آفاق بيئية : عبد الله أزيكي
استغل الفراغ للاملاء عبر القلم واللسان، كما اترك الصمت والسكوت للبوح والكلام، واقول عن مغزى وأبعاد الكلام والصادق والبارع، ما قاله الخطيب في الإبداع في القول والخط والرسم والرقص… وفي الكتابة والموسيقى كلمة فيها المدح والتنويه والتشجيع. بدوري اوشح صدور النبلاء والاشراف بوسام التنويه والتشجيع على أقوالهم واقوالهن الطيبة، اقتطف منها العبارة التالية الحاملة للبيان عبر السمع والكلام والاستدلال منها:
العلم كنز فلا تفنى ذخائره والمرء مازاد علما زاد بالمرتب
العلم والعقل ما في الناس كلهم يزداد رفع الفتى قدرا بلا طلب
والعقل أفضل ما في الناس كلهم بالعقل ينجو الفتى من حومة الطلب
أحمل مشعل التقدير للعاقل والعالم، أو للعاقلة والعالمة لكونهما حملا المشعل من جهة، ولكونهما عرفا ذواتهما، كما في القولة التالية: “اعرف نفسك بنفسك”. باعتبارها تكشف لنا أهم قدرة الذات على إبراز مكوناتها الداخلية والباطنية المعرفية والمنهجية والاستدلالية. بالتالي أناقش محور الموضوع على ضوء العناصر التالية:
- الإنسان
- العودة إلى الذات
- الاختلاف والاتفاق (التوقيف والتوفيق)
- مقاومة الأزمة عبر اليقظة والحذر
- الإنسان
عرف الإنسان منذ أمد قديم التطور الحضاري والثقافي، كم عرف أزمات اقتصادية وسياسية كثيرة ومتنوعة. مع العلم أن بعض الناس هم فاعلوها (بوعي أو بدون وعي) في النشأة والتأسيس والمتابعة للاستفادة من الدمار والهجرة والمجاعة ماديا ومعنويا، أو للاستفادة إجرائيا من حالات الردود والنفسية (كالمازوخية أو السادية أو الصراع أو انفصام الشخصية…) المتعالية عبر السلوك المادي والمعنوي المنبعث من طرف الأفراد المتضررين في الحادثة (المباشر/ غير المباشر) (المدى القريب/ المدى البعيد) (المادي / المعنوي) ( الحضاري/ الثقافي)… أكد وعبر العلماء والباحثون والدارسون في مختلف المجالات عبر المواقع الإعلامية (السمعية/ البصرية) وعبر النشر (الكتاب/ المجلة/ الجريدة…)، وعبر رموز النقش (الحجر/ الخزف/ الصوف/ الحناء/ الصورة)، وعبر رموز الخط (الادب/ الفن/ الهندسة…)، وعبر رموز السرد والوصف (الحدث، الموقع/ المكان/ الزمان…). بالفعل أكد الباحثون والباحثات بأن الإنسان يتميز بالقناع المزدوج المتجسد في القناع[1] المعبر عن فعل الشر[2] ك (الانتقام/ الطرد/ السرقة/ النهب/ السلب/ الكذب/ التحريف/ التزييف/ الجمود/ الاحتقار… يلاحظ بأن هذه الصورة المأسوية قد سادت (وعي أو دون وعي) في ذهن المسيطر أو المهيمن، لإثبات حجة السيطرة والسيادة عمليا… أو القناع المعبر عن روح الانسنة[3] عن طريق صدق الموقف والرأي، لاعتبارهما يمثلان المطلب الضروري للامة والرأي الرسمي. بالتالي يتم استغلال ظاهرة انتشار فيروس الوباء اعلاميا للبحث عن أهم وسائل سعادة الإنسان، ليس عبر الحلم وإنما في الواقع المعاش وفي أنشطة الإنسان الثقافية والاجتماعية، وفي الدفاع عن كرامة الإنسان في ذاته ومكتسباته. وبالتالي يتم الدفاع عن روح العقدة الاجتماعية والعقائدية لدى الإنسان قصد إعلاء قيمة الخاصية الإنسانية خاصة وقيمة الحياة وجوديا ومعرفيا واخلاقيا.
- العودة إلى الذات
ساهم الحذر الصحي في إعادة توجيه مغزى أحد الأسئلة الضرورية لدى الإنسان بالضرورة… منها الأسئلة المرتبطة بمسألة الدراسة الابستمولوجية والفلسفة والتاريخية للذات على ضوء المقاربة الدياكرونية والمقاربة السانكرونية، قصد إبراز طبيعة ومقصد هذا المغزى لكشف مضامينه، ولتحديد محتوياته المعرفية والمنهجية وفق الاختيارات التالية: 1- الاختبار المعرفي: حسب هذه الحالة يسند للإنسان قيمة محمولاته الذاتية (الفكر/ السياسية/ الاخلاق/ الفن/ العلم…).
2- مساهمة الإنسان في إحداث التطور (السلبي والإيجابي) باستمرار للإنسان في مختلف المجالات.
3- مساهمة الإنسان في إحداث أو اغناء النقاش الصريح حول الذات والاخر والمجال والحقل.
4- مساهمة الإنسان في الأحداث التطورية (الكم والكيف) في الشغل والعمل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وفق متطلبات المجتمع المدني.
استغل الإنسان هذه الفرصة لطرح سؤال عن ذاته أولا وعن الخطة المختارة ثانية. بالفعل اعتبر الإنسان ذاته محمر البحث منذ القدم إلى الآن ولدى مختلف الاتجاهات المذهبية والعقائدية، وعبر مختلف التصريحات المدنية والحزبية والعسكرية والنظامية. اذكر منها النماذج التالية:
-التصريح الأرسطي[4]: استحضر في هذا التصريح فعالية الاستدلال المنطقي.
– تصريح الفارابي[5] (المسلم) وابن ميمون[6] (اليهودي): لإعادة اعتبار لفعالية العقل في تدبير وتسيير شأن الإنسان المسلم واليهودي معرفيا وعقائديا.
– تصريح ابن الوليد محمد ابن رشد[7]: إعادة قراءة الفلسفة اليونانية والفلسفة الشرقية، قراءة مغربية أندلسية. كما قام بإعادة تأسيس الأصول المعرفية والمبادئ المنهجية والاعتبارات الاستدلالية للفكر الفلسفي بالأندلس، مع تحقيق توازن بين العقل والشرع/ وبين الحق والواجب في تصور. وتحقيق تباين في تصور آخر حسب مستوى التكوين لدى الإنسان.
– تصريح محي الدين ابن عربي[8]: لإعادة اعتبار العلاقة الجدلية والتكاملية بين الفلسفة اليونانية (أرسطو وأفلاطون) والفكر التصوفي لإعادة صياغة فلسفيا المبادئ المنهجية والأصولية المعرفية بالأندلس خاصة والمغرب العربي عامة. كما ارجع النواة الأصلية لجميع الموجودات وبجميع أشكال مظاهرها الجوهرية لجوهر واحد، ونواة واحدة، ومصدر واحد، ولحقيقة واحدة.
– تصريح ديكارت[9]: لإعادة اعتبار فعالية الاستدلال والتقويم للعقل، لتصحيح بعض النماذج ودلالة بعض المفاهيم السائدة في المجتمع الفرنسي والأوربي في القرن 17م. وإعادة بناء القاعدة المنهجية للاستدلال البرهاني للشك. حيث يتم استحضار فعالية العقل في الرغبة والتقويم. إثبات فعالية الحقيقة الواضحة في المعرفة الفلسفية كما المعرفة العلمية.
–تصريح هوسول[10]: لإعادة الاعتبار إلى الحدس الذهني عبر الفلسفة الظاهراتية (الطرح الفينومينولوجي) لاقرار المنهاج الفلسفي الناجح، ودراسة الظواهر وجواهرها، واكتشاف الماهية الثابتة للموضوعات والمعطيات.
– تصريح كارل ياسبرس[11]: لاعتبار العلاقة الجدلية بين الفلسفة والإنسان، لأن هذا الاخير لا يستطيع أن يستغني عن الفلسفة لاعتبارها تساهم في البحث عن الحقيقة لا امتلاكها.
–تصريح ميشل فوكو[12]: إعادة الاعتبار للعلاقة القائمة بين السلطة والمعرفة المحددة أصلا على أساس الاختلاف، وعلى أساس التكامل والوحدة لضمان مكانة مريحة. كما هو الشأن في العلوم الإنسانية.
تمثل هذه النماذج السابقة، نموذج التصريح الفلسفي من طرف بعض الفلاسفة. كما تمثل نموذج التأمل والتفكير للذات حول موضوع البحث والدراسة، والأنماط المعرفية والمنهجية السائدة لأجل إعادة تحديد مجالها من مجال مغلق إلى مجال منفتح، مع إلتزام بالطابع الخاص للذات خاصة والإنسان عامة.
على أي يحمل الإنسان في ذاته (بوعي أو بدون وعي) قوة فاعلة وأساسية كالمعرفة كما هو في الاتجاه الغنوصي والاتجاه العقلي/ المنطق باعتباره يشكل القاعدة الأساسية في الاستدلال سواء الفكر اليهودي، والفكر الإسلامي والفكر المسيحي/ الفكر في العقل والعلم والفلسفة والحجة/ الفكر الروحي كالفكر الصوفي، والنزعة المثالية/ الفكر في الحس والتجربة والخبرة التطبيقية، العلم والفلسفة/ النفس في علم النفس/ السلوك في العملية التعليمية الاقتصاد، علم الاجتماع، الانتروبولوجيا، علم النفس…
عبر الاختبار الخاص للقوة الفاعلة يتم تحديد نوعية الاتجاه الفسلفي والاتجاه العلمي المختار حول فعالية القوة المختارة لدى الإنسان.
- التوقيف والتوفيق
من أهم النتائج المستخلصة في تحقيق توازن بين المتعارضات كالاختلاف والاتفاق/ التوقيف والتوفيق/ التعدد والوحدة/ التنافر والتكامل/ العداوة والتسامح/ التباين والشراكة. لتحقيق جوهر التركيب المركب والمزدوج للحالة، ومظاهر الظاهرة الإنسانية حسب طبيعة القياس والاعتبار بين المظهر الظاهري والشكلي والخصلة الباطنية الجوهرية. اثر هذا التركيب يتم تحقيق توازن بين الأهداف الخاصة والأهداف العامة لدى الفرد والجماعة.
- مقاومة الأزمة عبر اليقظة والحذر
إذا تمت مقاومة الأزمة المتوالدة عبر اعتبار طبيعي كالجراد والجفاف وغزارة المطر والرياح الهائجة… أو عبر اعتبار ثقافي وحضاري كالحرب والقرصنة والهيمنة والسيادة… والديمقراطية والديكتاتورية (النظام المدني والنظام العسكري) برزت وتشكلت هذه النماذج عمليا، حينما يفقد التوازن بين الذات والاخر/ بين المنطلق والمقصد/ بين المقدمة والنتيجة/ بين الاعتبار النظري والممارسة العملية للنظرية أو القانون. كما يتم مقاومة الأزمة بمضاداتها كالصبر والوعي والضمير، بالتالي يتم تحقيق توازن بين المبادئ الضرورية، وتحقيق الفعالية الإجرائية لسمات وخصال الشخصية العضوية، بالتالي يتم اكتساب خصلة الوعي السليم، وخصلة الضمير الخالص، لكونهما تخلصا من جميع مبادئ الأهداف الزائفة والمقاصد الكاذبة.
اخيرا بهذه الخصلة يتم تأسيس مبادئ الشخصية العضوية، ومقاومة مبادئ الشخصية الزائفة، قصد تمييز معلمة الوعي العضوي عم معلمة الوعي الزائف في الذات خاصة والإنسان عامة.
أكادير في 2020/04/03
——————————-
1- ليس فوق خشبة المسرح او الحلقة، وإنما في الواقع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا
2-موقف جان جاك روسو
3-اذكر من بعض مبادرة فلاسفة اليونان كطاليس واكزانوفا وسقراط وأفلاطون وارسطو و أفلوطين، وفلاسفة العصر الوسيط (المسلمون والمسيحية واليهود) والمتصوفة وفلاسفة العصر الحديث منهم ديكارت/ هويز/ جون لوك/ لبنتز كانط/ روسو/ ستوارت ميل/ ماركس/ هيجل/ نيتشه/ سبنسر وفلاسفة العصر المعاصر هوسول/ برغسون/ ياسبرر/ سارتر…
– 4-ارسطو (384 ق م- 3220 ق م)
5-الفارابي (873م- 953م)
6- ابن ميمون موسى (1135م- 1199م)
7- ابن رشد (1126م- 1198م)
8-ابن عربي (1165م- 1240م)
9-ديكارت (1596م- 1650م)