تغير المناخ والأنواع الغازية ومسببات الأمراض تهدد مواقع التراث الطبيعي العالمي

محمد التفراوتي12 أكتوبر 2025آخر تحديث :
تغير المناخ والأنواع الغازية ومسببات الأمراض تهدد مواقع التراث الطبيعي العالمي

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

كشف تقرير جديد صادر عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) أن تغير المناخ أصبح اليوم أكبر تهديد يواجه مواقع التراث الطبيعي العالمي، حيث يطال 43 في المائة من هذه المواقع، متجاوزا بذلك جميع المخاطر الأخرى. وأوضح التقرير أن الأنواع الغريبة الغازية تظل ثاني أخطر تهديد عالمي، تؤثر على نحو 30 في المائة من المواقع، فيما تتزايد الأخطار الناجمة عن أمراض الحياة البرية والنباتية بشكل مقلق، لتصل إلى 9 في المائة من المواقع مقابل 2 في المائة فقط عام 2020.
ويعد التقرير الجديد، وهو الإصدار الرابع من تقرير “توقعات التراث العالمي” للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، التقييم الأكثر شمولا منذ انطلاق البرنامج عام 2014، إذ يغطي جميع مواقع التراث الطبيعي العالمي، ويعرض لأول مرة توجهات عقد كامل من التغيرات.
وقد تراجعت نسبة المواقع ذات التوقعات الإيجابية للحفاظ عليها من 62 في المائة عام 2020 إلى 57 في المائة فقط في 2025، في وقت تظهر فيه المواقع الغنية بالتنوع البيولوجي تأثرا غير متناسب بهذه التغيرات.

وقالت الدكتورة “غريثيل أغيلار”، المديرة العامة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة: “إن حماية التراث العالمي ليست مجرد حماية لمواقع طبيعية مميزة، بل هي دفاع عن أسس الحياة والثقافة والهوية الإنسانية في كل مكان. هذه المواقع تمثل كنوزا طبيعية تربطنا بتاريخنا وتلهم أجيال المستقبل، لكن التهديدات تتصاعد، وهو ما يستدعي التزاما أقوى وجهودا مشتركة لضمان بقاء هذه الكنوز من أجل الطبيعة والبشر معا.”

تغير المناخ يفاقم التهديدات البيئية

يرصد التقرير أن تغير المناخ يقف وراء تفاقم ظواهر مترابطة تشمل الأنواع الغازية والأمراض الحيوانية والنباتية. فالتغيرات في درجات الحرارة وأنماط الأمطار تسهم في توسع انتشار الأنواع الدخيلة ومسببات الأمراض، مما يؤدي إلى اضطراب التوازنات البيئية في مواقع عدة.
كما تسهم السياحة غير المستدامة، التي تصنف ثالث أخطر تهديد عالمي، في تسريع هذا التدهور عبر الضغط على النظم البيئية الحساسة.
ومن بين الأمثلة التي يسوقها التقرير. فيروس “الإيبولا” الذي يهدد الرئيسيات في منتزه “فيرونغا” الوطني بجمهورية الكونغو الديمقراطية. و متلازمة الأنف الأبيض التي تضرب الخفافيش في كهف “الماموث” بالولايات المتحدة. ثم داء الفطريات “الكيتريدي” الذي يفتك بالبرمائيات في برية “تسمانيا” بأستراليا. هءا فصلا عن
إنفلونزا الطيور في شبه جزيرة “فالديز” بالأرجنتين. و  مرض موت القمة الذي يصيب غابات المانغروف في “سونداربانس” ببنغلاديش.

بين الضعف والصمود 

رغم الصورة المقلقة، يبرز التقرير أيضا نماذج من الأمل والنجاح، حيث حسنت 13 موقعا طبيعيا وضعها خلال الفترة 2020–2025 بفضل الإدارة الفعالة والمشاركة المحلية.
ومن بين هذه النجاحات، تحسنت أوضاع مواقع في غرب ووسط إفريقيا مثل محمية “دجا” (الكاميرون) ومتنزهات “سالونجا” و” غارامبا” (الكونغو الديمقراطية) و “نيوكولو-كوبا” (السنغال)، نتيجة جهود مكافحة الصيد غير المشروع وتفعيل الشراكات المحلية.
مع ذلك، يشير التقرير إلى أن نصف المواقع فقط تتمتع بإدارة فعالة، فيما يواجه 15في المائة منها خطر الانهيار بسبب نقص التمويل. ويدعو الاتحاد الحكومات والجهات المانحة إلى تعزيز التعاون الدولي وتوفير الدعم المالي المستدام لحماية هذه المواقع الحيوية.
وصرح “تيم بادمان”، مدير برنامج التراث العالمي في الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة: “بعد عقد من التقييمات، يتضح أن الوقت حان لتبني نهج جديد أكثر شمولا، يوسع نطاق النجاحات ويمنع تدهور مزيد من المواقع. التراث الطبيعي العالمي بحاجة إلى رؤية طويلة الأمد، وتمويل مستقر، وتعاون عابر للحدود.”

المعارف التقليدية… ركيزة للحفاظ المستدام

يشار أن التقرير يشدد على أهمية دمج معارف الشعوب الأصلية في استراتيجيات الحفظ، موضحا أن إدارتهم التقليدية أثبتت فاعليتها في تعزيز صمود المواقع الطبيعية، مثل حديقة “أولورو-كاتا تجوتا” الوطنية في أستراليا، والمبادرات المجتمعية في جزر المحيط الهادئ.
ويعمل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على توسيع التعاون مع هذه الشبكات لضمان أن تدرج خبراتهم وحقوقهم في السياسات العالمية لحماية البيئة.
توجهات مستقبلية وتمويل مبتكر.
و تحدد استراتيجية التراث العالمي الجديدة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (2026–2029) مسارات واضحة لتقليص فجوات التمويل، وتعزيز الإدارة، وتطوير شراكات مبتكرة تضمن استدامة الجهود الدولية لحماية التراث الطبيعي.
كما ثمن الاتحاد دعم شركائه، من وزارة شؤون المغتربين الفرنسية ومقاطعة “جيجو” الكورية والاتحاد الأوروبي ومنظمة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ، إضافة إلى اللجنة العالمية للمناطق المحمية (WCPA)، لما قدموه من دعم تقني ومالي لإنجاز التقرير.

مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة العالمي

يعد مؤتمر الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة العالمي أحد أبرز المنصات الدولية في مجال حماية البيئة، يعقد كل أربع سنوات، ويجمع قادة الحكومات والمجتمع المدني والعلماء والشعوب الأصلية ورجال الأعمال.
يشكل المؤتمر فضاء للحوار واتخاذ القرار حول مستقبل الطبيعة، ويسهم في صياغة السياسات البيئية والتنموية على المستوى العالمي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!