كلمة أكيم شتاينر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة
المنامة: عماد سعد
في مؤتمر للأمم المتحدة حول مستقبل البشرية وكوكب الأرض عُقد قبل أربعين عاماً في ستوكهولم العاصمة السويدية، سجل التاريخ حدثاً وضع كينيا وعاصمتها في قلب القضايا البيئية العالمية.
وسط القلق المتزايد من تلوث الهواء والتربة والبحار والخسارة المتنامية للأنواع الحية وانحسار الغابات نتيجة الأمطار الحمضية، اتفقت الحكومات على ضرورة انشاء وكالة للأمم المتحدة مهمتها تنسيق الاستجابة العالمية لمثل هذه التحديات. بين حزيران عام 1972 وموعد انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ذلك العام، تم حشد الدعم لتأسيس هذه الهيئة البيئية الجديدة وذلك من قبل العديد من الدول بما فيها المكسيك والهند والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. لقد أنشأ البرنامج في الأصل لتنسيق نشاطات نظام الأمم المتحدة المتعلّقة بالقضايا البيئة وتقديم المعرفة العلمية للدول الأعضاء حول النزعات الناشئة عن التغيرات البيئية.
يقدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) خدمات متنوعة للدول الأعضاء في منطقة غرب آسيا، بما في ذلك المشورة المتعلقة بالسياسة والمساعدة الفنية وتطوير القدرات وفرص إقامة العلاقات والتشبيك مع اصحاب المصلحة واعداد ونشر المعرفة ونقل التقنية وتنفيذ البرامج البيئية بالإضافة إلى الاضطلاع بدور فعال في عقد الفعاليات من أجل إجراء المناقشات والمفاوضات المتعلقة بالمسائل البيئية.
في كثير من الأحيان، تبدو مؤتمرات الأمم المتحدة للبعض كخطابات المهرجانات، ومن المؤكد أن عملية اقناع أكثر من 190 أمّة على الاتفاق والتعاون قد يكون أحياناً أمراً محبطاً حقاً. وفي كثير من الأحيان ايضاً، يبدو العمل الذي يقوم به برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالنسبة للبعض بعيد كل البعد عن اهتماماتهم اليومية. ولكن كثيراً ما تظهر الفوائد الحقيقية للعيان بعد سنوات أو حتى بعد عقود لاسيما فيما يخص العمل الذي تتفق الأمم على القيام به في مجال البيئة. في قمة الأرض حول التنمية المستدامة التي انعقدت في جوهانسبرغ عام 2002، طـُلب إلى برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن يقود شراكة تهدف إلى تسريع الإزالة التدريجية للبنزين الذي يحتوي على الرصاص وذلك على المستوى العالمي، لأن الرصاص على نحو خاص يُحدث ضرراً على أدمغة الأطفال والشباب. ولقد تمت منذ ذلك الوقت إزالة الرصاص من البنزين المُعد للنقل في حوالي 80 من الدول النامية تشمل غانا وكينيا وتنزانيا وجنوب أفريقيا وفانواتو والعديد من دول الكاريبي، غير أن الفوائد الكبيرة المتحققة من ذلك لم تظهر إلا مؤخراً. ويقوم العلماء بحساب تطور نسبة الذكاء وانخفاض حالات أمراض القلب والأوعية وتدني مستوى الجريمة، وتندرج كلها في إطار الفوائد المتحققة جرّاء تخلـّص العالم من الرصاص والتي تصل قيمتها سنوياً إلى 2.4 تريليون دولار أمريكي.ويمكن حتى أن تكون هذه الفوائد الاقتصادية أعلى قيمة في حال شملت الحسابات أمراض وعوامل أخرى مثل السرطان وازدياد عدد المدن حيث تكون آثار التلوث بالرصاص أكبر. هذا مثال واحد عن كيفية ارتباط القياسات البيئية والعمل البيئي بشكل مباشر بالعوامل الاجتماعية ومشكلات الفقر والمساواة وتحسين سبل العيش.
يعتبر التركيز على العلم من أهم الساهمات التي قدمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة والتي أدّت بدورها إلى قيام مفاوضات بين الحكومات حول المعاهدات العالمية الرئيسة التي تـُعنى بمعالجة الأزمات البيئية الناشئة. ومن أهم المعاهدات في هذا المجال نذكر بروتوكول مونتريال حول المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وهي الطبقة التي تمنع تأثير الانعكاسات المتعددة الخطرة الناتجة عن أشعة الشمس فوق البنفسجية. ففي ثمانينيات القرن الماضي، أصبح من الواضح أن بعض المواد الكيماوية المستخدمة في منتجات مثل الثلاجات ومعدات مكافحة الحرائق كانت تؤثر سلبا على طبقة الأوزون. وبحلول عام 2010، كانت معاهدة برنامج الأمم المتحدة للبيئة قد نجحت في تحقيق التخلّص التدريجي لأكثر من 100 نوع من هذه الغازات الضارة. ومن غير بروتوكول مونتريال، كانت المستويات الجوية للمواد المستنفدة لطبقة الأوزون سيتضاعف بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2050، الأمر الذي كان سيؤدي بدوره إلى زيادة تصل إلى 20 مليون حالة من سرطان الجلد وكذلك إلى زيادة في حالات إعتام عدسة العين تصل إلى 130 مليون حالة، ناهيك عن الضرر المترتب على أنظمة المناعة البشرية وعلى الحياة البرية والزارعة.
ولا تزال الجهود في تطوير العلم والدعوة إلى التفاوض حول المعاهدات، مستمّرة. فمنذ بضعة أشهر، اجتمعت الحكومات من أرجاء العالم في جيجيري للحثّ على تقديم خطط لوضع اتفاق عالمي حول الزئبق، الذي ستبّب بإتلاف الجهاز العصبي. شخصية الماد هاتر، او مجنون القبعات (The Mad Hatter) هو شخصية مشهورة في قصة أليس في بلاد العجائب. وقد أطلق هذا الأسم لأن صنّاع القبعات كانوا يستخدمون الزئبق لتثبيت حواف القبعات ويتنفسون الأبخرة المتصاعدة منها، مما يؤثّر سلباً على جهازهم العصبي.
وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبينما كان العالم يجهد لفهم مضامين غازات الدفيئة المنبعثة في الجو، قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأرصاد العالمية بانشأ الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ الذي يضم ممثلين عن عدّة حكومات. وأضحى العمل العلمي الذي يقوم به الفريق هو تقييم المخاطر الأول الذي تعتمده الحكومات كمرجع عملي لللتعامل مع تأثيرات الأحترار العالمي. ولعبت الحقائق التي توصل إليها الفريق دوراً بارزاً في تفعيل قرار انشأ اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ ومعاهدة خفض الانبعاثات الخاصّة به والمعروفة ببروتوكول كيوتو. ستعقد قمة Rio+20 في حزيران، ويمكن أن تكون فرصة تتم فيها ترجمة مبادرة الاقتصاد الأخضر إلى طريقة حديثة وطموحة للقيام أخيراً بتحقيق التنمية المستدامة لسبعة مليار نسمة سيصل عددهم عام 2050 إلى أكثر من تسعة مليارات. إن انبثاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة من ستوكهولم عام 1972 كان مفاجأة بالنسبة للبعض؛ والوقت وحده كفيل بتبيان ما إذا كان حزيران من عام 2012 سينقل قصة البرنامج إلى مستوى أعلى. بعد انعقاد قمة الأرض الشهيرة عام 1992، مُنح برنامج الأمم المتحدة للبيئة المزيد من الفرص لتطوير عمله كوكالة مُنفـّذة تعتمد على صندوق تمويل جديد يضمّ عدّة مليارات من الدولارات، والمعروف بالمرفق العالمي للبيئة. كانت كينيا من بين العديد من الدول النامية التي تم فيها وضع خرائط للطاقة الشمسية وسرعة الرياح، الأمر الذي ساعد بدوره الحكومة والمستثمرين من وراء البحار في تطبيق تقنيات الطاقة المتجددة.