تجمع أسبوعي في وسط بيروت حيث يلتقي مزارعو الأرياف بمستهلكي المدن المتشوقين إلى منتجات عضوية وتقليدية
نداء هلال
تعنى أسواق المزارعين بخلق صلة بين المنتجين والمستهلكين، بحيث لا يكون الغذاء مجرد سلعة وضعت على رف السوبرماركت، بل منتج صنعته جهود بشرية ومعرفة تقليدية متراكمة عبر الأجيال. «سوق الطيِّب» سوق أسبوعية للمزارعين اللبنانيين في الهواء الطلق، تنظم كل يوم سبت في وسط العاصمة بيروت، ويبيع فيها منتجون من أنحاء البلاد أغذية عضوية وتقليدية طازجة.
لا يوجد في سوق الطيب مجرد رغيف خبز، بل خبز ريما وخس خالد وكبة سوزان، ما يعيد محتوى رئيسياً إلى الغذاء هو بعده الإنساني والثقافي. يصبح للغذاء وجه، وللاستهلاك ارتباط بالإنتاج. ينال المزارعون والمنتجون التقدير، كما ينالون عائداً عادلاً لعملهم، ويتاح للمستهلكين بناء علاقات مع مزارعيهم. ويقدَّم للمستهلك، كمتذوق واع للطعام، غذاء ذو بعد تقليدي إضافي (ليس أي نوع من الجبنة، بل ظرفية أو سردالة)، وبعد مناطقي (ليس أي نوع من الزيتون، بل زيتون حاصبيا أو عكار). بالنسبة إلى كثيرين من سكان المدينة، تسترجع تجربتهم في السوق علاقتهم مع الأرض كمصدر للغذاء. وتساهم «سوق الطيب»، عبر ربط المنتج بالمستهلك، في تغيير صورة المزارع، المنبوذ تقريباً كفلاح، مذكّرة سكان المدينة بوجوب تقديره واحترامه.
لم تعد سـوق المزارعـين مجرد مكان تقليدي للبيع والشراء، بل أصبحت مكاناً لالتقاء الريفي بالمديني، ولتوفير فرص اقتصادية لصغار المزارعين والمنتجين، وللتوعية بالغذاء الصحي والعيش الصحي. باختصار، إنها مساحة عامة للتفاعل والتعلم حول التغذية الصحية والممارسات الزراعية المستدامة، من الزراعة العضوية إلى الإدارة المتكاملة للآفات.
«سوق الطيّب»، التي تأسست عام 2004، هي سوق للمنتجين فقط، يبيعون فيها منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين من دون وسطاء أو وساطات. هي حدث ليوم واحد: تُنصب الخيم في الصباح، ويصل المنتجون بشاحنات مليئة بإنتاجهم لبيعها خلال اليوم قبل عودتهم إلى مزارعهم. وهي تنظم أسبوعياً منذ العام 2004 بلا انقطاع.
ازداد عدد المشاركين في سوق الطيب من 10 مزارعين عام 2004 إلى 60 مزارعـاً عام 2011. وتتراوح عائدات كل مزارع بين 300 و1000 دولار أو أكثر يومياً. ويقدم المنتجون أربعة أصناف من المنتجات: الفواكه والخضر الطازجة، والأغذية المحفوظة أو «المونة»، والأغذية المطبوخة، والمنتجات الحِرفية مثل السلال والحليّ. ثلث البائعين في السوق هم مزارعون عضويون مرخص لهم ويحملون شهادات رسمية من منظمات، مثل شهادة المؤسسة المتوسطية للترخيص (IMC) أو الشهادة اللبنانية Liban Cert. أما غير المرخص لهم، فيمارسون أساليب إنتاج تقليدية، متبعين قواعد صارمة تفرضها إدارة سوق الطيب.
لقد ارتفع الطلب على الأغذية العضوية حتماً منذ العام 2004. وفي حين لا تتوافر أرقام حول المبيعات، شهدت سوق الطيب تزايداً مستمراً وثابتاً في عدد منتجي هذه الأغذية، ما يدل على نمو قاعدة المستهلكين. وأدى هذا النجاح إلى توسيع السوق الأسبوعية لتشمل عناصر إضافية هي:
– مهرجان «احتفل بالطعام» للأغذية المناطقية: سلسلة تنظم ليوم واحد في مناطق لبنانية مختلفة، من ضمنها بيروت، لترويج التقاليد المحلية والتخصصات الغذائية بالتعاون مع البلديات.
– «دكانة سوق الطيب»: وهي ماركة خاصة تضم مختارات من أفضل المنتجات.
– مطبخ «طاولة»: وهو مطعم من طراز جديد، حيث يأتي مزارعون ومنتجون من أنحاء لبنان ليحضِّروا أطباقاً لبنانية تقليدية وفق وصفات عائلية قديمة. ويدفع أجر لكل امرأة تقوم بمهمة الطبخ. ويشتري المطبخ كل الطعام غير المباع. وتتغير الأطباق ولوائـح الطعام يومياً، لتسليط الضوء على مطبخ قرية أو منطقة معينة.
– «سوق في المدرسة»: وهي سلسلة نشاطات تعليمية مع المدارس والجامعات.
– «نشرة أخبار الطيب»: وقريباً مجلة إلكترونية، للتعريف والتوعية ومناقشة مجموعة قضايا تتعلق بالحياة الخضراء وأسلوب العيش والطعام المستدام والتخطيط المُدني المستدام والسياحة البيئية.
توفر سوق الطيب فرصاً اقتصادية لصغار المزارعين عبر تزويدهم بعائدات مستقرة. ولم يتغير رسم اشتراكهم فيها منذ العام 2004. وفي إمكانهم تحقيق دخل إضافي عبر المشاركة في مهرجان «احتفل بالطعام» و «دكانة سوق الطيب» ومطبخ «طاولة».
ولتوسيع نطاق العمل، تعمل سوق الطيب على بناء «سوق إيكولوجية» لتكون مساحة خضراء شبه دائمة لتسويق إنتاج المزارعين ومنطقة للتجمع. وسوف تضم حديقة وملعباً للأطفال صديقاً للبيئة ومطبخاً وتعاونية ومنشأة صغيرة لفرز النفايات وإعادة تدويرها. ويتبع تصميم السوق الإيكولوجية مبادىء العمارة الخضراء، من حيث استعمال مواد بناء أعيد تدويرها محلياً والتزود بالطاقة من مصادر متجددة. ويسعى هذا المفهوم المبتكر إلى جمع المجتمعات اللبنانية في مساحة خضراء صديقة للبيئة لا شك في أن بيروت هي في أمس الحاجة إليها.
مع الصورة رقم 8
(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد أيار/مايو 2012)