مع تصاعد الضغط في بعض الأوساط للعودة إلى “الوضع الطبيعي” ، لا يمكن أن يكون هناك تأخير في التخطيط لمستقبل ما بعد الوباء. ما لم تلتزم الشركات الرائدة في العالم بإعادة البناء على أساس جديد تمامًا ، فإن أزمة عالمية أخرى ستكون حتمية.
آفاق بيئية : برتراند بيكارد
لم تقترب أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) من نهايتها بعد. ولكن حتى مع استمرار الناس في نقل عدوى فيروس كورونا وتزايد حصيلة الموتى بلا هوادة، بدأت الضغوط المطالبة بالعودة إلى الوضع الطبيعي تتصاعد بالفعل في بعض الجهات.
السؤال المباشر هنا هو ماذا يعني حتى وصف “الطبيعي”. لقد بُـني الاقتصاد العالمي على أساس هش، وغير مستدام، وغير متكافئ، ولا يمكن وصفه بأنه طبيعي. فها هو ذا النظام السياسي الإيكولوجي الاجتماعي الاقتصادي الضعيف الهش، الذي كان مهددا بالفعل من جراء تغير المناخ، يسقط الآن بفِـعل عدو مجهري. فهل هذا هو حقا المجتمع الذي نريد أن نراه يخرج من رحم هذه الأزمة؟
تخيل بدلا من ذلك أن أزمة كوفيد-19 تمهد الطريق إلى عالَم جديد. كيف قد يبدو ذلك العالَم؟ الواقع أن التعليقات والتحليلات التي تقترح ماذا يجب أن يأتي لاحقا منتشرة بوفرة في كل مكان. لكن الدعوة إلى التغيير ببساطة لن تجعله يحدث. هذا هو ما دفع مؤسسة Solar Impulse وشركاءها إلى التعهد بتنفيذ حلول ملموسة بأنفسنا.
في مجملهم، يمثل شركاء المؤسسة أكثر من مليون وظيفة حول العالم، بالإضافة إلى حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي. نحن ننتج كل شيء من معدات الرعاية الصحية الحرجة إلى السلع الأساسية والفاخرة والترفيهية والمواد الخام. ونحن ندير منتجات مالية، ونشيد مشاريع البنية الأساسية الجديدة، ونوفر الطاقة النظيفة. كما تساعد الأنشطة التي نقوم بها الناس على إطعام وإلباس أنفسهم وأسرهم، وتدفئة أنفسهم، والسفر، والسعي وراء الحياة التي يريدون أن يعيشوها.
بصفتنا قوى اقتصادية وصناعية رئيسية، ندرك تمام الإدراك دورنا في المجتمع، وسوف نبذل كل ما في وسعنا لبناء عالَم أفضل بعد الجائحة ــ أنظف، وأكثر عدالة واستدامة وكفاءة واحتراما للتنوع البيولوجي والمناخ. ورغم أن أزمة كوفيد-19 تضربنا بقسوة كما تضرب الجميع غيرنا، فإننا نظل على التزامنا بتلبية أهداف خفض الانبعاثات الغازية الضارة وإنشاء اقتصاد دائري، من خلال الترويج للأغذية المستدامة الميسورة، والطاقات المتجددة، ومنتجات التجارة العادلة.
ونحن نعتزم القيام بذلك بالاستعانة بالتكنولوجيات النظيفة التي كانت مؤسسة Solar Impulse تدعمها لسنوات عديدة الآن من خلال برنامجها تحدي الألف حل. وبصرف النظر عن القطاع الذي يعمل فيه أي منا ــ من المياه والطاقة والبنية الأساسية إلى النقل والتصنيع والزراعة ــ فإن الإبداعات والابتكارات تنشأ لضمان الاستدامة.
لا يقتصر التزامنا على كوكب الأرض وحسب، بل يمتد أيضا إلى الاقتصاد. لقد أصبحت تكنولوجيات اليوم النظيفة مفيدة للأعمال على نحو متزايد. فهي تزودنا بالطاقة المتجددة الأقل تكلفة فضلا عن عمليات صناعية أكثر كفاءة. وهي تقلل من النفايات والتلوث، وتعمل على تبسيط عمليات إعادة التدوير. وباعتبارها أصولا نظيفة ومُـربِحة، فإنها تشكل محركا رئيسيا لنمو اقتصادي نوعي، وليس كميا وحسب.
باستخدام التكنولوجيات النظيفة، نستطيع أن ننشئ نظاما اقتصاديا جديدا بالكامل حيث يتحسن الاستهلاك حتى برغم أننا نستهلك أقل. لم يعد من الممكن الآن تأليب مصالح أنصار البيئة ضد مصالح القوى الصناعية الرئيسية. بدلا من ذلك، ينبغي لنا أن نركز جميعا على ذات الأهداف: خلق وظائف جيدة، دعم الرفاهة الاجتماعية، وتحسين نوعية الحياة على هذا الكوكب.
في حالة أزمة كوفيد-19، رَحَّـبَ بعض المعلقين بوقف الأنشطة البشرية، لأن إيقافها ساعد في تقليل التلوث والانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. لكن هذا ليس سببا للاحتفال. فسوف يعاني الملايين طوال فترة الانكماش الاقتصادي. ويوضح الوضع الحالي على وجه الدقة مدى الهشاشة التي أصبح عليها النموذج الاقتصادي السائد، وهذا يزيد من شدة الحاجة الملحة المتمثلة في ضرورة إنشاء نظام حيث تسير المصالح الاقتصادية جنبا إلى جنب مع مصالح كوكب الأرض.
بدأت بعض الشركات بالفعل في استخدام التكنولوجيات اللازمة لتحقيق هذه الغاية. لكن تبني هذه التكنولوجيات يجب أن يكون أوسع انتشارا، حتى تصبح التكنولوجيا النظيفة الوضع الطبيعي الجديد الذي ينبغي لنا أن نعود إليه عندما ينقضي تهديد الجائحة.
لتحقيق هذه الغاية، نوجه الدعوة إلى جميع الحكومات لتنفيذ سياسات بيئية طموحة، وتقديم استراتيجيات واضحة وأهداف محددة مفصلة لكل القطاعات والتي من شأنها أن تدفع الاستثمارات اللازمة. علاوة على ذلك، نريد أن تتجنب جميع الأطر القانونية أو التشريعية تشويه المنافسة بين قوى السوق التي تشكل جزءا من الحل وغيرها من القوى التي تستمر في التصرف كما لو كنا لا نواجه أي أزمة بيئية على الإطلاق.
على الرغم من كونها مأساة رهيبة، فإن الجائحة من الممكن أن تخدم كفرصة لإعادة البناء على أساس جديد وأكثر استدامة. وتلتزم مؤسسة Solar Impulse وشركاؤها بالقيام بهذا على وجه التحديد، ونحن نحث الحكومات وبقية مجتمع الأعمال على الانضمام إلينا.
شارك في كتابة هذا التعليق شركاء مؤسسة Solar Impulse Foundation التالين: برنار آرنو رئيس مجلس إدارة شركة LVMH ورئيسها التنفيذي؛ بيير إتيان بيندشلر، الرئيس التنفيذي لشركة SOPREMA؛ جان لوران بونافي، مدير بنك BNP Paribas ورئيسه التنفيذي؛ جان بيير كلامادو، رئيس مجلس إدارة شركة ENGIE؛ إلهام قدري، الرئيسة التنفيذية لشركة Solvay ورئيسة لجنتها التنفيذية؛ جورج كيرن، الرئيس التنفيذي لشركة Breitling؛ فلوران مينيجو، الرئيس التنفيذي لشركة Michelin ورئيس حركة Movin’On؛ برنار بوتييه، رئيس مجلس إدارة شركة Air Liquide ورئيسها التنفيذي؛ آن ريجيل، الرئيسة التنفيذية لشركة Air France؛ مارك شنايدر، الرئيس التنفيذي لشركة Nestlé؛ ماركوس ستيليمان، الرئيس التنفيذي لشركة Covestro؛ جان باسكال تريكوار، رئيس مجلس إدارة شركة Schneider Electric ورئيسها التنفيذي.
برتراند بيكارد رئيس مجلس الإدارة مؤسسة مؤسسة ” سولار إمبلوس” ((The Solar Impulse Foundation
بروجيكت سنديكيت – ترجمة: إبراهيم محمد علي