البحث العلمي في التغير المناخي والتنمية التضامنية، خاصة داخل جامعة محمد الأول.

يذكر أن مداخلة الدكتور جلال المعطى تحمل رسائل استراتيجية عميقة، أبرزها أن الانتقال المناخي أصبح محورا مركزيا لصياغة سياسات اجتماعية جديدة، وأن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لم يعد قطاعا موازيا بل رافعة رئيسية لتحقيق العدالة المناخية، وأن المقاربة الجهوية هي المستوى الأكثر فعالية للتكيف، مع إمكانية أن تتحول جامعة محمد الأول إلى منارة وطنية في الربط بين المناخ والتنمية التضامنية.

يتضح في النهاية أن مداخلة الدكتور المعطى تمثل تحولا معرفيا ومؤسساتيا، إذ تنقل المناخ من قضية بيئية إلى مدخل استراتيجي لإعادة هيكلة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وتفتح أفقا جديدا أمام صناع القرار لاعتماد نماذج أكثر شمولا وعدالة، وتضع الجهات المغربية أمام مسؤولية إعادة بناء سياساتها على أساس المناخ والصمود المجتمعي.

يشار أن الندوة تميزت بحضور وازن لخبراء دوليين وفاعلين أكاديميين وسياسيين، إلى جانب ممثلي المجتمع المدني ورواد المشاريع الاجتماعية، حيث ناقش أكثر من خمسين متدخلا خمس ركائز استراتيجية مرتبطة بالانتقال الإيكولوجي، الحكامة الاجتماعية، العمل اللائق، الذكاء الاصطناعي، والتنمية المجالية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!