وتعلن مشروعا استكشافيا في طاجيكستان
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
نيس، 8 يونيو 2025 – في خطوة تعد الأولى من نوعها في العالم، أعلنت مؤسسة ذاكرة الجليد (Ice Memory Foundation) عن إنشاء أول محمية دائمة لحفظ أرشيفات المناخ في القارة القطبية الجنوبية، إلى جانب إطلاق مشروع استكشافي علمي في طاجيكستان لاستخراج نوى جليدية عميقة تسجل تاريخ المناخ في آسيا الوسطى. جاء ذلك على هامش مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، المنعقد بمدينة نيس الفرنسية، بمناسبة إطلاق عقد الأمم المتحدة للعمل من أجل علوم الغلاف الجليدي (2025-2034)، المخصص لحماية الأنهار الجليدية والقطبين.
نقل تاريخ المناخ إلى أنتاركتيكا: بداية عهد جديد
أعلنت المؤسسة أن أول عملية نقل تاريخية لنوى جليدية جبلية ستنفذ في نوفمبر 2025، من جبال الألب الأوروبية إلى محطة كونكورديا في أنتاركتيكا، حيث تخزن في بيئة طبيعية تحت -50 درجة مئوية. وسيغادر الشحن العلمي أوروبا عبر ميناء ترييستي الإيطالي في أكتوبر، على متن سفينة البحوث الجليدية الإيطالية “RV Laura Bassi”، مرورا بنيوزيلندا، وصولا إلى محطة “ماريو زوتشيلي”، ثم نقلا جويا إلى “كونكورديا”، في واحدة من أعقد العمليات اللوجستية للحفاظ على التراث المناخي العالمي.
وقال “كارلو باربانتي”، أستاذ جامعة كا فوسكاري ونائب رئيس المؤسسة، “يمثل نقل نوى الجليد إلى أنتاركتيكا لحظة محورية، إذ يثبت جدوى المشروع وقدرته على حماية الأرشيف المناخي العالمي من الاندثار.”
هذا الأرشيف الجليدي، المُعتمد من نظام معاهدة أنتاركتيكا (ATCM46)، سيُخزن في كهف جليدي محفور خصيصًا، دون الحاجة إلى طاقة تبريد، ويمول من قبل مؤسسة الأمير ألبرت الثاني، الذي قال:
“لدينا اليوم مسؤولية تاريخية لتوريث هذا الإرث لأجيال المستقبل.”
جبال بامير تنضم إلى الأرشيف العالمي
وفي مبادرة ثانية ضمن العقد الأممي، تستعد المؤسسة لإطلاق رحلة استكشافية علمية في سبتمبر 2025 إلى جبال بامير في طاجيكستان، لاستخراج لبين جليديين من نهر “كون تشوكورباشي” الجليدي، على ارتفاع 5800 متر. ينفذ المشروع بقيادة جامعة “فريبورغ” السويسرية، وبمشاركة باحثين من سويسرا واليابان والولايات المتحدة وطاجيكستان.
وسيحلل أحد النويين ضمن مشروع PAMIR العلمي، بينما ترسل العينة الثانية إلى محمية ذاكرة الجليد في أنتاركتيكا، لتصبح أول سجل من نوعه من آسيا الوسطى يُدمج ضمن الأرشيف العالمي.
وقال الدكتور “إيفان مايلز”، قائد المشروع: “يحوي هذا الجليد على سجلات فيزيائية لآلاف السنين من تساقط الثلوج، والغبار، وتركيبة الهواء، ونحن نسابق الزمن لإنقاذها من ذوبان يهدد بإتلافها إلى الأبد.”
ويستند هذا الجهد إلى مشاريع سابقة مثل RECAP الذي شارك فيه باحثون أوروبيون، ويعد خطوة حاسمة لفهم تأثير تغير المناخ على تدفقات المياه في المنطقة وعلى “القطب الثالث” الذي يؤثر على مليارات البشر.
تراث علمي لأجيال المستقبل
يجسد مشروع ذاكرة الجليد، الذي أطلق قبل عقد من الزمن، تحالفا دوليا يضم جامعة “غرونوبل”، المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، معهد الأبحاث والتنمية، “كافوسكاري”، معهد “بول شيرر” السويسري، والمعهد الإيطالي لعلوم المحيطات OGS، بهدف حفظ أرشيف الجليد من الأنهار المهددة بالزوال نتيجة الاحتباس الحراري.
وقالت “آن كاثرين أولمان”، مديرة مؤسسة ذاكرة الجليد:
“بفضل هذا التراث، وتحت مظلة حوكمة دولية، سيتمكن العلماء من تحقيق اكتشافات مستقبلية تساعد في توجيه قرارات سياسية مستدامة للبشرية.”
ومن المتوقع أن تنضم خلال السنوات المقبلة عشرات من نوى الجليد الأخرى من مختلف القارات، لتخزن في محمية أنتاركتيكا، في خطوة تعد بمثابة تأمين علمي لمناخ كوكب الأرض ضد تقلبات المستقبل وتحدياته البيئية.