آفاق بيئية : لافي إبراهيم الحربي*
شح الأمطار وامتداد الصحاري عنصران يفسران الدور الثانوي الذي تلعبه المياه السطحية النابعة من قلب الوطن العربي ، فجل الوديان قصيرة ومؤقتة الجريان، وتبقى أهم المصادر السطحية هي الأنهار التي تعبر بعض الدول العربية كما يلي:
أ- المياه السطحية في المغرب العربي :
عدة مرتفعات جبلية، بعضها خزانات حقيقية، تمثل المصدر المغذي لأنهار هامة، تصب في البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي، بينما البعض الآخر ينزل تجاه الصحراء حيث تختفي مياهه.
والإتاحات المائية الإجمالية تساوي 48 كم 3 من المياه القابلة للتعبئة. منها 13 كم 3 مستعملة حاليا. جل هذه الموارد مركزة في المغرب الأقصى، وتدل الإحصاءات على اتساع الإمكانيات المستقبلية لهذا الجزء من الوطن العربي حيث لا يستعمل المغرب الأقصى حاليا سوى 33 % من إمكاناته ( المجلس الأعلى للماء، الرباط، 1990).
ويختلف استخدام المياه السطحية حسب المجال الجغرافي. ففي الحاشية الصحراوية ترتكز الحياة الفلاحية على الري ابتداء من بعض المجاري القادمة من الأطلس ( مثال تافيلالت، جنوب المغرب) . وبناء السدود الداخلية نصف الجافة، فإن سهول قدم الجبال قد عرفت إنشاء قطاعات سقوية هامة ( مثال تادلة والحوز). وفي المجالات الجبلية، عنف المياه إضافة إلى قلة امتداد الرقعة الزراعية، يمثلان عائقا هاما. كما أن السهول المجاورة مهددة دائما بالفيض. لذا فإن التهيئة سعت في نفس الوقت إلى تنظيم الصبيب عن طريق التخزين وإلى الحد من خطورة الفيض. ومشاريع سبو ومد جردة احسن الأمثلة عن هذا الوضع ( قصاب وستهم، 1980).
ب- المياه السطحية في الأردن ولبنان :
يتحكم الوضع التضاريسي والبنائي في توزيع المياه داخل المجال الذي ينتمي للأخدود الكبير السوري – الإفريقي، والذي يعتبر ذا بنائية نشيطة تتمثل في فوالق هامة هي المسئولة عن توزيع التضاريس في جبال لبنان ومنخفض الأردن والمرتفعات الشرقية. وأهم الأنهار تحتل موقع المنخفض الطولي لأخدود الشام.
حوضان نهريان كبيران يتفرعان عن المجموعة الجبلية التي تمثلها مرتفعات لبنان الشرقية. حوض العاصي يتجه شمالا إلى أن يلتقي بروافد قادمة من تركيان فيصب في البحر. وحوض الأردن يتجه جنوبا عبر بحيرة طبريا لينتهي عند البحر الميت، بعد استقباله لليرموك والمجاري من مرتفعات الأردن. ومياه الشرق الأدنى تعتبر موارد لا بأس بها. لكن الحدود السياسية بين الدول وخاصة التجاور مع الكيان الصهيوني يطرح إشكال السطو الذي تحاول من خلاله هذه الدولة الاستيلاء على موارد الأردن والجنوب اللبناني ( خليفة ، 1991).
نهر اليرموك:
نهر اليرموك طوله 57 كم منه 47 كم داخل الأراضي السورية، ينبع من بحيرة مزيريب في سوريا ثم يسير النهر ليشكل جزءاً من الحدود السورية الأردنية ويقع على النهر في سوريا سد اليرموك ويتغذى ببعض الروافد كوادي الرقاد في الجولان و وادي الذهب الذي ينبع من جبل العرب مرورا ببلدة الغاريه الشرقية و الغربية و يمر على عدد من المناطق والقرى التاريخية والتي تحتوي على الكثير من الكنائس القديمة والأديرة والمقابر والآثار. وقد أقامت الحكومتان السورية والأردنية مؤخرا سداً على النهر وسمي سد الوحدة.
نهر العاصي:
هو نهر ينبع من لبنان ويمر في سوريا ليصب في البحر المتوسط. ينبع نهر العاصي من أعالي سهل البقاع في لبنان وليس له منبع وحيد بل ثلاث مجموعات من المنابع أهمها مجموعة منابع اللبوة وعين فليكة وراس بعلبك، ومجموعة منابع عين الزرقا وشواغير الهرمل من سفوح سلسلة جبال لبنان الغربية، ومجموعة منابع الزراعة قرب بلدة جوسية في شمال البقاع، حيث يدخل بعدها إلى الأراضي السورية ليشكل وادي العاصي المعروف في سوريا. يمر أولا في مدينة حمص وبعدها يمر في مدينة حماة حيث أقيمت عليه نواعير عملاقة هي الأكبر من نوعها في العالم وتنتشر على جنبات النهر البساتين والخضرة. يتجه النهر إلى الشمال ليصل مدينة أنطاكية في لواء اسكندرونة السوري والذي تحتله تركيا منذ 1939، ثم يصب في البحر المتوسط. يبلغ طوله حوالي 400 كم. توفر السدود المقامة على العاصي في سوريا الري لمساحات شاسعة من الأراضي , وقد سمي بالعاصي لأنه يجري بعكس اتجاه أنهار المنطقة أي من الجنوب نحو الشمال.
بحيرة طبريا:
هي بحيرة حلوة المياه تقع بين منطقتي الجليل والجولان على الجزء الشمالي من مسار نهر الأردن. يبلغ طول سواحلها 53 كم وطولها 21 كم وعرضها 13 كم، ومساحتها تبلغ 166 كم2. أقصى عمق فيها يصل إلى 46 متر. تنحدر من قمة جبل الشيخ الثلجية البيضاء المياه الغزيرة لتشكل مجموعة من الينابيع التي تتجمع بدورها لتكون نهر الأردن. البحيرة والمنخفض حولها هما جزء من الشق السوري الأفريقي.
د. المياه السطحية في مصر:
تمتد شمال السودان وفي مصر صحراء قاحلة يخترقها حادث جغرافي فريد من نوعه، كان إطار بزوغ إحدى أعرق الحضارات العالمية، ويتمثل في نهر النيل الذي ترتكز حوله الفلاحات الغنية والسكن الكثيف. هذا النهر يعتبر عطاء يسميه الفلاحون “بحرا” وتم تأليهه من طرف الحضارات القديمة، يمثل في نفس الوقت الخشية عندما يزيد الفيض عن مستواه العادي، والأمل لأنه سنويا يحيى الأراضي الممتدة ( بوزنسون، 1975).
يمثل النيل الأبيض الصبيب القاعدي بسبب انتظامه النسبي، لكن نصيبه متواضع على المستوى السنوي ( أقل من ثلث الصبيب السنوي) وهو يتعرض لتبخر الكثير من مياهه في منطقة السدود.
أما النيل الأزرق والعطبرة فهما المسئولان الأساسيان عن فيض النيل السنوي وعن امتداد الرقعة الزراعية. ويرتفع صبيب النيل الأزرق ليصل ما يقترب من 6000 م 3/ ث في نهاية الصيف.
والتبخر في الصحراء مسئول عن تقليص القدر الإجمالي للصبيب حيث لا يصل إلى البحر سوى ثلث الموارد.
كما أن هذا المورد الهام يتسم بعدم الانتظام من سنة إلى أخرى ( براهيم، 1987). وبسبب توالي سنوات الخصاص، وسنوات الفيض المفرط، تم التفكير في تجهيز الحوض بشكل يضمن الحصول على المياه الكافية، دون حدوث خسائر.
وتوالت التجهيزات منذ القديم إلى حين بناء السد العالي الذي يهدف إلى التخزين المستديم لمقاومة سنوات جفاف متوالية. سعة التخزين تصل إلى 120 كم3 مع إنتاج 10 مليار كيلواط / ساعة من الكهرباء. كما تم الاتفاق على إنشاء قنوات تحويل في العالية لضمان استمرار تدفق المياه. وتقف المشاكل السياسية والأمنية دون إتمام هذه المشاريع ( ناف وماتسون، 1984).
ورغم مختلف هذه المشاريع تشكو مصر من نقص في المياه إذا اعتبرنا نموها السكاني واتساع حواضرها. والعجز المائي يعتبر سببا أساسيا يحد من إمكانيات التوسع الفلاحي والاقتصادي.
يعتبر نهر النيل أطول أنهار الكرة الأرضية ومن خصائصه أنه هو ونهر الفرات يعتبران “أغزر نهرين في الوطن العربي“، يقع في قارة أفريقيا وينساب إلى جهة الشمال، له رافدين رئيسين النيل الأبيض والنيل الأزرق ينبع النيل الأبيض في منطقة البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، أبعد مصدر يوجد في جنوب رواندا عند الإحداثيات 2°16′55.92″S 29°19′52.32″E / 2.2822°S 29.3312°E / -2.2822; 29.3312 ويجري من شمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا، إلى أوغندا ثم جنوب السودان، في حين أن النيل الأزرق يبدأ في بحيرة تانا في أثيوبيا عند الإحداثيات 12°2′8.8″N 37°15′53.11″E / 12.035778°N 37.2647528°E / 12.035778; 37.2647528 ثم يجري إلى السودان من الجنوب الشرقي ثم يجتمع النهرين بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم.
هـ – المياه السطحية في سوريا والعراق:
الأراضي السورية – العراقية ذات مناخ قاري ، تشرف عليها جهة الشمال والشمال الشرقي جبال تكسوها الثلوج، بينما جل المجال السوري – العراقي يوجد في منطقة حيث الأمطار تقل عن 300 مم، وجل هذه الموارد تتبخر بعد سيل قصير. ولذا فجل الموارد المائية قادمة من خارج الأرض العربية. فخمسون في المائة من إيراد دجلة والفرات من تركيا و 30 % من إيران ( المنظمة العربية للتنمية الزراعية 1981).
تنطلق دجلة من الطوروس الشرقي وتخترق أولا أراضي مغذية تمثل 55 % من حوضها، جلها في جبال تركي وإيران وتلال شمال العراق. ثم يتلقى النهر روافد هامة قادمة من إيران. وارتفاع الحرارة والتبخر في السهل العراقي، سبب في تلميح المياه التدريجي، إلى حين الالتقاء بنهر الكارون حيث تصبح الملوحة معتدلة من جديد. وقد أقيمت المشاريع العديدة على دجلة وروافدها من أجل تأمين المياه وتخزينها، وللوقاية من الفيض. وسد الموصل الذي أقيم سنة 1986 بسعة 13 كم3 يسمح بالسيطرة على موارد العالية التركية وتنظيم الجريان، كما يضمن صبيب 32 كم3 سنويا. وشيدت سدود أخرى متعددة على روافد دجلة، رفعت المقدار المائي المضمون وسط العراق إلى حوالي 40 كم3 ( الكسان،1991).
أما الفرات فهو قادم من هضبة الأناضول بوادر عام يصل إلى حوالي 30 كم 3. أنشئت عليه سدود تركية حديثة، أهمها سد أتاتورك، كان لها صدى تخفيض الوارد المائي إلى سوريا ( انخفاض الوارد عند مدخل سوريا إلى 13 كم 3). أما سد الفرات السوري فهو يسمح بري 150.000 هكتار وينتج 2.5 مليار كلواط / ساعة. وفي العراق أقيمت العديد من المشاريع على الفرات من أهمها سد الحبانية الذي يملأ منخفضا بسعة 3.3 كم3 ( المنظمة العربية للتنمية الزرعية، 1981).
والحاجات السورية – العراقية من مياه الفرات ترتفع إلى 24 كم3 ، بينما لم يبق يصل إلى البلدين سوى 13 كم3 . وهذا يطرح إشكال اقتسام الثروة المائية بين الدول الثلاث بحدة كبيرة ( خلفية ، 1991 ) .
نهر دجلة:
نهر ينبع من مرتفعات جنوب شرق الأناضول في تركيا ويمر في سوريا 50 كم في ضواحي مدينة القامشلي ليدخل بعد ذلك أراضي العراق عند بلدة فيش خابور، ويصب في النهر مجموعة كبيرة من الروافد المنتشرة في أراضي تركيا وإيران والعراق لعل أهمها وأطولها الخابور، والزاب الكبير، والزاب الصغير، والعظيم، ونهر ديالى.ويتفرع دجله إلى فرغين عند مدينة الكوت هما نهرالغراف والدجيله ان نهر دجلة يلتقي بنهر الفرات عند القرنة في جنوب العراق بعد رحلته عبر أراضي العراق ليكونا شط العرب الذي يصب في الخليج العربي، ولكن تغير مجرى الفرات في الوقت الحاضر وأصبح يلتقي بنهر دجلة عند منطقة الكرمة القريبة من البصرة، ويبلغ طول مجرى النهر حوالي 1,718 كيلومتر.
تقوم تركيا بإنشاء سلسلة من السدود على أعالي نهري دجلة والفرات فيما يسمى مشروع جنوب شرق الأناضول.
نهر الفرات:
هو أحد الأنهار الكبيرة في جنوب غرب آسيا، ينبع من جبال طوروس في تركيا ويتألف من نهرين في آسيا الصغرى هما مراد صو (أي ماء المراد) شرقاً, ومنبعه بين بحيرة وان وجبل أرارات في أرمينيا وقره صو (أي الماء الأسود) غرباً ومنبعه في شمال شرقي الأناضول. والنهران يجريان في اتجاه الغرب ثم يجتمعان فتجري مياههما جنوبا مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية. ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي وتنضم إليه فروع عديدة قبل مروره في الأراضي السورية ليجري في الاراضي العراقي ويلتقي بدجلة في كرمة علي ليكون شط العرب الذي يصب في الخليج العربي. ومن خصائصه أنه هو ونهرالنيل يعتبران “أغزر نهرين في الوطن العربي” ويدخل الأراضي السورية عند مدينة جرابلس، وفي سوريا ينضم إليه نهر البليخ ثم نهر الخابور وثم يمر في محافظة الرقة ويتجه بعدها إلى محافظة دير الزور، ويخرج منها عند مدينة البوكمال. وثم يدخل العراق عند مدينة القائم في محافظة الانبار ليدخل بعدها محافظة بابل ويتفرع منه شط الحلة ثم يدخل نهر الفرات إلى محافظة كربلاء ثم إلى محافظة النجف ومحافظة الديوانية ثم محافظة السماوة ثم محافظة الناصرية ليتوسع ليشكل الأهوار، ويتحد معه في العراق نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 90 ميلا ثم تصب في الخليج العربي. يبلغ طول الفرات حوالي 2700 كم (1800 ميلاً)، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب. ويطلق على العراق بلاد الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات بها.
ج- مياه السيول في المناطق الصحراوية :
تمتاز المناطق الصحراوية ضمن الوطن العربي بفقر مياهها السطحية. ولا تخرج عن هذه القاعدة سوى بعض الكتل الجبلية التي تغذي سيولا مؤقتة هي نفسها تغذي فرشات مائية باطنية. وتدخل في هذا الإطار جبال الهكار وتبستي بوسط الصحراء الكبرى، ومرتفعات عسير على ساحل البحر الأحمر. بعض هذه المياه ينزل بسرعة إلى البحر الأحمر والبعض الآخر ينزل نحو سطوح الصحراء. وكمية المياه التي تنزل إلى البحر الأحمر في الجزء السعودي، تم تقديرها بحوالي 1.4 كم 3 سنويا (عثمان، 1986) إلا أن جل هذه المياه لا يتم الانتفاع بها وذلك بسبب سرعة تدفقها وفجائية صبيبها. أما المجاري الداخلية فهي أطول لكنها أقل صبيبا. وتزيد أهمية السيول في القطر اليمني. وقد استغلت هذه السيول منذ القديم وقامت عليها حضارة اليمن الزراعية الشهيرة بتجهيزاتها ومنشآتها.
————————————————————————————————–
* لافي إبراهيم الحربي : جغرافي ومهتم بشؤون الطقس والبيئة