آفاق بيئية : د. محمد عبد الرءوف
من المعروف أن صوم شهر رمضان يعني الامتناع عن الطعام والشراب والجنس من الفجر وحتي غروب الشمس، وكذلك الإكثار من العبادات والأعمال الصالحة كالصلاة، والصدقة، ومساعدة الآخرين وغيرها. وما سبق هو الجزء السهل من
الصيام،أما السلوكيات المسؤولة من المسلم تجاه المجتمع والبيئة خلال شهر رمضان هو أمر بالغ الأهمية وضروري لصحة وقبول الصيام إن شاء الله.
في الواقع، يوفر هذا الشهر الكريم فرصة حقيقية لغرس التغيير الإيجابي في موقفنا تجاه البيئة. ودون شك، إن إعتماد إسلوب حياة صديقة للبيئة بشكل عام وخاصة خلال شهر رمضان ليس مسؤولية إجتماعية فحسب، ولكن أيضا واجب ديني حيث أن وجود ورفاه الإنسان يعتمد على البيئة الصحية.
في عقيدة الإسلام، الإنسان هو خليفة الله في الأرض وهو الحارس المسؤول أساساً عن تحسين نوعية الحياة وضمان بيئة صحية. وهذا يعنى أحقية الأجيال المتعاقبة في الانتفاع بالموارد الطبيعية وضرورة أن يحفظ الجيل الحالى للأجيال التي بعده حقها في الانتفاع بالأرض ومواردها السليمة غير الملوثة أو المهدرة بما يضمن تحقيق التنمية المستدامة.يقول الحق سبحانه وتعالي في كتابه الكريم: ” إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” (سورة البقرة 30).وكما قال تعالى: “وهو الذي جعلكم خلائف الأرض” (الأنعام 165).
البصمة البيئية
ظهر مفهوم “البصمة البيئية” حديثاً، في العلوم البيئية، ويستخدم لتحديد المساحة من الأرض والكمية من المياه والتي يحتاجها البشر نظرياً لتوفير الموارد اللازمة لهم وإستيعاب النفايات والإنبعاثات المختلفة، في ضوء التكنولوجيا المتاحة السائدة.
ويستخدم حالياً على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم كمؤشر للاستدامة البيئية. ويمكن إستخدامه لقياس وإدارة استخدام الموارد في كافة مناحي الاقتصاد لدولة ما. كما يستخدم لمعرفة مدي استدامة أنماط الحياة الفردية والسلع والخدمات والمنظمات والقطاعات والأقاليم والدول.
وفكرة البصمة البيئية بالفعل متجذرة في الثقافة والقيم الإسلامية، يقول الحق سبحانه وتعالي “إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ “(سورة يس12).، أى كل يفعله الإنسان من حسن أو سيء التي كان سببًا فيها في حياته وبعد مماته، وهذه تشمل الأثر البيئى (البصمة البيئية) بالطبع!كما هناك العديد من الآيات القرآنية وكذا السنة النبوية التي تحث المسلمين على تقليل البصمة وتطلب منهم أن يعيشواعلى الأرض برفق وبدون تجبر أو استكبار. حيث يصف القرآن المؤمنين من الله بأنهم “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا” (الفرقان:63).
وعندما سئلت السيدة عائشة، زوجة النبي صلي الله عليه وسلم، عما إعتاده النبي أثناء عيشته في منزله،قالت انه كان يصلح حذائه بنفسه ويخيط ملابسه ويقوم بكافة المهام المنزلية. وربما الفكرة من وراء هذا لإظهار للمسلمين أن إعادة الاستخدام وإصلاح الأشياء بدلا من شراء الجديد هي علامة على القصد في إستخدام الموارد مما يقلل البصمة البيئية، ونحن في السيطرة على ما نستهلكه، ونحن لسنا في حاجة أكثر من ذلك.
بالطبع، كل شخص بيده السيطرة على ما يستخدمه، وما يأكله، وما يفعله، وإلي أين يذهب…الخ. كل شخص سيترك بصمة بيئية. والبصمة البيئية الخاصة بك في كلمات بسيطة تتعلق الاستهلاك الخاص وما تسببه من نفايات. وكذلك من انبعاثات في الحياة باستخدام الطاقة، ولا سيما الوقود الأحفوري، من خلال وسائل النقل، واستخدام الكهرباء وإستهلاك المواد الغذائية، والملابس التي تحتاج إلى النقل والأسمدة وما إلي ذلك.
لذا يجب على المسلمين إغتنام فرصة شهر رمضان المبارك كوقت للتقليل، على سبيل المثال، من الإنبعاثات الكربونية (البصمة الكربونية) طريق إعادة التدوير، إستخدام وسائل نقل صديقة للبيئة وذلك باستخدام وسائل النقل العام والمترو والدراجات الهوائية قدر الإمكان. وتخفيض استهلاك الطاقة والمياه، وكذا الاستثمار في الطاقة النظيفة.
أيضا، نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كثير من أنماط الاستهلاك الحالية لدينا من وجهة نظر الإستدامة. وبعبارة أخرى، يجب علينا تخضير إستهلاكنا، وهو ما يعني القيام بالأشياء التي تحمي البيئة ومواردها وفعل الأنشطة المختلفة التي تأخذ بعين الاعتبار المباديء البيئية كالقدرة الاستيعابية والبصمة البيئية.
على المسلمين أن يذهب فكرهم أبعد من مجرد الصيام، والنظر حقا في عواقب أوسع من المسؤوليات المسلمين تجاه الأرض والإنسانية. ولذلك، فإن شهر رمضان هو فرصة ذهبية لتخفيض البصمة البيئية من خلال الأعمال غير المسرفة، وغير الملوثة أو المستنرفة للموارد. فالحد من البصمة البيئية يعني ببساطة تحسين نوعية الحياة وتحقيق التنمية المستدامة.
رمضان مبارك للجميع!
د. محمد عبد الرءوف: المنسق العالمى للمجتمع المدنى لمجموعة البحث العلمى التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة