ورشة تدريبية بأكادير تناقش آثار التغير المناخي على حقوق النساء والحلول الممكنة
آفاق بيئية – محمد التفراوتي
في إطار التزامه بالعدالة المناخية والمساواة بين الجنسين، نظم “منتدى المناصفة والمساواة” بشراكة مع مؤسسة “فريدريش إيبرت – مكتب المغرب”، ورشة تدريبية تحت عنوان “أثر التغير المناخي على حقوق النساء والحلول الممكنة”، وذلك من 4 إلى 6 يوليوز 2025 بمركز COS ONE بمدينة أكادير.
وشكلت هذه الدورة التدريبية محطة تأطيرية وتفاعلية للنقاش والتكوين، استعرض خلالها السياق الإقليمي والوطني لأزمة المناخ وتأثيرها المتزايد على النساء والفئات الهشة.
النساء في صلب السياسات المناخية: من الضحية إلى صانعة القرار
في كلمتها الافتتاحية خلال الملتقى الجهوي المنعقد بجهة سوس ماسة، تطرقت السيدة شرفات أفيلال رئيسة منتدى المناصفة والمساواة إلى دواعي وسياق تنظيم هذا اللقاء، مشددة على أهمية تقوية قدرات النساء، لاسيما النخب النسائية الفاعلة والمؤثرة، في مجال حقوق المرأة ومواجهة التغيرات المناخية.
وأبرزت أن الموضوع يكتسي راهنية خاصة، بالنظر لما شهدته المنطقة من مخاطر وطوارئ ناتجة عن التغير المناخي، والتي أصبحت آثارها ملموسة على النساء والأسر بوجه عام. وتطرقت في هذا السياق إلى تداعيات ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات، مستشهدة بفيضانات طاطا كمثال صارخ على حدة هذه الظواهر.
وأكدت أن النساء يتأثرن بشكل أكبر خلال فترات الأزمات والطوارئ، بحكم مسؤوليتهن في حماية الأطفال والممتلكات، مع محدودية الموارد وغياب الآليات والمعلومات الكفيلة بتمكينهن من المواجهة. وأشارت إلى أن هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنساء يزيد من حجم الأثر، مما يستوجب مقاربات أكثر إنصافا وعدالة في تدبير المخاطر.
لكنها شددت، في المقابل، على أن النساء لا يقتصر دورهن على المعاناة، بل يمتلكن الكفاءة والقدرة على التأقلم والابتكار، حتى في ظل شح الإمكانيات. فقد أثبتت تجارب متعددة، كما تقول، قدرة النساء على إيجاد حلول بسيطة وفعالة بفضل حنكة متوارثة وخبرة حياتية تراكمية.
وفي هذا الإطار، أكدت الأستاذة شرفات أن مشروع “توازن”، المنفذ بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت، يندرج ضمن الجهود الرامية إلى دعم حقوق النساء بالمغرب، عبر تكوين نخب نسائية على مستوى الجهات، ليس فقط لتمكينهن من الأدوات والمفاهيم الضرورية، بل لتعزيز تأثيرهن في الشأن المحلي.
وشددت على أن الهدف الأسمى هو ضمان حضور حقيقي للنساء في سياسات تدبير المخاطر، ليصبحن شريكات في صنع القرار، إلى جانب الرجال، ضمن سياسات عمومية عادلة تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الجميع.
وخاطبت المشارِكات قائلة: “لقد اخترنا نساء من هذه الجهة لأننا نؤمن بقدرتكن على لعب أدوار محورية في الجماعات المحلية، سواء كمنتخبات، أو عضوات في الهيئات الاستشارية، أو ضمن التعاونيات، أو كفاعلات جمعويات. أنتن تمتلكن من المعارف والمهارات ما يؤهلكن للمساهمة في التأثير وصنع السياسات العمومية الترابية، بفعالية وإقناع.”
وعبرت السيدة مونكا فريديريك إليرت، ممثلة مؤسسة فريدريش إيبرت، عن سعادتها بالمشاركة في الجلسة الثانية الإقليمية لتعزيز قدرات الفاعلات والفاعلين المحليين بشأن آثار التغير المناخي على النساء والحلول الممكنة.
وفي كلمتها الافتتاحية، شكرت المشاركين على تلبية الدعوة، وأثنت على التزام منتدى المناصفة والمساواة بجهوده في مجال الدفاع عن حقوق النساء وتحقيق المساواة. كما أشارت إلى أهمية العمل المشترك من أجل عدالة مناخية تراعي النوع الاجتماعي، مؤكدة على أن النساء في المغرب، كما في أماكن أخرى من العالم، يتأثرن بشكل غير متناسب بتداعيات التغير المناخي، سواء خلال وقوع الكوارث أو في مراحل التعافي وإعادة البناء، إلا أنهن غالبا ما يستبعدن من مواقع اتخاذ القرار ووضع الاستراتيجيات ذات الصلة بالمناخ.
وأكدت أن إقصاء النساء من هذه العمليات يضعف فعالية السياسات المناخية ويؤثر سلبا على قدرتها على التكيف، داعية إلى الاعتراف بالمعارف المحلية للنساء ودورهن في بناء المجتمعات صامدة، مشددة على أن تمكين النساء وتعزيز مشاركتهن الفعالة في السياسات البيئية هو مفتاح النجاح في مواجهة الأزمة المناخية.
واختتمت مداخلتها بتجديد التزام المؤسسة بدعم مثل هذه المبادرات الهادفة إلى بناء القدرات وتعزيز العدالة المناخية والمساواة بين الجنسين، مؤكدة على أهمية الاستماع إلى صوت النساء في كل مستويات صنع القرار.
برنامج تكويني يعزز القدرات ويبلور حلولا محلية بمنظور نسائي
كما استعرضت السيدة رجاء شافيل مضامين برنامج التكوين الذي يمتد على مدى ثلاثة أيام، مبرزة محاوره الأساسية وأبعاده التدريبية.
وأوضحت أن البرنامج صمم ليشمل جوانب نظرية وتطبيقية تهدف إلى تعزيز قدرات المشاركات في فهم العلاقة بين التغيرات المناخية وحقوق النساء، وتمكينهن من الأدوات والمقاربات اللازمة للتفاعل مع إشكالات العدالة المناخية من منظور نسائي.
ويشمل التكوين محاور متكاملة تتناول الإطار المفاهيمي لحقوق النساء والمساواة، والتحولات المناخية وأثرها على الفئات الهشة، إضافة إلى ورشات تفاعلية حول آليات التأثير والمرافعة وإدماج مقاربة النوع في السياسات الترابية.
وأكدت رجاء شافيل أن هذا البرنامج لا يقتصر على نقل المعارف، بل يطمح إلى خلق دينامية محلية تؤمن بدور النساء كفاعلات أساسيات في التنمية المستدامة وصياغة الحلول المناخية العادلة.
يذكر أن الورشة التي أطرتها الخبيرة الدولية في التغيرات المناخية الدكتورة رجاء شافيل، سعت إلى تعزيز فهم المشاركات والمشاركين لقضايا التغير المناخي وانعكاساته المتباينة على النساء، مع اقتراح حلول ملموسة تدمج مقاربة النوع في السياسات البيئية والمناخية.
تهدف هذه المبادرة إلى تعزيز قدرات النساء وتمكينهن من لعب دور ريادي في مجابهة التغير المناخي، عبر سياسات مندمجة ونهج تشاركي يستجيب لحاجيات الفئات المتأثرة بالأزمة البيئية العالمية.
مقترحات عملية لتدبير المخاطر المناخية من منظور النوع
شهدت الورشة التكوينية تفاعلا مكثفا من طرف المشاركات، حيث تم التطرق خلال مختلف الجلسات إلى مجموعة من المحاور المرتبطة بقضية التغير المناخي وحقوق النساء. وركزت النقاشات على المفاهيم العامة لأزمة المناخ وأسبابها وآثارها على المستوى العالمي، إلى جانب استعراض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، كما جرت قراءة تحليلية للسياق المغربي من حيث التحديات المناخية والإطارين القانوني والمؤسساتي الذي ينظم هذا المجال وطنيا.
وشكلت الجلسات أيضا فضاء لتحليل تأثير التغيرات المناخية على الفئات الهشة، وفي مقدمتها النساء، حيث أبرزت النقاشات حجم الهشاشة التي تطال هذه الفئة في ظل الأزمات المناخية المتكررة. كما شهدت الورشة تنظيم جلسات عمل تفاعلية ناقشت إشكاليات الزراعة والجفاف والفيضانات والطاقة من منظور النوع الاجتماعي، مع فتح النقاش حول دور الفاعلين المحليين، وخاصة الجماعات الترابية والبرلمانيين، في تعزيز آليات مواجهة الأزمات المناخية بفعالية وشمولية. ورافقت هذه المحاور شهادات حية لمشاركات عبرن عن تجاربهن ورؤيتهن الشخصية لأزمة المناخ والحلول الممكنة، سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
وقد خصص اليوم الثاني من الورشة لاستكشاف مفاهيم محورية مثل التخفيف والتكيف والعدالة المناخية والخسائر والأضرار، مع تسليط الضوء على الإطار القانوني المغربي المتعلق بالمناخ، وإبراز الفروقات في تأثير الكوارث المناخية بين النساء والرجال، وما يترتب عنها من تبعات اجتماعية واقتصادية غير متكافئة.
أما اليوم الأخير، فتم تكريسه لورشات عمل جماعية انصبت على التحديات المناخية الأكثر إلحاحا، خاصة في مجالات الزراعة والفيضانات والجفاف والطاقة، حيث اقترحت المشاركات مجموعة من التوصيات العملية الكفيلة بإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات المناخية، بما يسهم في تعزيز العدالة المناخية وتحقيق الإنصاف في توزيع الأدوار والموارد والفرص في سياق مواجهة التغيرات المناخية.
في خضم ما يشهده العالم من تحولات مناخية متسارعة وتحديات بيئية معقدة، تتأكد يوما بعد يوم الحاجة الملحة لإشراك النساء ليس فقط كمتأثرات، بل كصانعات للحلول وشريكات في رسم السياسات. لقد أظهرت هذه الورشة أن التمكين الحقيقي ينبع من المعرفة والتكوين والتشبيك، وأن العدالة المناخية لا يمكن أن تتحقق إلا حين تأخذ في الحسبان أصوات النساء وخبراتهن وتجاربهن. إن خوض هذا المسار، وإن كان شاقا، هو السبيل الأجدر لضمان مستقبل أكثر إنصافا واستدامة، حيث يصبح صوت المرأة ركيزة في بناء مجتمعات صامدة قادرة على مواجهة الأزمات وتحويلها إلى فرص للنهوض والتمكين.