آفاق بيئية : يوهان روكستروم / أوتمار إيدنهوفر
بينما تعصف ازمة كوفيد-19 بالعالم وتحاول الحكومات انقاذ الاقتصادات المنهارة، سيشعر الكثيرون باغراء التراجع عن التزاماتهم المتعلقة بالمناخ والطبيعة حيث يتوجب على هولاء مقاومة مثل ذلك الاغراء.
يتميز هذا القرن بالسرعة والتواصل والسرعة والمفاجآت علما ان الجائحة العالمية وفوضى المناخ وإزالة الغابات وانقراض الأنواع على نطاق واسع عادة ما تتفاعل مع بعضها البعض كما تعزز بعضها البعض . لو لم تتمكن إجراءات اليوم القصيرة المدى لإعادة فتح الاقتصاد من تعزيز المرونة والصلابة الاقتصادية على المدى الطويل وذلك من خلال الإدارة الفعالة للموارد المشتركة للعالم ،فلن يمضي وقت طويل قبل ان تحدث الكارثة القادمة.
ان السبب وراء ذلك اننا نواجه اخطارا جديدة وكوفيد-19 ليس الا أحدث تلك الاخطار. ان هذا المشهد يحدد عصرنا الجيولوجي الحالي والذي تعتبر فيه البشرية القوة المهيمنة ومصدر ضغط على الكوكب.
الى جانب التهديد الحالي للصحة العامة على مستوى العالم ،فإن أزمات المناخ والتنوع البيئي تلوح في الأفق . نحن نواجه خطر جسيم يتمثل في تجاوز سقف 2 درجة مئوية من الاحتباس الحراري خلال 30 سنة فقط كما نعيش في خضم الموجة السادسة من انقراض الأنواع على نطاق واسع وذلك منذ فجر الحياة المعقدة على الأرض قبل 540 مليون سنة . ان كل نقاط التحول تلك يمكن ان يكون لها تأثيرات مدمرة لا يمكن إصلاحها على البشر في كل مكان.
بالإضافة الى ذلك فإن أزمات الصحة والمناخ والتنوع البيولوجي مرتبطة ببعضها البعض . لقد زادت احتمالية وقوع جائحة ما بسبب استمرارنا في التعدي على القيود التي يفرضها الكوكب والتي تتحكم باستقرار الأرض . ان الزيادة في عملية إزالة الغابات تعزز من الاحتباس الحراري وتهدد البيئة الطبيعية للحياة البرية واذا اضفنا لذلك السلوك عالي المخاطر (مثل الأسواق التي تبيع لحوم الحيوانات البرية) والقدرة المتواضعة على الاستجابة لحالات الطوارئ ،فإننا سنجد ظروفا مواتيه لتفشي الامراض التي تنتقل من الحيوانات للبشر والتي تنتشر بسرعة كارثية على مستوى العالم.
ان الأدلة العلمية في واقع الأمر تشير الى ان الامراض ذات المصدر الحيواني في تزايد بالإضافة الى زيادة احتمالية ان تنتقل الفيروسات من الحيوانات للبشر عندما تدّمر عملية إزالة الغابات البيئة الطبيعية للحياة البرية ويتم الاتجار بالانواع واستغلالها .
ان المخاطر العالمية مرتبطة بشكل مباشر بشح المنافع العامة العالمية مثل التحكم بالامراض والمناخ المستقر والتنوع البيئي والغابات السليمة بالإضافة الى الاستخدام المفرط للموارد العالمية مثل الهواء النظيف والمياه.
لكن المفاجآت أصبحت من الأمور الاعتيادية فيما يتعلق بالأمور الأكثر أهمية بالنسبة لنا وهي الصحة والأمن والاستدامة وعليه يجب ان تكون اولوياتنا طويلة المدى هي تحسين توفير المنافع العامة العالمية وجعل مواردنا العالمية اكثر مرونة وصلابة وإيجاد وسائل للتخفيف من الصدمات الاقتصادية المحتومة.
وعليه وبينما يسعى صناع السياسات لتنشيط الاقتصاد ، فإن ثلاثة إصلاحات تعتبر ضرورية :
أولا: يتوجب على الحكومات إدماج حزم الإنقاذ المختلفة التي تصل قيمتها الى عدة تريليونات من الدولارات ضمن خطة انعاش صديقة للبيئة تتبع مبادئ جوهرية محددة. بادىء ذي بدء يتوجب على تلك الخطة ان تزيد من أسعار الكربون وذلك من اجل توجيه الاستثمارات العامة والخاصة نحو الطاقة المتجددة والمحافظة على البيئة . صحيح أن بعض الحكومات قد تعتبر أسعار الكربون كعقبات إضافية للاستثمار في الطرق والجسور ومحطات الطاقة ولكن استثمارات البنية التحتية بدون الحوافز المناسبة ستعزز سيطرة الاقتصاد عالي الكربون مما يجعل التعديلات المستقبلية اكثر تكلفة ان لم تكن مستحيلة .
في الوقت نفسه ، يتوجب على حكومات مجموعة العشرين استخدام سندات مدتها 50 سنة لتأسيس صندوق استثماري لتمويل المشروعات التي تستهدف تعزز الاستدامة والمرونة الاقتصادية. ان مثل ذلك الصندوق الذي تموله جميع الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي سيعكس التضامن السياسي ويحد من حالة الغموض مما يزيل عائق حيوي في وجه الابتكار والريادة . يتوجب على الصندوق تطبيق معايير استدامة واضحة وتوفير الائتمان بأسعار فائدة تقل عن السوق.
بالإضافة الى ذلك فإن على سلاسل التوريد العالمية استخدام التنوع الجغرافي وتراكم المخزون الاحتياطي لتصبح اكثر مرونة وصلابة في مواجهة أي كارثة طبيعية او جائحة وعلى وجه الخصوص فإن تصميم سلاسل التوريد يجب ان يتضمن اعتبارات الأمن والصحة والاستدامة للمساعدة في التحقق من توفير سلع وخدمات مرنة وآمنه ويمكن التعويل عليها مثل الطعام المحلي وإنتاج الطاقة النظيفة.
ان المجموعة الثانية من الإصلاحات يجب ان تركّز على تحقيق الازدهار للبشرية ضمن قيود الكوكب مما يعني تجنب التأثيرات الكارثية للاحتباس الحرية والتدهور البيئي وتفشي الأمراض ذات المصدر الحيواني. ان مثل تلك المقاربة سوف تعمل كذلك على تحسين جودة الهواء وتقلل بشكل كبير من اعداد الناس التي تفقد حياتها بشكل مبكر كل عام بسبب تلوث الهواء (حاليا يقدر العدد بحوالي سبعة ملايين ) . ان مثل هذه المقاربة ستحد كذلك من خطر الجفاف والفيضانات والحرائق وتفشي الامراض بالإضافة الى انعدام الامن الغذائي الذي عادة ما يصاحب مثل تلك الكوارث.
ان هذا يعني كسياسة ملموسة تبني اهداف علمية تتخطى موضوع الاحتباس الحراري. ان هدف اتفاقية باريس للمناخ بالابقاء على الاحتباس الحراري دون 1،5 درجة مئوية يجب ان يتم تعزيزه بالإهداف العالمية المتعلقة بوقف خسارة التنوع البيئي والإبقاء على الأنظمة البيئية لليابسة والمحيطات سليمة.
أخيرا، يجب تقوية إدارة الموارد العالمية وبينما الجو يعتبر مورد عالمي مشترك وذلك نظرا لإن سلوك بلد ما يؤثر على البلد الاخر فإن هذا ينطبق كذلك على تفاعلات البشر مع الحياة البرية والتي تزيد من احتمالية وقوع الأمراض ذات المصدر الحيواني وحتى نكون اكثر استعدادا لتفشي جائحة ما بالمستقبل ، نحتاج بشكل عاجل لتقوية قدرات المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة البيئي .
أما اليوم فإن المخاطر العالمية الكارثية المتعددة تتطلب عمل جماعي عاجل من قبل جميع البلدان وذلك حتى نكون وكلاء حقيقيين للكوكب بإكمله. ان هذا لا يعني طلب المستحيل ولكن الإقرار بإن صحة كل فرد ورفاهيته تعتمد على قدرتنا على احترام القيود التي يفرضها الكوكب وإدارة ما يخصنا جميعا بشكل صحيح.
بروجيكت سنديكيت
يوهان روكستروم : مدير معهد بوتسدام لأبحاث التأثير المناخي وأستاذ علوم نظام الأرض في جامعة بوتسدام
أوتمار إيدنهوفر: هو مدير وكبير الاقتصاديين في معهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية ، ومدير معهد ميركاتور للأبحاث حول المشاع العالمي وتغير المناخ ، وأستاذ اقتصاديات تغير المناخ في جامعة تكنيشيت برلين.