استكمال ما بدأه العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات

محمد التفراوتي18 يونيو 2025آخر تحديث :
استكمال ما بدأه العالم في مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات

آفاق بيئية: جون كيري

نيس ــ مع غروب شمس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في نيس، بوسعنا أن نحتفل بكثير من الإنجازات، لكن الأمر ينطوي أيضا على كثير من الأعمال التي لم تكتمل والتي يتعين على العالم أن يتعامل معها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) في بيليم بالبرازيل، في وقت لاحق من هذا العام.

على خلفية من انعدام اليقين العالمي والتساؤلات حول ما إذا كانت العمليات المتعددة الأطراف لا تزال قادرة على تحقيق الغرض منها، اتفقت البلدان الـمُـمَـثَّـلة في نيس إلى حد كبير على الحاجة إلى استجابة أكثر طموحا للتحديات التي تواجه محيطاتنا. لكن هذه كانت مجرد مرحلة أولى في رحلة طويلة. لحماية هذه المشاعات العالمية التي تحافظ على الحياة في الوقت المناسب، لابد من بذل جهود أعظم كثيرا قبل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين.

بين النتائج التي تستحق الاحتفال، حققت معاهدة أعالي البحار تقدما ملحوظا. فمع تصديق 19 دولة عليها في نيس، والتزام نحو عشر دول أخرى بالتصديق عليها، أصبحنا الآن على الطريق نحو تفعيل هذه الاتفاقية العالمية التاريخية بحلول بداية عام 2026، ليصبح من الممكن إنشاء مناطق بحرية محمية في أعالي البحار. وهذا كفيل بسد ثغرة هائلة في إدارة المحيطات.

لن يكون تحقيق هدف حماية 30 في المائة على الأقل من محيطات العالم بحلول عام 2030 في حكم الممكن دون تخصيص مساحات ضخمة من أعالي البحار الشاسعة ــ مساحة تمثل ثلثي المحيطات ونصف سطح كوكبنا. ويشكل إنشاء حماية بحرية فعّـالة ضرورة مُـلِـحَّـة بشكل خاص في المناطق القطبية، التي تقع على الخط الأمامي لأزمة المناخ. فالوضع في المحيط الجنوبي مزرٍ، ويتطلب اتخاذ تدابير فورية للمضي قدما في مقترحات تقضي بإنشاء مناطق بحرية محمية، والتي تعطل تنفيذها لفترة طويلة. من شأن سبل الحماية هذه أن تصون قدرة المحيط على المساعدة في التخفيف من تغير المناخ (عن طريق امتصاص الكربون) وزيادة قدرة الأنواع البحرية على الصمود في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة (بإزالة الضغوط الناجمة عن الصيد الجائر، على سبيل المثال).

كما أعلنت عدة دول في نيس عن تدابير حماية بحرية جديدة مهمة في مياهها الوطنية، حيث أعلنت بولينيزيا الفرنسية عن أكبر شبكة من المناطق المحمية في العالم بمساحة تقارب خمسة ملايين كيلومتر مربع (1.9 مليون ميل مربع). وقد حقق المؤتمر تقدما يستحق الترحيب نحو مكافحة التلوث البلاستيكي وتقييد ممارسات الصيد الأكثر ضررا.

ولكن لا ينبغي لنا أن نخلط الأمور فنعتبر أيا من هذه الإنجازات على أنها تحول في مسار حماية المحيطات. بدلا من ذلك، يجب أن يكون كل منها جزءا من تحول أوسع نطاقا: مد متصاعد من طموحات أعلى لا يزال العمل المطلوب لتحقيقها كثيرا.

لنتأمل هنا العمل الذي لم يـنـجز بعد. أولا، ما زلنا مقصرين بدرجة مؤسفة في تحديد وإنفاذ سبل الحماية البحرية. فحتى بعد نيس، تحظى 10% فقط من مساحة المحيطات بالحماية الآن بطريقة أو أخرى. وهذا بعيد كل البعد عن نسبة 30% التي يجب أن نعمل على حمايتها بحلول نهاية هذا العقد. الأمر الأشد سوءا هو أن عددا كبيرا من المناطق المحمية محمية بالاسم فقط. على سبيل المثال، كان كثيرون يأملون في أن تعلن دولة رائدة في مجال البيئة مثل فرنسا فرض حظر صارم على الصيد بشباك الجر في قاع البحار في مناطقها المحمية. ولكن، لا يزال في الوقت متسع لمزيد من البلدان لتعمل كقدوة، بما في ذلك في مؤتمر الأطراف الثلاثين.

ثانيا، لا تزال الدولارات تشكل أهمية واضحة. لا تزال الفجوة ضخمة بين التعهدات وما تحقق بالفعل. على مستوى العالم، يذهب مبلغ 1.2 مليار دولار فقط سنويا لحماية المحيطات، أي أقل من 10% من المطلوب، حتى عندما تشير الدراسات إلى أن حماية 30% من المحيطات بحلول عام 2030 من الممكن أن توفر 85 مليار دولار سنويا بحلول عام 2050. الواقع أن إعادة توجيه الأموال المخصصة لإعانات دعم الصيد الضار في عشرة بلدان فقط من شأنه أن يسد الفجوة التمويلية لحماية المحيطات. من الأهمية بمكان أن يعمل الإنفاق الحكومي على إعادة تأهيل هذا المورد الحيوي، وليس إضعافه.

ثالثا، كان الصمت في نيس بشأن إنهاء إدماننا على الوقود الأحفوري صامّـا للآذان. فعلى الرغم من التزام العالم قبل عامين، في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، “بالتحول بعيدا” عن الوقود الأحفوري، يُـعاد طرح هذه القضية في كل اجتماع متعدد الأطراف. ومع ما تمثله أزمة المناخ من تهديد لوجود أشكال الحياة كافة على كوكبنا الأزرق، يتناقض الاتجاه إلى تطوير مشاريع استخراج النفط والغاز البحري الجديدة غير المقيدة تمام التناقض مع جميع أهدافنا المعلنة. بيد أن إحدى النقاط المضيئة كانت متمثلة في تحدي المساهمات الزرقاء المحددة وطنيا ــ الذي أطلقته البرازيل وفرنسا بدعم من ثماني دول في البداية ــ والذي يدفع باتجاه إدراج التدابير القائمة على المحيطات في خطط المناخ الوطنية.

يجب أن يصبح مؤتمر نيس نقطة انطلاق لقدر أعظم من العمل على حماية المحيطات في بيليم. الواقع إن مؤتمر الأطراف الثلاثين يُـعَـد المنصة المثالية للإعلان عن تدابير حماية بحرية جديدة وتمويل جهود الحفاظ في البلدان النامية، وبناء القدرة على الصمود في البلدان الجزرية والساحلية المعرضة للخطر.

باعتبارها رئيسة مؤتمر الأطراف الثلاثين وبلدا ساحليا بحد ذاتها، تحظى البرازيل بالفرصة لاستخدام الزخم الذي تولد في نيس لدمج استجابة العالم لأزمات المناخ والمحيطات المترابطة. بوسعنا أن نختار. فإما أن نكون الجيل الذي حوّل الطموح إلى عمل، أو نترك أكثر مشاعاتنا العالمية أهمية تنهار بلا رجعة. المحيطات من غير الممكن أن تنتظر. ويتعين على مؤتمر الأطراف الثلاثين أن ينجز العمل اللازم لحمايتها.

 ترجمة: إبراهيم محمد علي       

جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق والمبعوث الرئاسي الخاص لشؤون المناخ.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!