ترقية الاستثمار من أجل اقتصاد أزرق مستدام في أفريقيا

محمد التفراوتي3 يونيو 2025آخر تحديث :
ترقية الاستثمار من أجل اقتصاد أزرق مستدام في أفريقيا

آفاق بيئية: ماريسا درو

لندن ــ برغم أن الاقتصاد الأزرق العالمي (المحيطات والممرات المائية) يحمل 80% من التجارة العالمية، ويمتص 30% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويوفر الأمن الغذائي لما يقرب من ثلاثة مليارات إنسان، فإنه يعاني من نقص حاد في الاستثمار، وبشكل خاص في أفريقيا. وفي مواجهة التقلبات الاقتصادية المتزايدة الـحِـدّة والقيود المالية المتزايدة الإحكام، يمثل الانتقال إلى اقتصاد أزرق أكثر استدامة فرصة كبرى لا تحظى بالتقدير الكافي وينبغي للقارة أن تغتنمها.

هذه ليست مجرد فكرة مجردة. فنظرا لشهية المستثمرين للعائدات المستدامة القابلة للترقية والزيادة، تختبئ الفرصة على مرأى من الجميع، وقد بدأت الحكومات تنتبه إليها. يمتد الاقتصاد الأزرق في أفريقيا على طول أكثر من 30 ألف كيلومتر (18640 ميلا) من الشريط الساحلي، ويزاول الاقتصاد الأزرق في أفريقيا أعمالا بقيمة 300 مليار دولار أميركي سنويا، وهو في وضع فريد يسمح له بالاستفادة من التحول الأوسع نطاقا إلى نماذج أكثر استدامة. يتوقع الاتحاد الأفريقي أن يزداد حجم الاقتصاد الأزرق إلى 405 مليار دولار في عام 2030، وإلى 576 مليار دولار بحلول عام 2063. ومع توسع هذه القطاعات، من الممكن أن ترتفع مستويات التوظيف من 49 مليون وظيفة في عام 2019 إلى 78 مليون وظيفة بحلول عام 2063.

يساعد تسليط الضوء على القطاعات التي تتمتع بأعظم قدر من الإمكانات في وضع هذه الأرقام في سياقها الصحيح. لنتأمل هنا مسألة الغذاء، حيث من الممكن أن يساعد تطوير ممارسات تربية الأحياء المائية وصيد الأسماك المستدامة في تلبية الطلب المتزايد على البروتين في أفريقيا وخارجها. تشير حساباتنا إلى أن الإنتاج المستدام من الأسماك القائم على تربية الأحياء المائية من الممكن أن ينمو بمقدار ثمانية أضعاف في أفريقيا، ليصل إلى نحو 19 مليون طن متري سنويا بحلول عام 2050.

وقطاع الطاقة واعد بذات القدر. فوفقا لبحث أجراه البنك الدولي، بوسع جنوب أفريقيا أن تصل إلى إنتاج 900 جيجاوات من طاقة الرياح البحرية، وهذه ليست حالة فريدة من نوعها. ففي مجمل الأمر، من الممكن أن تعمل الرياح البحرية وحدها على تعزيز توليد الكهرباء في أفريقيا بمقدار 45 ضعفا.

يضطلع الاقتصاد الأزرق المستدام أيضا بدور مهم في التكيف مع المناخ. من المعروف أن منسوب مياه البحر حول معظم سواحل أفريقيا يرتفع بوتيرة أسرع من متوسط المستوى العالمي، ومن الممكن أن تعيننا استعادة البيئة البحرية والحفاظ عليها على بناء القدرة الطبيعية على الصمود وفي الوقت ذاته جلب الفوائد للأنظمة الغذائية، والتنوع البيولوجي، وقطاعات أخرى مثل السياحة.

ولكن لجعل الاقتصاد الأزرق مستداما حقا، تحتاج أفريقيا والشرق الأوسط إلى استثمارات سنوية بقيمة 70 مليار دولار تقريبا من الآن وحتى عام 2030. لتحقيق هذه الغاية، ينبغي للحكومات أن تستفيد من الآليات المالية المبتكرة لجلب مزيد من رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الأزرق والنهوض بالمشاريع المستدامة والقابلة للتطوير والترقية. ما يدعو إلى التفاؤل أن الطلب على مثل هذه الحلول أصبح في ازدياد، وقد أدرجت أكثر من 80% من البلدان الأفريقية بالفعل الاقتصاد الأزرق في خططها الإنمائية الوطنية أو استراتيجياتها المناخية.

وقد بدأ صُـناع القرار في كثير من الأسواق يتعاملون مع المحيطات كأصل استراتيجي يجب حمايته وإدارته بشكل مستدام. ولكن في حين تنطوي حلول مثل أدوات الدين الأزرق على إمكانات كبرى، فإن جهات إصدار عديدة لم تغتنم بعد الفرصة التي تتيحها سوق الديون المستدامة. إن زيادة استخدام السندات الزرقاء، والقروض المرتبطة بالاستدامة، والسندات الاجتماعية كفيلة بتوجيه رأس المال إلى حيث تشتد الحاجة إليه.

على نحو مماثل، تشكل تحويلات الديون من أجل الطبيعة ــ التي يشار إليها غالبا باسم “مقايضات الديون مقابل المناخ”، والتي بموجبها يُـخَـصَّص التمويل أو تخفيف الديون صراحة للمشاريع المستدامة ــ خيارات جذابة لجهات الإصدار السيادية، اعتمادا على خصائصها المالية. ومثل هذه المعاملات كفيلة بتقليل مدفوعات خدمة الدين وتحرير رأس المال لدعم أهداف الاستدامة في أي بلد.

على سبيل المثال، في العام الماضي، عقد بنك Standard Chartered (حيث أشغل منصب رئيس قسم الاستدامة) شراكة مع حكومة جزر البهاما، ومنظمة الحفاظ على الطبيعة، وبنك التنمية للبلدان الأميركية لإطلاق مشروع خَـلّاق لتحويل الديون من أجل الطبيعة والمناخ. من المتوقع أن يدر هذا المشروع 124 مليون دولار أميركي للمحافظة على البيئة البحرية، وهذا يدل على أن هذه الفئة من الأصول تتطور بسرعة ــ مع إمكانية كبيرة للترقية والتوسع.

علاوة على ذلك، تحظى الجهود المبذولة لتطوير استراتيجيات وممارسات الاقتصاد الأزرق المستدام بدعم متزايد من خلال الإصلاحات التنظيمية، وبرامج التخطيط المكاني البحري، ونماذج التعاون الإقليمي مثل مبادرة الجدار الأزرق العظيم التي يرعاها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. تُـرسي هذه النماذج الأساس لموجة من المشاريع القابلة للاستثمار المدعومة بأصول حقيقية، وملكية محلية، وعائدات قابلة للقياس.

سوف يستمر الزخم في التراكم هذا العام. في شهر يونيو/حزيران، سيتيح منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل ومؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات الفرص لجلب المشاريع القابلة للتمويل إلى المستثمرين العالميين وتسريع نمو الاقتصاد الأزرق المستدام في أفريقيا. وسوف يتسنى لنا التحكم في المخاطر ــ التي تتراوح من الاختناقات التنظيمية إلى عدم كفاية القدرة على تطوير المشاريع ــ من خلال الشراكات الصحيحة.

لم يعد جعل الاقتصاد الأزرق في أفريقيا ممارسة مستدامة فكرة غير مجربة. إذ تُـظـهِـر أحدث أبحاثنا بعنوان “تسخير الاقتصاد الأزرق في أفريقيا” أن الاقتصاد الأزرق سوق متنامية قابلة للاستثمار ــ سوق لا تملك البنوك، ومديرو الأصول، والحكومات تَـرَف تجاهلها.

ترجمة: إبراهيم محمد علي

ماريسا درو كبيرة مسؤولي الاستدامة في بنك Standard Chartered.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

error: Content is protected !!