تصاعد الجدل حول استغلال معادن أعماق البحار وسط اعتراضات دولية

محمد التفراوتي30 مارس 2025آخر تحديث :
تصاعد الجدل حول استغلال معادن أعماق البحار وسط اعتراضات دولية

آفاق بيئية : محمد التفراوتي

اختتم مجلس السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) اجتماعه في كينغستون، جامايكا، وسط تصاعد المعارضة العالمية لخطط التعدين في أعماق البحار. وشهد الاجتماع نقاشات مكثفة بين الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية والعلماء والممثلين عن الشعوب الأصلية، الذين عبروا عن مخاوفهم من التأثيرات البيئية الكارثية لهذه الصناعة الناشئة.

رفض عالمي لمحاولات الإسراع باستغلال المعادن

واجهت شركة The Metals Company (TMC) انتقادات واسعة بعد إعلانها عن نيتها التقدم بطلب للحصول على ترخيص تعدين في قاع البحار بحلول الربع الثاني من عام 2025، إما عبر القانون الأمريكي للموارد المعدنية الصلبة في أعماق البحار أو من خلال السلطة الدولية لقاع البحار.

حاولت حكومة “ناورو” دعم الشركة للحصول على الترخيص في ظل عدم وجود إطار قانوني واضح ينظم هذه الصناعة. إلا أن غالبية الدول الأعضاء رفضت أي محاولات للتسرع في منح التراخيص، مشددة على ضرورة وضع قواعد تنظيمية تحمي النظم البيئية البحرية قبل السماح بأي أنشطة استغلال المعادن.

في يوليو 2023، قررت الدول الأعضاء في ISA أنه لا يمكن الموافقة على أي تراخيص تعدين تجارية في أعماق البحار دون وضع لوائح تنظيمية مناسبة، وهو ما أكد عليه المجلس مجددا في اجتماعه الأخير.

 

وعبرت الأمينة العامة، “ليتيثيا كارفاليو”، في بيانها أمام مجلس الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA)،عن قلقها العميق إزاء إعلان شركة The Metals Company (TMC)  عن بدء إجراءات للحصول على تصاريح تعدين بموجب القانون الأمريكي للموارد المعدنية الصلبة في أعماق البحار لعام 1980.

وأكدت كارفاليو أن الهيئة الدولية لقاع البحار تظل الجهة الوحيدة المخولة بتنظيم الأنشطة في المنطقة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وأن أي إجراءات أحادية الجانب تعد انتهاكا للقانون الدولي وتقويضا للنظام المتعدد الأطراف لحوكمة المحيطات.

وشددت على أن مبدأ “التراث المشترك للبشرية” هو حجر الأساس لحوكمة المحيطات ويحظى بدعم دولي واسع، مشيرة إلى أن جميع أنشطة الاستكشاف والاستغلال يجب أن تتم تحت إشراف الهيئة لضمان المصلحة العامة للبشرية.

كما أثنت على جهود الدول الأعضاء في مفاوضات وضع اللوائح المنظمة لاستغلال المعادن في أعماق البحار، مؤكدة التزام الأمانة العامة بدعم هذه الجهود وتقديم المساعدة القانونية والفنية للمجلس خلال المراحل المقبلة. واختتمت كلمتها بتجديد التزامها بسيادة القانون والتعاون الدولي لضمان إدارة مستدامة لموارد قاع البحار.

مخاطر بيئية جسيمة

حذرت منظمات المجتمع المدني والعلماء من العواقب البيئية الخطيرة للتعدين في أعماق البحار، والتي تشمل تدمير النظم البيئية الهشة، إذ تعتمد العديد من الكائنات البحرية الفريدة على قاع البحر، وأي اضطراب يمكن أن يؤدي إلى انقراض أنواع لم يتم اكتشافها بعد.

تلوث المياه العميقة: بسبب الغبار المعدني والمخلفات التي قد تنتشر في عمود الماء، مما قد يؤثر على السلسلة الغذائية البحرية. ويلعب قاع المحيط دورا في تخزين الكربون، وأي أنشطة لاستغلال المعادن قد تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المحتجز. مما يشكل اضطراب التوازن المناخي.

دعوات لفرض حظر عالمي (Moratorium)

دعت العديد من الدول والمنظمات البيئية إلى فرض وقف مؤقت عالمي (Moratorium) على استغلال المعادن في أعماق البحار إلى حين إجراء أبحاث علمية كافية ووضع سياسات بيئية صارمة.

في هذا السياق، صرح “ماثيو جياني”، المؤسس المشارك لتحالف حماية أعماق البحار (DSCC)، قائلاً:
“نحن في لحظة حاسمة، حيث يجب على الحكومات أن تختار بين حماية محيطاتنا للأجيال القادمة أو السماح بمخاطر غير محسوبة قد تؤدي إلى أضرار لا رجعة فيها.”

كما أشار مستشارون قانونيون إلى أن فرض الوقف المؤقت هو الطريقة الوحيدة لمنع الشركات من استغلال الثغرات القانونية وبدء عمليات استخراج غير منظمة.

تحركات مستقبلية

تستمر النقاشات داخل السلطة الدولية لقاع البحار (ISA) لوضع إطار تنظيمي شامل يمنع التأثيرات السلبية على البيئة البحرية. و تواصل الحكومات والمنظمات البيئية حملاتها لزيادة الضغط الدولي لمنع منح أي تراخيص قبل ضمان حماية كافية للمحيطات.

يجري العلماء مزيدا من الأبحاث حول آثار استغلال المعادن في أعماق البحار، والتي قد تؤدي إلى تبني سياسات أكثر صرامة في المستقبل.

يعكس هذا الاجتماع تنامي الوعي العالمي بالمخاطر البيئية المحتملة للتعدين في أعماق البحار، مع تصاعد الضغوط لوقفه حتى يتم ضمان عدم تهديد النظم البيئية البحرية. وبينما تحاول بعض الشركات الدفع باتجاه استخراج المعادن، فإن المقاومة العالمية تتزايد لحماية محيطات الأرض باعتبارها إرثا مشتركا للبشرية.

يشار أن منظمة الحفاظ على أعماق البحار (DSCC) تأسست في عام 2004 استجابة للمخاوف الدولية بشأن التأثيرات الضارة لصيد الأسماك في قاع البحار العميقة.

و تعمل أكثر من 130 منظمة غير حكومية وجمعيات الصيادين ومعهد للقانون والسياسة في جميع أنحاء العالم معًا تحت مظلة لجنة تنسيق بحار أعماق البحار لضمان حماية النظم البيئية الهشة في أعماق البحر.

وقالت  السيدة فرح عبيد الله، ناشطة في مجال حماية المحيطات ومؤسسة (المحيط ونحن)،  في نصريح لها أن ” البحار العالية تغطي نصف كوكبنا ولا تنتمي إلى دولة واحدة، مما يجعلها عرضة للاستغلال. إنها تراثنا المشترك، وصحتها ضرورية لصحتنا. أولئك الذين يتسابقون لبدء استغلال المعادن في أعماق البحار يرون الاضطرابات الجيوسياسية الحالية فرصة لفتح محيطنا العالمي أمام هذه الصناعة المتهورة—مما يهدد بتقويض النظام القائم على القواعد والتعددية. السماح لدولة واحدة باستخراج الموارد من البحار العالية سيؤدي إلى سباق نحو الهاوية. مع تزايد المخاطر على السلام والاستقرار العالمي، يجب على قادة العالم أن يتحدوا الآن أكثر من أي وقت مضى لضمان فرض حظر على تعدين أعماق البحار.”
موقع الدول الأفريقية في المناقشات حول استغلال الموارد البحرية
Angeles Estrada Vigil/IISD/ENB © الصور

يبدو أن الدول الأفريقية، على الرغم من سواحلها الشاسعة والاهتمام المتزايد بالاقتصاد الأزرق، غير ممثلة بشكل قوي في هذا النقاش. وهذا يعكس مشكلة موقف البلدان النامية، وخاصة الأفريقية منها، في صنع القرارات البيئية والاقتصادية الحاسمة، في حين أن نظمها الإيكولوجية واقتصاداتها تتأثر مباشرة. ونعلم أن 33 دولة أوروبية، بينها فرنسا وألمانيا، ثم كندا وبعض دول أمريكا اللاتينية، قد دعت إلى فرض حظر مؤقت أو وقف للتعدين في أعماق البحار. لكن غياب تمثيل أفريقي قوي يطرح تساؤلات حول هذا الاستبعاد من الدعوة إلى “الموراتوريوم”.

ويذكر أيضا أن الدول الأفريقية، رغم تنظيمها في هيئات إقليمية ودولية مختلفة، تواجه صعوبة في توحيد صوتها حول هذه القضايا. ويقلل هذا الضعف في التنسيق من نفوذها في المفاوضات ويعيق الأخذ بمصالحها بشكل فعّال. فالقارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية وتمتلك سواحل شاسعة، لكن تأثيرها في القرارات المتعلقة بإدارة المحيطات يبقى محدودا. و تبقى مسألة الغياب مطروحة: هل يعود ذلك إلى عدم اهتمام الدول الأفريقية بالموضوع، أم إلى نقص الإمكانيات الدبلوماسية أو تراجع نفوذها أمام القوى الاقتصادية الكبرى؟ على أي حال، هذا يسلط الضوء على الحاجة الملحة لأفريقيا لتعزيز تنسيقها الإقليمي وتأكيد موقفها في إدارة الموارد البحرية الدولية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!