الأنواع الغازية على متن السفن: أثر البواخر في البحر المتوسط

محمد التفراوتي25 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الصيادون في طريفة يزيلون الطحلب الآسيوي من شباكهم وقواربهم، في مايو 2025. الصورة: إيريني باّنيوس.
الصيادون في طريفة يزيلون الطحلب الآسيوي من شباكهم وقواربهم، في مايو 2025. الصورة: إيريني باّنيوس.

آفاق بيئية: خوان دافيد إسكورثيا* و إيريني باّنيوس رويث*

تبحر السفن بثبات بفضل خزانات تحتوي على مياه التوازن، لكن عند تفريغها في موانئ أخرى، تُطلق معها عدداً هائلاً من الكائنات الدقيقة واليرقات والطحالب. ومن دون معالجة مناسبة على متن السفن، تتحول هذه الكائنات إلى أنواع غازية. ويسعى اتفاق دولي إلى منع ذلك.

تعود قوارب جمعية الصيادين في طريفة، أقصى جنوب إسبانيا، من رحلات الصيد محمّلة بشباك مليئة بالطحلب الآسيوي: Rugulopteryx okamurae. إنه نوع غازي يكافحه الصيادون منذ عشر سنوات. يبحث هؤلاء بين الكتلة البنية عن بعض الأسماك التي تبرر يوم الصيد، لكن ما يبقى فقط هو رائحة حمضية تفسد الأجواء.

كما هو الحال في قوارب الصيد، يغطي هذا الطحلب أيضاً الرمال الذهبية لشواطئ طريفة السياحية، ويمتد عبر سواحل قادس، ويغزو المناطق الساحلية في مالقة، مما يثير القلق من وصوله إلى سواحل شرق إسبانيا. إنها استعمارية بحرية تمتد أيضاً إلى السواحل الإيطالية والفرنسية والمغربية.

أُدخل هذا النوع الغازي عام 2015 عبر خزانات مياه التوازن في السفن القادمة من المحيط الهادئ، وقد وجد في البحر المتوسط ظروفاً مثالية للانتشار: غياب مفترسات طبيعية، سهولة التشتت بفعل العوامل البشرية أو التيارات البحرية، ودرجات حرارة مواتية. ورغم أن المتوسط يمثل 1% فقط من مساحة محيطات العالم، إلا أن 30% من التجارة البحرية العالمية تمر عبر مياهه. ومن هنا يُفسَّر وصول طحلب Rugulopteryx okamurae إليه مع تزايد حركة النقل البحري.

يقول مانويل سواريز، رئيس جمعية الصيادين: “هذا [الطحلب الآسيوي] جاء، كما يعلم الجميع، مع مياه التوازن التي تفرغها السفن التجارية”، مشيراً إلى الخزانات، بينما تلوح في الأفق حاويات صغيرة فوق ظهر السفن التجارية التي تعبر مضيق جبل طارق.

اتفاق دولي للحد من إدخال الأنواع الغازية

بدأ الحديث عن ظهور الأنواع الغازية في المحيطات عبر مياه التوازن في السبعينيات داخل المنظمة البحرية الدولية (IMO). وأدى القلق بشأن هذه الظاهرة إلى إقرار المنظمة عام 2004 الاتفاقية الدولية للسيطرة على مياه التوازن ورواسب السفن وإدارتها.

تلت ذلك سنوات من المفاوضات بين الدول والقوى السياسية والمصالح الاقتصادية وضغوط جماعات الضغط. وفي عام 2016، صادقت 30 دولة تمثل 35% من الحمولة البحرية العالمية على الاتفاقية. ثم ارتفع العدد عام 2017 إلى 60 دولة، أي ما يعادل 70% من الأسطول التجاري العالمي آنذاك. ومع انضمام الصين عام 2020، ارتفعت النسبة إلى 90%. أما الولايات المتحدة، فلا تزال ترفض المصادقة بحجة امتلاكها لقوانينها الخاصة.

ومع دخول القاعدة D-2 من الاتفاقية حيّز التنفيذ في سبتمبر 2024، أصبح على الدول الموقعة إلزام السفن بتركيب أنظمة معتمدة لمعالجة مياه التوازن على متنها. ورغم أن 80% من الأسطول التجاري لدى الدول الموقعة يمتلك هذه الأنظمة، فإن مسؤولية التحقق من تشغيلها بشكل سليم تقع على عاتق سلطات الموانئ. غير أن موظفي هذه السلطات يعتبرون التفتيش سباقا مع الزمن، وفي موانئ مثل برشلونة يشتكى من نقص العاملين.

العدد الكبير للسفن التي تستقبلها الموانئ العالمية يجعل من الصعب القيام بتفتيش شامل، وغالبا ما يتأخر فحص مياه التوازن في الأولويات. وتركز التفتيشات، بحسب المنظمة البحرية الدولية، على ثلاث مجالات: سلامة الأرواح في البحر، منع التلوث البحري من السفن، وتدريب الطاقم وشهاداته.

يقول غيوم دريي، مدير الخدمات البحرية العالمية في شركة SGS للتفتيش البحري: “مياه التوازن مجرد سجل واحد يمكن تفتيشه أو لا”. ومع ذلك، صممت هذا العام حملة خاصة في الموانئ تهدف إلى “تفتيش السفن والتأكد من التزامها بالاتفاقية”.

نظرة عامة على حركة النقل البحري التي تنتظر الدخول إلى ميناء برشلونة. إيرين بانيوس.

ورغم العقبات التشغيلية في سلطات الموانئ، هناك منصة ParisMou التي تجمع بيانات عمليات التفتيش في موانئ المتوسط. وتُسجل فيها الأعطال المرتبطة بأنظمة معالجة مياه التوازن، سواء كانت أعطالا تقنية أو إخفاقات في التشغيل أو الصيانة.

بين سبتمبر 2024 ويوليو 2025، سُجلت 58 حالة توقيف لسفن في موانئ المتوسط مرتبطة بهذه الأنظمة. نصف الحالات كانت بسبب أخطاء في سجلات إدارة مياه التوازن، 29% بسبب أعطال في الصيانة، و19% بسبب عدم إلمام الطاقم بالنظام. ورغم ذلك، وفي الفترة ذاتها، لم يسجل في إسبانيا سوى حالة توقيف واحدة مرتبطة بهذا النظام، لسفينة ترفع علم ليبيريا في ميناء كاربونيراس (ألميريا).

إيطاليا وعدم المصادقة على الاتفاقية

من بين الدول التي لم تصادق على الاتفاقية: إيطاليا. ويرى لوكا كاستريوتا، الباحث في المعهد الوطني الإيطالي لحماية البيئة والبحث (ISPRA)، أن هذا الغياب يترك السلطات “مكبلة الأيدي” في مواجهة الأنواع الغازية، مثل Rugulopteryx okamurae، التي ألحقت أضرارا بسواحل صقلية منذ عامين.

ويضيف دريي أن عدم مصادقة بلد ما يعني أن سلطاته المينائية “غير مخولة لتفتيش السفن القادمة إليه”. ومع ذلك، تظل السفن الإيطالية ملزمة بالاتفاقية عندما ترسو في موانئ الدول المصدقة، انسجاما مع مبدأ المنظمة البحرية الدولية “عدم منح معاملة تفضيلية” للدول غير الموقعة.

سفينة تفرغ مياه الصابورة في ميناء باليرمو، إيطاليا. إيرين بانيوس.

ويأمل كاستريوتا أن تصادق إيطاليا قريبا على الاتفاقية، لأنها، حسب قوله، “تفرض قيودا صارمة تحد من دخول الأنواع الغريبة”.

قضية الميكرونات

يقول خافيير مورينو، الباحث في جامعة قادس: “تنص القاعدة D-2 من اتفاقية المنظمة البحرية الدولية على التحكم في ثلاث بكتيريا بمياه التوازن، لأسباب صحية بالدرجة الأولى”. وبالتالي، تفرض الاتفاقية تعطيل الأنواع الغازية التي يزيد حجمها عن 10 ميكرونات.

لكن مراقبة الأنواع الغازية يتجاوز الجانب الصحي ليصبح أولوية بيئية. وفي هذا السياق، تظل الكائنات الأدق من 10 ميكرونات خارج الرقابة رغم خطورتها، لأنها الأكثر ضررا على النظم البحرية. ويوضح مورينو: “الجزء الأقل من 10 ميكرونات، وهو الأهم، لا يخضع لأي تحكم”.

يقوم خافيير مورينو بتحليل عينات مياه الصابورة في مختبر جامعة قادس. إيريني بانوس.

وقد بيّنت دراسات حديثة أن معظم إخفاقات أنظمة معالجة مياه التوازن ناتجة عن تراكيز عالية لكائنات أكبر من 50 ميكرون، فيما تظل البكتيريا والفيروسات وأبواغ الطحالب قادرة على البقاء والانتشار. إنه عالم ميكروسكوبي يرافق الأساطيل التجارية في كل طرقها البحرية، بما فيها المتوسط.

معاناة الصيادين

في هذه الأثناء، وبعيداً عن الاتفاقيات، يختتم صيادو طريفة خمس ساعات من عمل غير مدفوع الأجر: إزالة الطحلب الآسيوي من شباكهم وقواربهم. بعضهم يعيد رميه في البحر. دورة مفرغة تمثل – كما يقول سواريز – “نقطة تحول في الوضع الهش أصلاً للصيادين”.

إن إحباط الصيادين الصغار يتقاطع في مضيق جبل طارق مع مشهد البواخر التجارية العملاقة التي تحرك اقتصاد المنطقة المتوسطية. لكن الطرفين يتقاسمان أفقا مشتركا: ضرورة فرض رقابة فعالة على مياه التوازن لمنع وصول الغازي البحري القادم.

*إيريني باّنيوس صحفية متعددة الوسائط، متخصصة في قضايا البيئة وتغير المناخ.
*خوان دافيد إسكورثيا صحفي متعدد الوسائط ومبتكر للبودكاست، متخصص في قضايا البيئة والهجرة.

تم إعداد هذا المقال بدعم من مؤسسة Journalismfund Europe.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!