حراس جدد يظهرون لحماية التراث الثقافي البحري في أعماق البحر

محمد التفراوتي5 يوليو 2025آخر تحديث :
حراس جدد يظهرون لحماية التراث الثقافي البحري في أعماق البحر

آفاق بيئية: متى سماري/ عن “ميد موزاييك”

تقرير خاص من مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات (UNOC3)

يعد البحر الأبيض المتوسط، هذا الممر المائي التاريخي الغني بالتراث البيئي والثقافي، والذي لطالما اشتهر بحماية أجيال من الصيادين التقليديين، من بين أكثر البحار تعرضا للاستغلال المفرط والصيد الصناعي المدمر. ويهدد تفاقم الاضطرابات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بخفض أولوية القضايا البيئية في الأجندات السياسية، في حين أن المنطقة من بين الأكثر تضررا. وإذا لم تلتزم حكومات المتوسط بتعهدات جدية لتعزيز الحماية البحرية خلال السنوات الخمس القادمة، فإن الإرث الرمزي لهذا البحر قد يتحول إلى مجرد بقايا من تراثه البحري الغارق.

وبعد أسابيع فقط من انتهاء مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في نيس، والذي دوت فيه أبواق السفن عبر ميناء المدينة العريق، غابت التصريحات المؤثرة عن وضع المحيطات عن العناوين الإخبارية، وتحول اهتمام قادة العالم الستين الحاضرين إلى قمم أخرى.

ورغم ذلك، تظل التحديات التي تواجه البحر المتوسط، باعتباره البحر الأسرع سخونة في العالم ويحتضن 11% من التنوع البيولوجي البحري العالمي، حاضرة بقوة. ويعتبر هذا البحر من بين أكثر النظم البيئية البحرية استغلالا وصعوبة في الإدارة، حيث يعاني من الصيد المكثف وضعف الحماية.

وقد خصص يوم متوسطي خلال مؤتمر UNOC3 لمناقشة هذه التحديات والتعاون الإقليمي لمحاولة فك تشابكاتها المعقدة. وقال “ريمي بارمنتييه”، مؤسس “غرينبيس” ومجموعة “فاردا”، ورئيس حملة “دعونا نحسن إلى البحر المتوسط”: “علينا أن نحمي المحيط لأنه يحمي وجودنا”. وقد جاءت كلماته الأخيرة بمثابة إرث دائم له بعد وفاته عقب المؤتمر مباشرة.

وقد مثل المؤتمر الأكبر من نوعه للمحيطات، حيث شارك فيه أكثر من 15,000 مشارك دولي، وهو محطة أساسية في الطريق إلى تحقيق أهداف الحماية البحرية بحلول عام 2030.

ومن بين أبرز هذه الأهداف، هدف حماية 30% من المناطق البحرية عالميا بحلول 2030، المعروف باسم “30×30”. غير أن تطبيق هذا الهدف يتطلب أكثر من مجرد الإرادة السياسية، إذ يحتاج إلى دعم صريح من قطاع الصيد.

رغم توقيع 170 دولة على إعلان سياسي غير ملزم في ختام المؤتمر، فإن الولايات المتحدة، أحد أكبر الفاعلين الدوليين، غابت عن التوقيع وحتى عن المشاركة الرسمية، مما أحدث فراغا سياسيا متروكا للمبادرات الإقليمية.

أبرز الالتزامات تمثلت في تعهد المفوضية الأوروبية بمليار يورو لحماية المحيطات، وتخصيص إسبانيا 8.5 مليون يورو لمبادرة “الشراكة الزرقاء للمتوسط”، بينما قدم كل من البنك الدولي وبنك التنمية الفرنسي 2 مليون يورو لتعزيز حماية المناطق البحرية بشمال إفريقيا.

حماية البحر الذي يحمينا

وسط وعود متقطعة وتمويل متناثر وواقع بيئي قاس، يبقى البحر المتوسط معلقا في منطقة رمادية بين التهديدات والتدخلات الضعيفة.

ويكمن التحدي في فجوتين قانونيتين خطيرتين: الأولى أن نسبة الحماية الكاملة لا تتجاوز 0.04% من مساحة البحر المتوسط، والثانية أن اللجنة العامة لمصايد الأسماك في البحر المتوسط (GFCM) لا تلزم جميع سفن الصيد الصناعي بوجود رقم تعريف دائم، مما يضعف مراقبة وتتبع السفن.

ورغم إنشاء محميات بحرية رمزية مثل محمية “بيلاجوس” (84,000 كلم²) بين فرنسا وإيطاليا وموناكو، إلا أنها تظل استثناء في المتوسط، فيما تحافظ فرنسا، رغم استضافتها للمؤتمر، على حماية لا تتجاوز 4% من منطقتها الاقتصادية الخالصة و0.005% فقط من مياهها الإقليمية تحت حماية كاملة.

تقول “ألكسندرا كوستو”، مستشارة كبيرة في “أوشيانا”: “وعد الرئيس ماكرون بالتحرك ضد الصيد القاعي في المحميات، لكنه لم يقدم سوى إجراءات شكلية وخطابات فارغة. هذا ليس قيادة، بل تهرب من المسؤولية”.

كما تواجه فرنسا معارضة قوية من قطاع الصيد، خاصة في مناطق مثل خليج الأسد الذي يبعد 150 كلم فقط عن نيس، حيث تتواصل الممارسات غير القانونية رغم وجود محميات.

ورغم التفاوت الكبير بين دول شمال وجنوب المتوسط، تظهر الخريطة أن المناطق المحمية فعليا تتركز في الشمال الغربي، بينما تكاد تكون منعدمة في تونس، الجزائر، ليبيا، والمغرب.

يؤكد “بابلو رودريغيز روس”، منسق برنامج 30×30 لتحالف بحر المتوسط: “الحماية الصارمة – التي تمنع أي نشاط صيد أو استخراج – ما زالت استثناء في البحر المتوسط. ما لم يتغير ذلك، فسنواصل خسارة التنوع البيولوجي”.

الفجوة في تطبيق قوانين الصيد

تخلف البحر المتوسط أيضا عن بقية المحيطات في إلزام السفن الكبيرة بأرقام تعريف دائمة. ففي حين تطبق هذه القواعد في المحيطين الأطلسي والهادي، لا تزال بعض الدول المتوسطية ترفض تطبيقها حتى على السفن التي تتجاوز 15 مترا.

وتطالب منظمة “أوشيانا” اللجنة العامة لمصايد الأسماك بتبني قواعد صارمة لتتبع السفن، وبأن تعلن الدول الأعضاء عن ملكية السفن المسجلة لديها. ووفقا للمنظمة، فإن فقط 600 من أصل 19,000 سفينة مسجلة في قائمة اللجنة تتضمن معلومات عن “الملكية الفعلية”.

ورغم تحركات اللجنة لإطلاق تدريبات ومراقبة باستخدام طائرات مسيرة، لا تزال معظم الدول تفتقر إلى الموارد الكافية.

كما أن دعوى قضائية رفعتها “ClientEarth” ضد إسبانيا في أبريل 2025 قد تشكل سابقة، إذ تطالب بالكشف عن مالكي السفن الحقيقيين في سياق مكافحة الصيد غير القانوني في غرب إفريقيا، الأمر الذي قد يمتد تأثيره إلى البحر المتوسط.

المجتمع المدني والدول في مواجهة الأزمة

يقول “أانيول إستيبان”، مدير مؤسسة “ماريلس”: “معظم مصايد المتوسط مستنزفة، الأنواع الشهيرة مثل سمك المنشار وأسماك المطرقة اختفت أو على وشك، والشعاب المرجانية تموت أمام أعيننا”.

ويضيف: “8.8% فقط من مياه المتوسط مصنفة كمناطق محمية، ومعظمها لا يطبق فعليا”.

ويرى أن الحل يكمن في رفع نسبة المناطق المحمية بالكامل من 0.04% إلى 10% على الأقل، عبر شبكة فعالة من المحميات البحرية المدارة جيدا.

وتقود “تحالف البحر المتوسط” – الذي يضم أكثر من 70 منظمة – جهودا علمية وتنسيقية لتحقيق ذلك. ويؤكد روس: “التحدي ليس تقنيا، بل سياسي. المشكلة في ضعف التمويل وتجزئة الحوكمة البحرية”.

وتبرز إسبانيا كمثال واعد، حيث وضعت أكثر من 30% من مياهها المتوسطية تحت الحماية، وتعهدت بوضع خطط إدارة لنصف هذه المناطق في غضون عام.

في حين تلعب موناكو دورا رياديا في حشد الجهود منذ عام 2006، وخاصة من خلال “أسبوع المحيط في موناكو”، الذي أصبح نموذجا للدبلوماسية البحرية الحديثة.

وفي كلمته بجلسة “محيطنا” في أثينا، قال الأمير ألبير الثاني: “النمو في جهود حماية المتوسط بطيء جدا. نحتاج إلى تحرك عاجل على جميع المستويات”.

وشهد مؤتمر UNOC3 إطلاق حملة “دعونا نحسن إلى البحر”، التي جمعت أكثر من 110 منظمة، وأكدت على “مبدأ الحماية” بقيادة تحالف من المجتمع المدني والعلماء والقادة الإقليميين.

ويقول الناشط “بوري كانالز”: “التعاون في المتوسط ليس خيارا، بل مسألة بقاء”. وتضيف الناشطة التونسية الشابة رباب العلوي: “الأمل يكمن في المعرفة المحلية، وحيوية الشباب، واتساق السياسات”.

واختتم المؤتمر بإعلان “بيان وزراء المتوسط”، الذي يعكس التزاما سياسيا لتعزيز الحوكمة البحرية المتكاملة.

ما بعد نيس: هل تنقذ الخطوات القادمة البحر المتوسط؟

رغم الزخم، تبقى الأسئلة قائمة: هل ستتحول التعهدات إلى فعل ملموس؟ وهل سيندمج قطاع الصيد الصناعي بشكل فعّال في المسار الإصلاحي؟

قال لي جونخوا، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المؤتمر: “الاختبار الحقيقي ليس ما قلناه في نيس، بل ما سنفعله لاحقًا”.

الأطراف المتوسطية لم تعد تنتظر الخطوات التالية، بل بدأت في تنفيذها. والسنة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان ما حدث في نيس يمثل منعطفًا تاريخيًا أم مجرد حلقة أخرى في دائرة الأزمات البيئية المتداخلة.

وقال السفير الفرنسي أوليفييه بوافغ دارفور، المبعوث الخاص لشؤون المحيطات:
“إذا لم نكن لطفاء مع المحيط، فلن يكون المحيط لطيفا معنا”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!