هل يجب علينا أن نجازف بتدمير المحيط لإنقاذ الكوكب؟

محمد التفراوتي29 ديسمبر 2020آخر تحديث :
هل يجب علينا أن نجازف بتدمير المحيط لإنقاذ الكوكب؟

آفاق بيئية :  سابين كريستيانسن* – سيباستيان أونغر*

 يُـفضي تزايد عدد سكان العالم ومستويات معيشة الأقلية المتميزة السريعة الارتفاع إلى دفع استهلاك الموارد وإنتاج النفايات بمعدلات تتطلب ما يعادل قدرة الأرض 1.7 مرة ويؤدي إلى مستويات مثيرة للقلق الشديد من الانحباس الحراري الكوكبي. ويعاني المحيط على نحو متزايد من العواقب ــ ليس فقط تبييض الشعاب المرجانية الاستوائية المعروف على نطاق واسع، بل وأيضا مخاطر أقل وضوحا تتمثل في تَـحَـمُّـض مياه المحيطات والتناقضات الزمنية والمكانية في أنماط الإنتاجية بسبب القدرة على التكيف وفقا لكل نوع على حِدة.

Les coraux Acropora et Pocillopara en phase de blanchissement. Ces coraux soumis à un stress thermique expulse l’algue symbiotique qui leur donne leur énergie, nourriture et couleurs. Alors seul le squelette blanc reste apparent. Si la période de stress thermique est trop longue, le corail n’aura pas la capacité de récupérer et mourra. A l’inverse si la période ne dure pas, il retrouvera ses algues symbiotiques et reprendra ses couleurs d’origines.

 

وعلى هذا فإن الأرض، وخاصة المحيطات، تقترب من نقطة تحول لا سبيل بعدها إلى إصلاح التدهور. هذه ستكون مأساة، وستكون أهم علاماتها عجز المحيطات على نحو متزايد عن تزويدنا وأجيال المستقبل بالضروريات مثل الغذاء الصحي، ودورة الكربون، وتجديد المغذيات، والتخفيف من حدة الانحباس الحراري الكوكبي.

كما تشير دراسات وتقييمات حديثة، فإن العالم لا يزال قادرا على تغيير المسار في مواجهة التهديد، إذا نجحنا في تخفيف الضغوط الرئيسية ــ بما في ذلك تغير المناخ ــ واستعادة النظم البيئية البحرية. لكن الأمر لا يخلو من خطر جديد يلوح في الأفق: التعدين التجاري في قيعان البحار العميقة للحصول على المعادن المطلوبة.

يتلخص السرد الغالب في الصناعة اليوم في أن العالم يحتاج إلى معادن البحار العميقة ــ بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة، والكوبالت، والمنجنيز، والتيلوريوم ــ لتمكين التحول إلى الطاقة المتجددة وإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي. لكن تحليلات اقتصادية حديثة تشير إلى أن التعدين على اليابسة والانتقال نحو اقتصاد تدويري كفيل بسد الفجوات المحتملة في المعروض من المعادن، بل تشير أيضا إلى أن الفائض من إنتاج المعادن، مثل تلك المستخرجة من أعماق البحار، ربما يدفع الأسعار إلى الانهيار. من سيستفيد إذن من التعدين في قيعان البحار؟

من المحتمل أن يؤثر التعدين لاستخراج الركائز الغنية بالمعادن على البحار العميقة البكر إلى حد كبير عند أعماق تصل إلى 2000 أو 4000 متر في بعض المياه الوطنية، فضلا عن قيعان البحار الدولية، المعروفة قانونا باسم “المنطقة”. أعلنت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار لعام 1982 أن “المنطقة” ومواردها المعدنية “إرث مشترك للبشرية”، وأنشأت السلطة الدولية لقاع البحار ــ وهي هيئة تتخذ من جامايكا مقرا لها وتضم حاليا 168 عضوا ــ لإدارتها.

منذ تأسست في عام 1994، وقعت السلطة الدولية لقاع البحار 30 عقدا للتنقيب عن المعادن مع 21 كيانا ــ برعاية 16 دولة واتحاد شركات واحد. وفي السنوات الأخيرة، ازدادت الضغوط من جانب الصناعة لبدء الاستغلال التجاري.

برغم أن نفاذ الصبر على هذا النحو ربما يكون مفهوما، فإن الرواسب المعدنية في قاع البحار توجد عادة داخل أنظمة بيئية شديدة التحديد والحساسية. تحتوي المواقع الأقدم والأكثر استقرارا من الناحية البيئية على رواسب أكثر تركيزا مما يجعلها تجتذب قدرا أكبر من الاهتمام من جانب صناعة التعدين، لكن الأنظمة البيئية المرتبطة بها أكثر تخصصا وتنوعا.

أحدثت أبحاث حديثة ثورة في نظرتنا إلى أعماق البحار وكشفت عن قدر غير عادي من التنوع في الموائل الصغيرة، وأشكال الحياة، والاستراتيجيات. لكننا لم نكتشف بعد معظم أسرار هذه الأنظمة البيئية، ولا يزال فهمنا لتعقيدها وعلاقاتها الوظيفية في المهد.

علاوة على ذلك، تشير تجارب علمية إلى أن الموائل المتأثرة بالتعدين التجاري في قاع البحار العميقة لن تتعافى حتى بعد ثلاثين عاما وستظل معطلة وظيفيا، مع خسارة حتمية للتنوع البيولوجي على نطاق غير معلوم. على سبيل المثال، كل عملية للتنقيب عن عُـقَـيدات المنجنيز تحرث الطبقة العلوية من قاع البحر القابل للتعدين بعمق 10 إلى 20 سنتيمترا لمساحة تمتد من 200 إلى 800 كيلومتر مربع كل عام لمدة ثلاثين عاما، مما يتسبب في إحداث اضطرابات كبرى تغطي ما لا يقل عن ثلاثة أمثال مساحة التعدين في قاع البحر. ولا يؤدي هذا التجريف إلى إزالة سبل عيش الحيوانات البحرية المحلية وحسب، بل يتسبب أيضا في تلويث وتعتيم كميات غير معلومة من المياه الأكثر نقاء على كوكب الأرض.

كان المقصود من مبدأ التراث المشترك الذي نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار المساعدة في الحفاظ على العدالة الاجتماعية من أجل جيل اليوم وأجيال المستقبل من خلال العدالة، وإعادة التوزيع، ونقل المعرفة. ولكن لكي يكون التعدين في قاع البحار العميقة مجديا من الناحية التجارية، يحتاج المشغلون إلى الحصول على شروط تعاقدية مواتية طويلة الأجل من السلطة الدولية لقاع البحار، بما في ذلك تقاسم المنافع بقدر محدود وضوابط تنظيمية محدودة للغاية. مكمن الخطر هنا هو أن الصناعة الناشئة حديثا ستعمل وفقا لعقود تمتد ثلاثين عاما (على الأقل)، بمجرد وضع الإطار القانوني، استنادا إلى مجرد افتراضات بشأن التأثيرات البيئية المترتبة على استخدام تكنولوجيات غير مختبرة.

لا تزال أي فوائد أخرى قد تعود على البشرية من إرثنا المشترك في قاع البحار غير مؤكدة. لكن محاولة حل المشكلات التي خلقها البشر على الأرض من خلال توسيع بصمتنا على الكوكب وتجاهل حدوده لا يبدو استراتيجية صالحة قابلة للتطبيق.

ما يدعو إلى التفاؤل أن مسارات بديلة للتنمية متوفرة ومتاحة بالفعل. قبل خمس سنوات، تبنت الحكومات أجندة 2030 للتنمية المستدامة (التي رفعت شعار “تحويل عالمنا”) وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، بهدف توجيه البشرية نحو مستقبل قائم على بيئات طبيعية سليمة، ومجتمعات مزدهرة ومسالمة، والعمل الناجح في الحد من تغير المناخ. تأتي جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) لتذكرنا على نحو درامي بأن الطريقة التي نتفاعل بها مع محيطنا الحيوي يجعل مجتمعاتنا أقل مرونة وقدرة على الصمود. لكن العالم لا زال يناضل لقلب اتجاه خسارة التنوع البيولوجي المتسارعة وتدهور المحيطات.

إن الحفاظ على إرثنا المشترك في أعماق البحار يعني تحمل المسؤولية عن المستقبل، والاستجابة بحذر للتغيرات المستمرة التي يحيط بها عدم اليقين مثل التأثيرات التي يخلفها الانحباس الحراري الكوكبي على المحيطات، وتجنب تكرار أخطاء الماضي. ويجب أن تكون هذه الرؤية المتطلعة إلى المستقبل، والتي تبني على فلسفة المشاعات والمنافع العامة، في صميم المفاوضات التي تدور حاليا حول الإطار القانوني لاستغلال المعادن في “المنطقة”. وبدلا من الاندفاع إلى تعدين قاع البحار، يتعين علينا أن نتوقف بعض الوقت إلى أن نصبح قادرين على حماية التنوع البيولوجي في أعالي البحار وإثبات أن استغلال ما يكمن تحتها من الممكن أن يؤدي إلى فوائد صافية طويلة الأجل للتنمية.

* سابين كريستيانسن :  عالمة أحياء بحرية ، زميلة أبحاث أولى في معهد دراسات الاستدامة المتقدمة (IASS) في بوتسدام ، حيث تترأس مجموعة عمل متعددة التخصصات حول الإدارة القانونية والمالية والبيئية للتعدين في قاع البحار العميقة.

*سيباستيان أونغر : يرأس مجموعة عمل إدارة المحيطات في معهد دراسات الاستدامة المتقدمة (IASS) في بوتسدام.

  بروجيكت سنديكيت – ترجمة: إبراهيم محمد علي  

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!