المياه والحروب والمستقبل المجهول

محمد التفراوتي13 ديسمبر 2015آخر تحديث :
المياه والحروب والمستقبل المجهول

water

بقلم: سانديب واسليكار

ترجمة: عبدالرحمن أبوطالب

في ديسمبر 2009، التقيت وليد المعلم وزير الخارجية السوري، في مكتبه في دمشق، جنبا إلى جنب مع سياسي بريطاني بارز. حيث أطلعنا على رؤيته لعملية السلام مع إسرائيل على مراحل. كان لديه شرطين أساسيين.

الشرط الأول، ضمان تأمين الوصول إلى مياه طبريا. والشرط الثاني، وجوب أن تتعهد تركيا بعملية السلام. وقال إن الحكومة في دمشق يمكنها فقط أن تثق في دولة واحدة كضامن لمصالحها. هذه الدوله كانت تركيا تحت قيادة أردوغان.

اقترحت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي (SFG) في تقريرها الذي صدر في فبراير 2011 حول “السلام الأزرق” عدة حلول لاستخدام المياه كأداة للسلام والازدهار في الشرق الأوسط. أحد هذه الحلول تم موائمته وفقا للإطار الذي طرحه المعلم. ولكن الحرب الأهلية اجتاحت سوريا بعد شهر من صدور هذا التقرير.

كان السبب الرئيسي وراء هذه الحرب هو تآكل العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. غير أن أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في ذلك كان الجفاف وفشل مساعي التعاون الإقليمي في مجال المياه، وهو ما أجبر الكثير من المزارعين، نتيجة للفقر، إلى الهجرة إلى المدن وتحميلها فوق طاقتها. وتحول أكثر الحلفاء الموثوقين لدى سوريا [تركيا] إلى أكثر أعدائها قساوة. وهاهي الحرب الإقليمية التي تلت ذلك تهدد الآن بأن تتحول إلى مواجهة عالمية.

لقد أدرك القادة في بعض المناطق الأخرى من العالم أهمية العلاقة الغير معلنة بين المياه والسلام والأمن. حيث تحسنت العلاقات بين الهند وبنغلاديش بشكل كبير عندما تم وضع مسودة معاهدة لإدارة نهر تيستا في اتفاق كبير ضمن التفاهمات الأمنية.

استطاعت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي في عام 2013 أن تجمع قادة الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في الهند وبنغلاديش لإعداد الإطار الذي من شأنه أن يؤدي إلى توقيع معاهدة نهر تيستا واستحداث آلية معينة لتجنب الصراع على المياه للألف سنة المقبلة. وفي يوغوسلافيا السابقة، وبعد توقيع اتفاق دايتون للسلام في منتصف التسعينات من القرن الماضي، دخلت الدول المولودة حديثا مباشرة في اتفاق ينص على الإدارة المشتركة والتعاونية لنهر السافا. وقد ساهم ذلك في تحقيق السلام والتعاون في منطقة البلقان التي شهدت الموت والعنف حتى ذلك الحين.

بدأت المعادلة الدقيقة بين المياه والحرب والسلام في الظهور في أجزاء مختلفة من العالم دون أن يلاحظها الرأي العام العالمي، وقد اتخذت مجموعة الاستبصار الاستراتيجي خطوتين في هذا الصدد. أولا، قامت المجموعة بتطوير تعاون مائي مشترك لعدد 219 حوض نهري مشترك في 148 دولة. وقد أثبت ذلك أن أي بلدان يشتركان في تعاون نشط في مجال المياه لن يذهبا إلى الحرب لأي سبب آخر.

ثانيا، تعاونت المجموعة مع الحكومة السويسرية في سبيل إنشاء لجنة عالمية رفيعة المستوى تعنى بمجال المياه والسلام بحلول نوفمبر عام 2016. تظم هذه اللجنة حكومات 15 دولة من جميع القارات، ويترأسها دانيلو تورك، الرئيس السابق لسلوفينيا. الأمير الحسن بن طلال من الأردن هو أيظا أحد أعضاء اللجنة.

سترد اللجنة على الطعون التي تقدم بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لدراسة الروابط بين المياه والسلام والأمن. كما ستقترح اللجنة هيكلية عالمية لاستخدام المياه كأداة للسلام من خلال الحوافز المالية والعمل على إنشاء آليات دبلوماسية-مائية والتشجيع على تشكيل هيئات مشتركة لإدارة المياه في جميع الأحواض وتعزيز أفضل الممارسات، والأهم من ذلك إشراك كبار القادة السياسيين في المحادثات حول المياه. ستعقد اللجنة العديد من المشاورات في أنحاء مختلفة من العالم وتقدم تقريرها إلى منظمة الأمم المتحدة بحلول ديسمبر كانون الاول عام 2017.

وفي حال نجحت اللجنة في إعداد هيكلية عملية، فسوف يكون لذلك تأثير على حياة 2.3 مليار شخص يعيشون في أحواض الأنهار المشتركة في العالم النامي علاوة على اقتصاد سنوي مشترك يبلغ 10 تريليون دولار. ومع مرور السنين، ونتيجة لانتشار الإدارة التعاونية للمياه، فإن نسبة الانتاج الرأسمالي الإضافي ستنخفض وسينخفض الإنفاق العسكري أيضا. وهذا سيخلق أرباح سنوية تقدر بـ 200 مليار نتيجة السلام. أما إذا فشلت اللجنة في اقتراح هيكلية عالمية مقنعة، فسوف تحل الفوضى.

يبلغ معدل استنزاف الموارد المائية في الوقت الحالي أكثر من 320 مليار متر مكعب في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط. وهذا يعادل اختفاء عشرة أنهار بحجم نهر الفرات من على وجه الأرض كل عام. إذا استمر هذا الاستنزاف، سيكون هناك انخفاض حاد في إنتاج الأغذية وزيادة الطلب الجديد لحوالي 200-300 مليون طن من الحبوب الغذائية في السوق العالمي، وهذا بدوره سيؤدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة. وستتوالى أعمال الشغب بسبب الغذاء، ليس فقط في نيبال ونيجيريا، ولكن أيضا في بيرو وباراغواي. لن ينجو أي بلد في العالم من كارثة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والهجرة القسر

ية، والإرهاب، والحكم الاستبدادي، وربما حرب عالمية تبدأ في عام 2039.

لقد حذر ديدييه بيركهالتر، وزير الخارجية السويسري، بمناسبة إنطلاق أعمال اللجنة قائلا “الماء لا يقتصر فقط على التنمية. بل يرتبط أيضا بالأمن”. وهذا ما أدركته سوريا في ديسمبر عام 2009، لكن الفشل في اتخاذ إجراءات عاجلة حينها دفع الشرق الأوسط برمته إلى الهاوية. لقد حان الوقت لكي يستيقظ العالم قبل أن تتكرر قصة سوريا في كل منطقة.

* الدكتور سانديب واسليكار، رئيس مجموعة الاستبصار الاستراتيجي وهي مؤسسة بحثية دولية تعمل مع 50 دولة في أربع قارات.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!