قاعدة الإحالة على الفقه المالكي والاجتهاد وتطبيقاتها في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي الأسري”
آفاق بيئية: محمد التفراوتي
نال الباحث إسماعيل الدباغ درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بآيت ملول بجامعة ابن زهر أكادير في إطار “مختبر التراث الغقهي تاصيل وتجديد وتنزيل” بمركز الدراسات الشرعية والقانونبة، وحدة المذهب المالكي والتشريع المعاصر. وذلك حول موضوع ” قاعدة الإحالة على الفقه المالكي والاجتهاد وتطبيقاتها في ضوء مدونة الأسرة والعمل القضائي الأسري” تحت إشراف الأستاذ الدكتور عز الدين جوليد. ومناقشة كل من الدكاترة عبد النعيم حميتي، عبد المنعم اكريكر، عبد العزيز قابوش، عز الدين جوليد و ابراهيم بن عبلا.
وحصل الباحث على ميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع. وذلك بعدما أبدع في سبر اغوار، موضوع الساعة بالمغرب، هو محور مدونة الأسرة التي أثار زوبعة بين الاتجاهات المتباينة من حيث البعد الايديولوجي والحداثي والمحافظ. تمكن الباحث من ولوج بشجاعة فضاء تتداول فيه الكثير من التوجهات والمناكفات السياسية متسلحا بمختلف المواصفات المعرفية، والقواعد الموضوعية و التدقيق المعلوماتي والاستقصاء المنهجي. وشهدت مناقشة البحث شد وجذب بين الأفكار والتصورات والرؤى، تجلى في حوار شيق ودقيق وملاحظات نوعية. وتحليلات واستنتاجات أجمع من خلالها الدكاترة المناقشون على نوعية البحث ودقته وجودة المقاربة عبر الجمع بانسيابية ببن البعدين النظري والتطبيقي. مع إبداء بعض التصويبات و الاقتراحات تروم تجويد بعض الأفكار وصقل بعض المهارات التي ميزت صياغة الاطروحة.
وحدد الباحث لأطروحته إشكالية عرضها على اللجنة المناقشة حيث ذكر أنه لعل أهم إشكالات هذا الصنف من البحوث، هو عدم ضبط الاجتهادات القضائية في قالب واحدد، ورغم اتحاد مرجعيتها والمصادر المعتمدة في إثبات حججها ومستندات وقائعها إلا أن هناك اضطرابا، بل وتناقضا يلوح في الأفق في كثير من قضايا الاجتهاد القضائي مما يتعذر معه تحديد الإشكال الجوهري في الموضوع. وعليه يبدو أن هناك مشكلا آخر وهو أن عددا كبيرا من القضايا أخطأت فيها المحاكم الابتدائية قطعا، لكن الطرفين رضيا بالحكم فلم يستأنفاه، فاعتقدا أن ذاك هو الصواب، ويبقى ذاك الحكم حجة على ضعفه، ويندرج لا محالة في خانة الاجتهاد القضائي المعاصر، لكن تعليله للحكم يبقى تعليلاً غير مستقيم.
ولئن كانت بعض محاكم الابتدائية والاستئنافية تخطئ في بعض القضايا، فإن قرارات محكمة النقض تجانب الصواب أحيانا في مسائل غير يسيرة، وقد رددت على بعضها في ثنايا هذا البحث، واستفحلت كثيرا حتى أفردت بعض الدراسات الجديدة قرارات المجلس الأعلى بالنقض مما يوحي بثبوت اخطائهم مرات متعددة، بحيث لو كانت هناك هيئة قضائية خاصة، أو متخصصي مختلف غرف التشريع في المجلس الأعلى للقضاء لنقضت كثيراً من الأحكام التي تصدرها محكمة النقض ذاتها، فهنا عين الإشكال في هذه الدراسة كما أفاد الباحث اسماعيل الدباغ.
وقسم الباحث أطروحته إلى بابين كبيرين، وتحت كل باب فصلين، وتحت كل فصل ثلاثة مباحث اقتضى النظر أن يكون فيه أربعة وعشرون مطلبا، و ثمانية وأربعون فرعا.
وقال الباحث أن الطبيعة الهيكلية لتقسيم البحث كان على أساس التقسيم على شكل مباحث وتحتها عناوين مرتبطة بها قد تصل أحياناً إلى سبعة، وأن الاعتماد على المطلبين من شأنه الاقتصار على مسألتين مما يعني دراسة نحو عشرين بالمائة من موضوع كل مبحث، فعلى سبيل المثال نجد في المبحث الثاني من الباب الأول عناوين فرعية من قبيل: تأويل الإحالة على المذهب المالكي بين النظر الفقهي والتطبيق العملي، وثاني بعنوان: الإحالة بين مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة، وثالث بعنوان: مواقف المجتهدين من المادة 400 من مدونة الأسرة، ورابع بعنوان: المادة 400 من مدونة الأسرة بين الضوابط الفقهية والشروط القانونية، وخامس بعنوان ضوابط الإحالة على المادة 400 وفق المذهب المالكي، وسادس بعنوان مراعاة الخلاف في مدونة الأسرة وآثاره الواقعية، فكل هذه المسائل مندرجة تحت مبحث واحد، ولو قسم للمطالب لتم ذكر مسألتين فقط من أصل المسائل المذكورة، والشيء نفسه وقع في الباب التطبيقي الذي ذكرت فيه حوالي خمس مسائل تحت كل مبحث.
وناقش الباحث وظيفة القضاء في مقاصدها العامة والخاصة معتبرا كونها وسيلة لإقرار العدل، ووظيفة مهمة لصيانة الحقوق، وغاية سامية لاستتباب الأمن، و تضيع الحقوق بدونها ، ويغلب القوي الضعيف. وأشار الباحث ان مهنة القضاء تمت ممارستها خلال حقب كبيرة رجال كبار كالقاضي شريح بن الجهم، وأبو يوسف صاحب أبو حنيفة، وغيرهم من كبار القضاة في التاريخ الإسلامي المشرق، مشيرا إلى جمع العلماء لأخبارهم في كتب مفردة كأخبار القضاة لأبي بكر وكيع المتوفى سنة 306هـ، في ثلاث مجلدات، وكتاب الولاة القضاة للكندي لأبي عمر الكندي المتوفى سنة 350هـ، ثم توالت بعدهما كتب طبقات القضاة، وألف فيها جماعة منهم شمس الدين السخاوي، وشيخه الحافظ ابن حجر، وقبلهما أبو الحسن النباهي المالقي و المتوفى نحو سنة 792هـ ، الذي ألف كتاباً سماه” تاريخ قضاة الأندلس”. ذكر فيه جماعة منهم، وهناك من اهتم بفنونهم في القضاء واعتنى بتتبع طرق تنفيذهم للأحكام أو ما يسمى الآن بالإجراءات الفنية أو المسطرية – كابن فرحون المالكي في التبصرة وغيره.
واستعرض الباحث الدباغ مراحل تطور الاجتهاد القضائي وما راكمه هذا المسار من اجتهادات قضائية ناهزت أكثر من ألف سنة تقريبا في المغرب منذ دخول الإسلام في أواخر القرن الأول، أي ما يقرب من 14 قرنا من الاجتهادات القضائية التي تتأثر غالبا بالمؤثرات الإقليمية والسياسية والاجتماعية للحضارات المتعاقبة على المغرب منذ عهد الأدارسة إلى العصر الحديث.
وقال الباحث أن هذه المراحل عرفت نهج الاجتهاد القضائي على نمط يكاد يكون متحدا إلى حلول المستعمر في أول القرن الماضي اذ عرف تشريعات جديدة، فقننت أغلبها على شكل قوانين عصرية، تجلت في القانون المدني، مع بعض القوانين الداخلية، لتلتحق أحكام الأحوال الشخصية بها بعد استقلال المغرب ،
سنة 1957م.
وذكر الدباغ خلال بحثه مختلف التعديلات التي شهدتها المدونة سنة 1993م، و 2004 وما احتوته من مستجدات، “وزاد حجمها أكثر عن المدونتين السابقتين بمقدار أكثر من الثلث، مما يجعل الاجتهاد القضائي فيها أكثر بياناً، وأوسع شمولاً، لأنه سيتصدى لنوازل جديدة، وحوادث مشكلة ستعرض على القضاء المغربي لأول مرة”.
وتتميز هذه الاطروحة التي تقدم بها الباحث الدباغ بتتبع الاجتهاد القضائي في سائر مواد الأحوال الشخصية في ظل مدونة الأسرة، حيث تعمدت هذه الدراسة تتبع القرارات والأحكام الصادرة مؤخرا عن محكمة النقض ومحاكم الموضوع، لتختلف تماما عن الدراسات التي تشبهها في المضمون.
و تعد الاطروحة ذيلا واستدراكا على سائر الدراسات المعاصرة في الاجتهاد القضائي، لأنها ضمت إحصائيات حديثة في أغلب القضايا الأسرية كالتعديد، وثبوت الزوجية، ودعاوى النفقة، ومشكلات النسب، وقضايا الطلاق، من سنة 2020م إلى سنة 2024م خلافا للدراسات السابقة الخالية من هذه الاجتهادات الجديدة، فكانت لهذه الدراسة هذه الميزة التي انفردت بها، فاستحقت بذلك أهمية إفراد اجتهادها القضائي بالتصنيف.
ويشهد مجال البحث عامة في مجال مدونة الأسرة بكثرة الاطروحات والدراسات تناولت بالدرس والتحليل الاجتهاد الفقهي والقضائي وأثره في تعديل مدونة الأسرة المغربي والسلطة التقديرية للقاضي في أحكام الأسرة بين المقاصد الشرعية والقانون الوضعي و مركز الفقه المالكي في الاجتهاد القضائي الأسري المغرب. وقاعدة الإحالة على الفقه المالكي في مدونة الأسرة ثم الاجتهاد القضائي الأسري المغربي و بحوث حول التوجهات الكبرى لقرارات محكمة النقض في قضايا الأسرة في ضوء المذهب المالكي. وتنفرد اطروحة الباحث اسماعيل الدباغ بسعيها، من حيث الجانب النظري، جلب المذهب المالكي وأصوله وفروعه وقواعده وتاريخ دخوله للمغرب.مستلهما بعض النقول النادرة التي لم يتم التطرق لها، مع تشخيص ضعف الاجتهاد القضائي قديماً وحديثاً، حتى ترتبط مركزية الاجتهاد القضائي مع العمق التحليلي للجانب التطبيقي، فكانت هذه الدراسة مخالفة لكل الدراسات السابقة في الجانب التنظيري. كنا تناول الباحث الأصوات المطالبة بتعديل مدونة الأسرة في أواخر سنة 2023م، وتغيير آلية الإحالة التي تسمح للقضاة بالاجتهاد، ومطالبة البعض بإلغائها، وواجه الباحث خلال دراسته لتلك الدعوات مبرزا أهمية التنصيص على الاجتهاد القضائي، وهذه لم تذكر في أي من الدراسات السابقة لأنها حديثة عهد بالصدور، بل غيرت بعض هياكل الدراسة النظرية حتى أدخلت هذه المستجدات الجديدة فيها، وخاصة تلك التي لها صلة مباشرة بموضوع الاجتهاد القضائي. وتناولت الاطروحة ، من حيث الجانب التطبيقي، لكثير من الدراسات السابقة مما غطى على المراحل الأولى لتفعيل مدونة الأسرة إلى ما بعد سنة 2010م بقليل، وهذه الدراسة ركزت في أغلب قراراتها على ما بعد الفترة المذكورة، فكانت جديدة في التنظير والتطبيق معاً.
وناقش الباحث الدباغ، معلقا، على القرارات المنشورة في مجلات محكمة النقض وفق ما يتناسب مع قيمة ومركزية الاجتهاد القضائي. و أثنى الدكاترة المناقشون على استدلال الباحث بكثير من الإحصائيات الرقمية في عدد من قضايا الأسرة كالتعديد وثبوت الزوجية، وتكييفات طلبات المبرر الاستثنائي للتعديد، ودعاوى الرجوع لبيت الزوجية، واقتسام الأموال المكتسبة خلال الفترة الزوجية، وكذا مسائل كثيرة في النسب كالنزاع الحاصل في شروط الخطيبان(الخطيبين) في المادة 156 وكذا إثبات النسب بالخبرة الطبية، ومسألة الحمل الناتج عن علاقة غير شرعية، وكذا مسائل الطلاق وتوابعه. وعمل الباحث بذلك على تذييل هذه المجالات بإحصاءات رقمية لوزارة العدل تمتد حتى آخر سنة 2023م. مما أعطى للبحث نكهة خاصة و منفردة من خلال الإحصاءات الرقيمة الحديثة والجديدة وفي الوقت نفسه، مما يضفي على الاطروحة جدة التناول.
واعتمد الباحث في مقاربته البحثية عدة مناهج معتمدة في الدراسات الحديثة ليقارن بينها بما يتناسب مع قواعدها العامة في التحليل. وذلك لكون هذا النوع البحوث التي تتشابك فيها كثير من الحقول المعرفية ذات الصلة بالعلوم الاجتماعية، القانونية والشرعية..
و استعمل الباحث المنهج المقارن بين مدونات الأحوال الشخصية العربية والمغربية وامتد هذا المنهج نفسه في تتبع كيفيات الإحالة على المذهب المالكي وهو آلية للاجتهاد القضائي على مر العصور، مما يستوحب عقد مقارنات استنتجت منها الدراسة عدة فوائد بث غالبها في الباب الأول التنظيري من الاطروحة. وامتد هذا المنهج المقارن كذلك في الأحكام التي تصدرها المحاكم الابتدائية، و الاستئنافية ومحاكم النقض، وعقد فروق بينها، حيث لوحظ ضعف اجتهاد محاكم الدرجة الأولى لاسيما الابتدائية، وغالبا ما يناقض المجلس الأعلى أحكام هذه المحكمة خلافاً الأحكام محاكم الاستئناف.كما وظف المنهج الوصفي في تحليل المعطيات المتعلقة بمرونة المذهب المالكي وسعته، وكذا مقاصد المنظمات النسائية و الحداثيين. ثم اعتمد كذلك المنهج التاريخي، حيث استعرضت نقولاً كثيرة من بطون كتب التاريخ، والأخبار، والتراجم، وخاصة من كتب المالكية، والقضاء، والنوازل، فكان الجانب التاريخي هو الطاغي . على الباب الأول التنظيري. و وضف الباحث المنهج النقدي من فصل إلى آخر، حيث تم انتقاد دعاوى إلغاء المادة 400 من مدونة الأسرة، وشملت حدود النقد كذلك مطالب المنظمات النسائية، وتجنيدهن في الرد في وقت واحد أثناء المطالبة بإلغاء المادة 400 من مدونة الأسرة كما سيأتي، كما شمل المنهج النقدي بعض أحكام المحاكم الابتدائية كالتي أدخلت عمل المرأة في المنزل في السعاية، وكذا اختلاف وجهات نظر محكمة النقض في إثبات الشهود مرة بشاهدين، وثانية بثلاثة، وثالثة تبطل الاثنين والثلاثة وتأخذ باللفيف، ثم تتراجع رابعة وتأخذ بشاهدين. وتدرج البحث في عرض فحواه، بتقسيمه إلى بابين كبيرين(الجانب النظري والجانب التطبيقي)، بعد تمهيد عام خصص لبيان المدلول اللغوي والاصطلاحي للألفاظ الأساسية الواردة في عنوان البحث، وفي المادة 400 من مدونة الأسرة التي تؤطر القاعدة الإحالة.
الباب الأول عنونه ب “منزلة المذهب المالكي في القضاء والتشريع المغربي قديماً وحديثاً – أسباب التأثير و مظاهر التأثر -” . أما الباب الثاني فوسمه ب”المجالات العملية العامة لتطبيق الاجتهاد القضائي في قضايا الأسرة”.
فالباب الأول تنظيري تاريخي، كشف عن فلسفة الإحالة في الحضارة المغربية منذ عصر المرابطين إلى عصر مدونة الأسرة، والثاني تطبيقي عملي يكشف الستار عن حقيقة الاجتهاد القضائي وطرائق تكييفاته لقضايا الأحوال الشخصية في المادة الأسرية.
فبالنسبة للباب الأول فتم تقسبمه إلى فصلين وكل فصل إلى ثلاثة مباحث حيث سمي الفصل الأول ب”المذهب المالكي بين الاستعمال العرفي والتقنين الشرعي”، وتحته ثلاث مباحث الأول: حول التأصيل الشرعي لنظرية الإحالة في التشريع الإسلامي، والثاني: يكشف عن المذهب المالكي وأثره في التشريع والقضاء منذ دخوله إلى المغرب إلى العصر الحديث، والثالث: يبرز مدى تأثر قوانين الأحوال الشخصية بالمرجعيات الأخرى وأثر ذلك على المذهب المالكي. أما الفصل الثاني فخصص لبيان فلسفة الإحالة على المذهب المالكي في مدونات الأحوال الشخصية بالمغرب بين الضوابط الفقهية والمتغيرات الاجتماعية، حيث قسمه كذلك إلى ثلاثة مباحث، تناول في المبحث الأول مرتكزات الإحالة على المذهب المالكي من مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957م إلى مدونة الأسرة: دراسة مقارنة وفي المبحث الثاني: قاعدة الإحالة على المذهب المالكي في مدونة الأسرة بين مناهج تأويلها ومظاهر إعاقتها، والثالث حول الإحالة على المذهب المالكي وأثرها في مدونة الأسرة . بخلاف الباب الثاني فخصص للتطبيقات العملية في قضايا الزواج وتوابعه والنسب وأحكامه والطلاق ومشمولاته، وقسمه هو إلى فصلين، تناول في الفصل الأول قواعد الاجتهاد القضائي وآليات تكييفاته وأثرهما في توجيه أحكام الأسرة، وقسمه إلى ثلاثة مباحث الأول خصصه لتفعيل الاجتهاد القضائي في مدونة الأسرة قضايا الزواج وتوابعه أنموذجا، والثاني لتكييفات المجلس الأعلى لقضايا إلحاق النسب الشرعي في مدونة الأسرة على ضوء الاجتهادات القضائية، والمبحث الثالث خصصه لقرارات محكمة النقض في قضايا الحضانة والكفالة وأثر الاجتهاد القضائي في إثرائهما.
أما الفصل الثاني فتناول فيه دور الاجتهاد القضائي في تكييف أحكام الطلاق وتوابعه على ضوء مدونة الأسرة، وقسمه هو الآخر إلى ثلاثة مباحث، تناول في الأول أهمية إعمال المقاصد في ضبط الاجتهاد القضائي – مسائل الطلاق وتوابعه أنموذجا.
وخصصت الاطروحة المبحث الثاني للاجتهاد القضائي في اقتسام الأموال المكتسبة خلال فترة الزوجية على ضوء قاعدة الإحالة، وختمت بالمبحث الثالث الذي تناولت فيه توظيف الاجتهاد القضائي وفق آلية الإحالة وتطبيقاته على النفقة، وختمت بخلاصة بينت فيها نتائج البحث والاقتراحات والآفاق التي يفتحها.
ولم يكتف الباحث بالمقاربة التحليلية وغير ذلك بل أبدى
الاقتراحات والآفاق التي تفتحها اطروحته من التوصيات العلمية، والاقتراحات البحثية، ومجموعة من الآفاق المستقبلية من قبيل ضرورة جمع القرارات القضائية التي أصدرها القضاة المغاربة قبل الحماية وأثناءها وبعد الاستقلال، قبل إنشاء أول مدونة للأحوال الشخصية، وترتيبها على حسب الموضوعات ليستفيد السادة القضاة بمختلف طبقاتهم من تعليلات الفقهاء واستنباطاتهم داخل المذهب المالكي في مختلف فروع أبواب الأحوال الشخصية من نكاح وتوابعه، وطلاق ومشمولاته، وما يتبعهما من آثار كالنفقة، والحضانة، والميراث، ومن شأن ذلك أن يستعين به القضاة في توجيه أحكامهم، وهذا المقترح سيساعد لا محالة في استثمار اجتهادات المتأخرين في تعليل الأحكام القضائية تنظيراً وتنزيلاً.
واوصى الباحث كذلك بوجوب استخلاص النتائج والفوائد في كل مرحلة من مراحل المدونات الثلاث، وبيان سلبيات كل مدونة وإيجابياتها، عن طريق إحصاءات رقمية دقيقة، فالنص متى كان ناجعا ودقيقا يستجيب لحوادث الوقائع يجب أن يبقى ولا يعدل مهما كان السبب، والعكس صحيح، لكن الإشكال أن كثيرا من النصوص الجميلة والمناسبة لحياة المغاربة تم تعديلها، بل والغاؤها وإحلال محلها أحكام أخرى كانت السبب في تمزق الأسرة أفضت إلى تجاوز حالات الطلاق مائة ألف سنوياً، فضلاً عما يترتب عن آثار ذلك في تشتت البنية الديمغرافية للمجتمع وتفكيكها. ودعا الباحث إلى تتبع قرارات محكمة النقض وتمييز الأحكام المتناقضة التي تصدرها كالوكالة في الطلاق، وتحديد المبرر الاستثنائي للتعديد، وغيرهما، حيث لوحظ فيه تناقض كبير، فوجب أن تتجه أقلام الباحثين المعاصرين إلى استقراء وتتبع سائر تلك الأحكام للوصول إلى استنتاجات حتى تدفع عن الاجتهاد القضائي كثرة القيل والقال حول تناقضاته الفاضحة، وتعارضاته مع نفسه أثناء تصديه لنفس الأحكام والعلل، وبيان أسباب الاختلاف ومسببات الفروق الجوهرية بين مختلف الحكام المتحدة الصورة والمختلفة الحكم. وأضاق الباحث انه يلاحظ أن كثيرا من الحقوقيين والحداثين يقدمون دعاوى ومقالات وكتابات حول ضرورة إزالة الإحالة على الفقه المالكي في مدونة الأسرة في التعديلات اللاحقة، وهذا من شأنه إن حصل أن يربك وحدة الاجتهاد القضائي في الرجوع إلى المصادر الأصيلة وسيخلق مرجعيات حداثية متعددة كشعار المساواة والعدل بين الزوجين في الحقوق والواجبات، والانفتاح على روح الحداثة وقيم الأصالة، وتغدية ما ذكر بالاتفاقيات الدولية، فوجب على الباحثين يؤكد الباحث الدباغ، أن يتصدوا لذلك في بحوثهم المستقبلية، فإن البحث ما زال جار في قاعدة الإحالة على مدونة الأسرة، وخاصة في التعديلات الجارية الآن.