اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة: جسر وطني لحماية التنوع البيولوجي وتعزيز التنمية المستدامة

محمد التفراوتي1 يوليو 2025آخر تحديث :
اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة: جسر وطني لحماية التنوع البيولوجي وتعزيز التنمية المستدامة

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في ظل التحديات البيئية المتزايدة على الصعيدين الوطني والدولي، أصبحت حماية التنوع البيولوجي من الأولويات التي لا يمكن التهاون فيها. وفي هذا السياق، نظمت اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة ندوة وطنية هامة في الرباط، لتسليط الضوء على دورها الفاعل كشريك وطني ومحرك رئيسي في جهود الحفاظ على الطبيعة وتعزيز التنمية المستدامة. تأتي هذه الندوة لتعكس رؤية واضحة واستراتيجية شاملة تسعى إلى تعزيز الحوكمة البيئية وتفعيل الشراكات بين مختلف الفاعلين من جمعيات ومؤسسات حكومية وخبراء دوليين، بهدف بناء مستقبل مستدام يحافظ على الثروات الطبيعية للأجيال الحالية والمقبلة.

 في هذا الاطار نظمت اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة في الرباط ندوة وطنية تشاورية تحت شعار اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة فاعل وطني في خدمة التنوع البيولوجي. تأتي هذه الندوة ضمن أنشطة اللجنة السنوية وتهدف إلى التعريف بأهدافها وهيكلتها وخطة عملها، وتعزيز حضورها كشريك وطني في جهود حماية التنوع البيولوجي بما يتماشى مع السياسات العمومية والاستراتيجيات الدولية وخاصة اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي.

اشتمل برنامج الندوة على عرض عام حول الاتحاد الدولي لصون الطبيعة قدمه ممثل المكتب الإقليمي لمالقة، كما تم تقديم هيكلة اللجنة المغربية وآليات الحكامة التي تعتمدها، بالإضافة إلى استعراض الخطة الاستراتيجية وخطة العمل الوطنية. تم خلال الندوة تحليل نتائج الورشات الجهوية التي نظمتها اللجنة خلال الفترة الماضية، ومناقشة الخطة التواصلية الجديدة وآليات تعزيز حضور اللجنة ودورها الترافعي والإشعاعي على المستويين الوطني والدولي.

شهد الملتقى حلقة نقاش حول دور اللجنة المغربية في تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية لحماية التنوع البيولوجي بمشاركة ممثلين عن قطاعات حكومية معنية مثل الوكالة الوطنية للمياه والغابات وقطاع الصيد البحري والماء وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أتاح اللقاء تعزيز التنسيق بين مختلف الفاعلين الوطنيين والدوليين المعنيين بحماية التنوع البيولوجي وبلورة مقترحات لتطوير أداء اللجنة وتعزيز مساهمتها في التنمية المستدامة وتثمين التنوع البيولوجي كمورد حيوي ومحرك اقتصادي وبيئي واجتماعي.

شارك في اللقاء أعضاء اللجنة من جمعيات ومؤسسات وطنية وممثلو قطاعات حكومية وخبراء دوليون وممثلون لمنظمات الأمم المتحدة، إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة. قدمت الأستاذة حياة مصباح عرضا شاملا عن خطة العمل الاستراتيجية للجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة للفترة القادمة، موضحة السياق العام للخطة ومحاورها وأهدافها وآليات تنفيذها ومراحلها، مع التركيز على المؤشرات المرتقبة للتتبع والتقييم.

بدأت الأستاذة مصباح عرضها بالإشارة إلى أن اللجنة المغربية تعد منصة وطنية للتشاور في مجال حماية التنوع البيولوجي تضم عدة جمعيات بيئية إلى جانب ممثل عن الحكومة، وأن الخطة الاستراتيجية التي تم إعدادها تمتد لخمس سنوات بهدف توجيه العمل الجماعي للجنة بشكل فعال وواضح في الرؤية والوسائل والأهداف. وأكدت أن الخطة تأتي في ظل أزمة بيئية عالمية غير مسبوقة، حيث تشهد النظم الإيكولوجية تدهورا خطيرا مع تهديد آلاف الأنواع بالانقراض وفقدان مساحات واسعة من المواطن البرية والبحرية. على الصعيد الوطني، أوضحت أن المغرب يقع في المنطقة المتوسطية التي تعد من النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي، غير أن أغلب النظم البيئية الوطنية تواجه هشاشة بسبب الضغوط البشرية والتلوث وتغير المناخ.

أوضحت الرؤية التي تقود الخطة بأنها تهدف إلى حماية الطبيعة واستعادة النظم البيئية واستغلالها بشكل عادل لخدمة التنمية المستدامة ورفاه الأجيال الحالية والمستقبلية. وذكرت أن مهمة اللجنة هي التحول إلى فاعل وطني مرجعي في مجال حفظ التنوع البيولوجي عبر مشاريع عملية وشراكات فعالة تتماشى مع الالتزامات الوطنية والدولية. وحددت الخطة أهدافا استراتيجية تشمل تحسين الحوكمة الداخلية للجنة وتعزيز حفظ النظم البيئية والأنواع عبر مشاريع قائمة على الطبيعة، إلى جانب تعبئة الموارد المالية المستدامة وتطوير الكفاءات وتنفيذ حملات للتوعية والمناصرة.

أشارت الأستاذة إلى المخاطر المتعددة والمعقدة التي تهدد التنوع البيولوجي في المغرب مثل الاستغلال المفرط للموارد، وتدهور المواطن البيئية، والتلوث، وفقدان الغابات، وتأثيرات التغير المناخي كالجفاف والفيضانات، مشددة على أهمية اعتماد مقاربة مندمجة تستند إلى مبادئ الحلول المعتمدة على الطبيعة والاستثمار في القدرات المحلية والشراكات العلمية.

فصلت الأستاذة ستة محاور استراتيجية تشكل الهيكل العام للخطة تشمل الحوكمة من خلال إعادة هيكلة اللجنة وتطوير أدوات التواصل، والحفظ البيئي عبر تنفيذ تشخيصات بيئية ومشاريع نموذجية ودعم القوائم الحمراء للأنواع، وبناء القدرات عبر التكوينات والمنصات التعليمية وشراكات مع الجامعات ومراكز البحث، والتوعية والمناصرة من خلال تنظيم لقاءات وإعداد وثائق وتنفيذ حملات موجهة، والتعاون مع اللجان الأخرى ومكتب الاتحاد الدولي بمنطقة المتوسط والمشاركة في المبادرات الإقليمية، وأخيرا التمويل عبر بناء قاعدة بيانات للجهات المانحة والبحث عن تمويل مشترك واستكشاف آليات مبتكرة.

أوضحت الأستاذة أن آلية التنفيذ تعتمد على هيكلة واضحة ومتعددة المستويات تشمل المكتب التنفيذي الذي يشرف على تنزيل الخطة ويمثل اللجنة أمام الشركاء، واللجنة التقنية الاستشارية التي تقدم الدعم العلمي والتقني وتقيّم المشاريع، والجمعية العامة التي تسطر التوجهات الاستراتيجية وتلعب دورا رقابيا وتعبويا، والأمانة التقنية التي تنفذ وتتابع العمليات اليومية وتعد التقارير وتمثل اللجنة في المحافل التقنية.

تم تقسيم مراحل التنفيذ إلى ثلاث مراحل زمنية، تبدأ بالتركيز على بناء الهياكل وإطلاق المشاريع التجريبية وتعزيز الشراكات الأولية، ثم توسيع المشاريع وتحسين التنظيم الداخلي وتعميق الشراكات، وأخيرا التقييم الشامل وإعداد التقرير النهائي والتحضير لخطة استراتيجية جديدة لما بعد الفترة الحالية.

أكدت الأستاذة أن آليات التتبع والتقييم تشمل نظام متابعة دقيق يعرض المؤشرات بشكل رقمي، وتقارير دورية حول التقدم، ولجنة تقييم مختلطة تضم خبراء وأعضاء وشركاء، بالإضافة إلى تقييم نهائي على المستوى الوطني مع إعداد خطة جديدة تستند إلى النتائج المحققة.

اختتمت الأستاذة حيات مصباح عرضها بالتأكيد على أن الخطة ليست مجرد وثيقة توجيهية بل هي أداة تعبئة جماعية وبنية استراتيجية لتعزيز موقع اللجنة كفاعل وطني موثوق في مجال التنوع البيولوجي، مشددة على أن نجاح الخطة يعتمد على الإرادة الجماعية لأعضاء اللجنة ودعم الشركاء واستمرار تدفق الموارد، تمهيدا لمرحلة جديدة قائمة على الإنجازات والدروس المستفادة.

ومن جهتها استعرضت الأستاذة مريم زروق في سياق إعادة التموقع الاستراتيجي للجنة المغربية للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، سلسلة الورشات الجهوية المنظمة بين ديسمبر 2024 وأبريل 2025، شملت ست جهات مغربية: تطوان (بقيادة AMEDT)، أكادير (بقيادة RARBA)، مراكش (بقيادة AESVT)، الرباط (بقيادة ASMAPEC)، خنيفرة (بقيادة AMEPN)، والعيون (بقيادة RAK). هدفت هذه الورشات إلى إطلاق حوار مباشر مع الفاعلين المحليين، ورصد تطلعاتهم، وصياغة رؤية موحدة لحماية التنوع البيولوجي في المغرب.
سعت الورشات إلى تعريف المشاركين بالاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ومهامه، ومناقشة التحديات البيئية الخاصة بكل جهة، وحشد جهود الجمعيات والخبراء لدعم التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة، فضلاً عن صياغة توصيات قابلة للتطبيق على المستوى الوطني.
و طالبت الجهات بتعزيز الحوكمة البيئية عبر هياكل تنسيقية جهوية، وإشراك المجتمع في إدارة المناطق المحمية. كما أكدت على ضرورة ربط البحث العلمي بالتحديات البيئية، وإدراج التنوع البيولوجي في البرامج التعليمية الرسمية وغير الرسمية، مع تمكين الشباب كسفراء للطبيعة. وشملت التوصيات أيضاً تعزيز قدرات الجمعيات المحلية، ووضع خطط ترابية متعددة القطاعات، واعتماد حلول قائمة على الطبيعة لمواجهة التغير المناخي.

وأوضحت الأستاذة زروق أن الورشات أوصت بتفعيل القوانين البيئية وحماية المناطق الهشة، وتطوير سياحة إيكولوجية مستدامة، مع الإسراع في توسيع نطاق المناطق المحمية واشتراط دراسات الأثر البيئي للمشاريع الكبرى.
و سجلت الورشات مشاركة واسعة من ممثلي المؤسسات والجامعات والجمعيات والجماعات الترابية، مع تنامٍ ملحوظ في التفاعل عبر الجهات. كما عبرت جهات متعددة عن رغبتها في الانضمام للجنة المغربية للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، مؤكدة على دورها المحوري كمنصة تنسيقية لتعزيز حماية البيئة في المغرب.

وقالت الاستاذة زروق أن التوصيات الصادرة تمثل خارطة طريق لبناء حوكمة بيئية فاعلة، وضمان انسجام السياسات الوطنية مع الالتزامات البيئية الدولية، وإشراك مستدام لكافة الأطراف المعنية في صون التراث الطبيعي المغربي.

لقد مثلت هذه الندوة محطة نوعية لتوحيد الجهود الوطنية وتعزيز التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية بحماية التنوع البيولوجي بالمغرب. إذ تؤكد اللجنة المغربية للاتحاد الدولي لصون الطبيعة من خلال استراتيجياتها وخطط عملها على قدرتها على لعب دور محوري في استدامة النظم البيئية وتعزيز مساهمتها في التنمية المستدامة. وتظل هذه المبادرات مفتاحا لنجاح المغرب في مواجهة التحديات البيئية، بما يضمن الحفاظ على إرثه الطبيعي ويضعه في مصاف الدول الرائدة في مجال حماية البيئة والتنوع البيولوجي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!