تقرير عربي غير مسبوق يكشف خطورة “المواد الكيميائية الأبدية” في البيئة

محمد التفراوتيمنذ ساعتينآخر تحديث :
تقرير عربي غير مسبوق يكشف خطورة “المواد الكيميائية الأبدية” في البيئة

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

في زمن تتصاعد فيه المخاطر البيئية غير المرئية، وتتحول المواد الكيميائية إلى “تهديد صامت” يتسلل إلى حياتنا اليومية عبر الهواء والماء والغذاء، يأتي هذا التقرير العربي الأول ليكسر حاجز الصمت العلمي في المنطقة.
فبينما تتكاثف الأبحاث في العالم حول ما يعرف بـ «المواد الكيميائية الأبدية» (PFAS)، ظل الواقع العربي يفتقر إلى دراسة شاملة توثق حجم المشكلة وتكشف خيوطها الدقيقة.

واليوم، تطلق الشبكة العربية للتصدي للملوثات البيئية الناشئة (EPN) تقريرها التقني الأول، لتضع العلم العربي في قلب معركة بيئية عالمية، عنوانها، حماية الإنسان والطبيعة من خطر لا يرى… لكنه يهدد الجميع.

في خطوة علمية رائدة على مستوى المنطقة، أطلقت الشبكة العربية للتصدي للملوثات البيئية الناشئة (EPN)، التابعة لـ المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا (ASTF)، تقريرها التقني الأول حول التلوث البيئي بمركبات البير والبولي فلوروألكيل (PFAS)، المعروفة عالميا باسم “المواد الكيميائية الأبدية”.
ويعد هذا التقرير الوحيد من نوعه عربيا الذي يرصد واقع الملوثات البيئية الأبدية في المنطقة، مؤكدا الحاجة الماسة إلى تعزيز القدرات البحثية والمؤسساتية لمواجهة هذا الخطر الصامت.

ملوثات لا تزول.. وخطر يتسلل بصمت

تتمثل خطورة هذه المركبات في ثباتها الشديد في البيئة ومقاومتها لعمليات التحلل الحيوي أو الكيميائي، ما يجعلها تنتشر خفية في الهواء والماء والغذاء. ومع مرور الوقت، تتراكم في أنسجة الكائنات الحية مسببة تأثيرات سامة متعددة تشمل اضطرابات في الجهاز العصبي وتلفا في الأعضاء الحيوية، نظرا لقدرتها على اختراق الحاجز الدموي الدماغي والتراكم في أنسجة الدماغ.
وتتواجد هذه المواد في العديد من المنتجات اليومية مثل أدوات الطهي غير اللاصقة وعبوات الأغذية والأقمشة المقاومة للماء والبقع، والدهانات ورغوات مكافحة الحرائق، مما يجعلها قريبة من الإنسان أكثر مما يتوقع.

غياب البنية البحثية المحلية

أوضح الدكتور عادل الغيثي، رئيس الشبكة وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير، أن حجم الأبحاث العربية حول هذه المركبات لا يتجاوز 13 دراسة علمية فقط، وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بالمئات من الدراسات في أوروبا وأمريكا الشمالية.

وأضاف أن معظم العينات البيئية والبيولوجية في العالم العربي ترسل إلى مختبرات خارجية في ألمانيا والسويد والولايات المتحدة لتحليلها، ما يبرز الحاجة الملحة إلى تأسيس مختبرات محلية متقدمة تستخدم تقنيات تحليلية دقيقة مثل “LC-MS/MS” والتحليل غير الموجه.

إمكانات عربية واعدة لمواجهة التحدي

وفي هذا السياق، أكد الدكتور عبد الله النجار، رئيس مجلس إدارة المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، أن هذا التقرير “لا يكتفي بالكشف عن حجم المخاطر، بل يفتح المجال للاستفادة من الإمكانيات الواعدة في المنطقة العربية”، من خلال توظيف الكفاءات البشرية وتعزيز التعاون البحثي والتمويلي، وتوسيع الشراكات مع الهيئات المحلية والدولية. وأضاف أن المؤسسة، التي تضم أكثر من 50 ألف عالم ومبتكر عربي، تعمل منذ تأسيسها عام 2000 في إمارة الشارقة على تحويل الطاقات العربية إلى إنجازات علمية مؤثرة، تسهم في رسم مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.

رؤية عربية مشتركة لحماية البيئة

جاء إعداد التقرير بمشاركة نحو ثلاثين متخصصا عربيا من مختلف الدول، بإشراف المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، في إطار جهودها الرامية إلى تمكين الباحثين العرب وتفعيل دور العلم في خدمة المجتمع، وتطوير حلول عملية مستدامة للتحديات البيئية المتنامية.
وتعد الشبكة العربية للتصدي للملوثات البيئية الناشئة (EPN)، التي تأسست في أبريل 2025، منصة علمية متخصصة تهدف إلى تعزيز المعرفة والابتكار في مواجهة الملوثات الناشئة مثل مركبات (PFAS) والمواد الدوائية ومنتجات العناية الشخصية (PPCPs) والجسيمات البلاستيكية الدقيقة (MPs)، بما يسهم في بناء مستقبل بيئي أكثر أمانا وصحة للمنطقة العربية.

يعد هذا التقرير خطوة عربية جريئة نحو الوعي البيئي العميق والعمل العلمي المنهجي، إذ لا يكتفي بتشخيص المشكلة، بل يفتح الباب واسعا أمام تعاون علمي عربي مشترك لبناء القدرات والتحاليل المحلية، وإطلاق أبحاث تواكب المعايير الدولية.
إن مواجهة “الملوثات الأبدية” بات ضرورة وجودية تفرضها مسؤوليتنا تجاه الإنسان والبيئة والمستقبل.
فكما قال أحد الخبراء المشاركين في التقرير: «ربما لا نرى هذه الملوثات بأعيننا، لكن أثرها يسكن أجسادنا جميعا».
ومن هنا، يبدأ التحدي… تحدي الوعي، وتحدي الفعل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!