خطة التنمية لما بعد 2015 تحقيق للتنمية المستدامة والسلام والرخاء

محمد التفراوتي31 مايو 2013آخر تحديث :
خطة التنمية لما بعد 2015 تحقيق للتنمية المستدامة والسلام والرخاء

مفهوم-الفقر

“تتمثل رؤيتنا ومسؤوليتنا في القضاء على الفقر المدقع بجميع أشكاله في سياق التنمية المستدامة”

اجتمع الفريق على روح من التفاؤل والاحترام العميق للأهداف الإنمائية للألفية. فقد شهدت الأعوام الثلاثة عشر المنقضية من الألفية أسرع حدٍ من الفقر في تاريخ البشرية: هناك حوالي نصف مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر الدولي (1.25 دولار في اليوم). حيث انخفضت معدلات وفيات الأطفال بنسبة تزيد على 30٪، مع الحفاظ على حياة نحو ثلاثة ملايين طفل كل سنة مقارنة بعام 2000. كما تراجعت الوفيات الناجمة عن الملاريا بمقدار الربع. وقد كان الدافع لهذا التقدم غير المسبوق حزمة من النمو الاقتصادي، وتحسين السياسات، والالتزام العالمي بالأهداف الإنمائية للألفية، والتي أطلقت صرخة إلهام للعالم بأسره.

ونظراً لهذا النجاح الباهر، فإنه سيكون من الخطأ تمزيق الأهداف الإنمائية للألفية ببساطة والبدء من نقطة الصفر. فكما اتفق قادة العالم في “ريو” في عام 2012، يجب أن ترتكز الغايات والأهداف الجديدة على احترام جميع حقوق الإنسان، وإنجاز المهمة التي بدأتها الأهداف الإنمائية للألفية، والتي يعد الهدف الأساسي فيها هو القضاء على الفقر المدقع من على وجه الأرض بحلول عام 2030. هذا ما وعد به القادة مراراً وتكراراً على مر التاريخ. واليوم، يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع.

لذا ينبغي على خطة التنمية الجديدة المضي قدماً في حمل روح “إعلان الألفية” إلى جانب أفضل الأهداف الإنمائية للألفية، مع التركيز عملياً على قضايا مثل الفقر، والجوع، والمياه، والصرف الصحي، والتعليم، والرعاية الصحية. ولكي تتحقق رؤيتنا في تعزيز التنمية المستدامة، يجب أن نذهب لأبعد من الأهداف الإنمائية للألفية، حيث أنها لم تركز بما فيه الكفاية على الوصول إلى أشد الناس فقراً واستبعاداً. فقد ظلت الأهداف الإنمائية للألفية صامتة تجاه الآثار المدمرة للصراع والعنف على التنمية، فلم تشتمل على أهمية تطوير المؤسسات التي تضمن سيادة القانون، أو حرية التعبير، أو حكومة منفتحة وخاضعة للمساءلة، ولا الحاجة إلى النمو الشامل لتوفير فرص عمل. والأكثر خطورة، أن الأهداف الإنمائية للألفية عجزت عن إدماج الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة على النحو المتصوَّر في إعلان الألفية. وكانت النتيجة أنه لم يتم الجمع بين البيئة والتنمية على نحو سليم. فكان الناس يعملون بجد – ولكن في كثيرٍ من الأحيان كل على حدة – على المشاكل المترابطة.

لذلك سأل الفريق بعض الأسئلة البسيطة: بدءًا من الأهداف الإنمائية للألفية الحالية، أي الأشياء يجب الإبقاء عليها؟ وما الذي يجب تعديله؟ وما الذي يمكن إضافته؟ وفي محاولة للإجابة على هذه الأسئلة، استمعنا إلى وجهات نظر النساء والشباب والبرلمانيين والمنظمات الشعبية والخبراء ورجال الأعمال والحكومات. والأهم من ذلك، استمعنا مباشرةً إلى أصوات مئات الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم، في الاجتماعات وجهًا لوجه ومن خلال الدراسات الاستقصائية والمقابلات المجتمعية، وكذلك بالاقتراع عبر الهواتف المحمولة والإنترنت.

أخذنا بعين الاعتبار التغييرات الهائلة في العالم منذ عام 2000 والتغييرات التي من المرجح أن تتكشف بحلول عام 2030. حيث زاد عدد سكان العالم مليار شخص اليوم، مع العدد البالغ سبعة مليارات، ومليار آخر متوقع بحلول عام 2030. فأكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في المدن. والاستثمار الخاص في البلدان النامية الآن قزَّم تدفق المساعدات. كما ارتفع عدد اشتراكات الهاتف المحمول من أقل من مليار إلى أكثر من ستة مليارات. وبفضل الإنترنت، أصبح طلب الأعمال أو المعلومات في الجانب الآخر من العالم أمراً روتينياً بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك ما يزال هناك نوع من عدم المساواة وعدم إتاحة الفرص للجميع، فاستهلاك 1.2 مليار من أفقر سكان العالم يمثِّل 1 في المائة فقط من إجمالي الاستهلاك العالمي، بينما يمثل استهلاك المليار شخص الأكثر ثراءً 72 في المائة. كما أن هناك تهديدات جديدة، حيث زادت الأدلة العلمية التي تثبت التهديد المباشر الناتج عن تغير المناخ. فأصبحت الضغوط الناجمة عن أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدام واضحة في مجالات مثل إزالة الغابات، وندرة المياه، والنفايات الغذائية، وانبعاثات الكربون المرتفعة. كما ارتفعت الخسائر الناجمة عن الظواهر المناخية الشديدة – بما في ذلك الجفاف والفيضانات والعواصف –  بمعدلات تنذر بالخطر.

قطع المشاركون شوطاً في التفكير في هذه الاتجاهات والقضايا ومناقشتها معاً.

في اجتماعنا الأول في نيويورك عهد إلينا الأمين العام بالوصول إلى رؤية واضحة وعملية للتنمية لما بعد عام 2015.

وفي لندن ناقشنا فقر الأسرة: الواقع اليومي للحياة على هامش البقاء على قيد الحياة. وأخذنا بعين الاعتبار العديد من أبعاد الفقر، بما في ذلك المطالبة بمزيدٍ من العدالة، وتحسين المساءلة، ووضع حد للعنف ضد المرأة. كما سمعنا قصصاً ملهمة عن كيفية إيجاد الأفراد والمجتمعات طريقها نحو الازدهار.

في مونروڤيا، تحدثنا عن التحول الاقتصادي واللبنات الأساسية اللازمة للنمو والتي من شأنها توفير الإدماج الاجتماعي واحترام البيئة: كيفية تسخير براعة وديناميكية الأعمال التجارية من أجل التنمية المستدامة. وشاهدنا بأنفسنا التقدم الاستثنائي الذي يمكن تحقيقه عندما يكون لدى بلد دمرته الصراعات القدرة على بناء الأمن والسلام.

في بالي، اتفقنا على عناصر شراكة عالمية جديدة لجدول أعمال يرتكز على الشعوب ومراعاة كوكب الأرض، وذلك استناداً إلى مبدأ إنسانيتنا المشتركة. كما اتفقنا على دفع الدول الغنية للوفاء بجانبها من الصفقة – من خلال تقدير التزامها بتقديم المساعدات، وعبر إصلاح سياسات التجارة والضرائب والشفافية لتشجيع الاستثمار الخاص، وعادة ما يكون ذلك من مصادر جديدة. واتفقنا أيضاً على أن البلدان النامية قد فعلت الكثير لتمويل تنميتها، وسوف تكون قادرة على بذل المزيد من الجهد مع ارتفاع الدخل. وقبل كل شيء، فقد اتفقنا على أن الرؤية الجديدة يجب أن تكون عالمية: تقدم الأمل – ولكن أيضاً تستلزم تحمل مسؤوليات- لكل شخص في العالم.

تركتنا هذه الاجتماعات والمشاورات مفعمين بالحيوية، وملهمين، ومقتنعين بالحاجة إلى نموذج جديد. إننا نرى أن بقاء الأمور على حالها ليست خياراً. وقد خلصنا إلى أن خطة ما بعد عام 2015 هي خطة عالمية، وأنها يجب أن تقوم بدفع خمس نقلات تحويلية كبرى، لأن هذا هو الإجراء الذكي السليم الذي ينبغي القيام به:

1-       عدم تجاهل أحد. يجب أن نفي بالوعد الأصلي للأهداف الإنمائية للألفية وأن ننجز المهمة الآن. وبعد عام 2015، سيكون علينا أن ننتقل من مجرد الحد من الفقر المدقع بجميع أشكاله إلى القضاء عليه نهائيًا. ويجب أن نضمن عدم حرمان أي شخص من أبسط الفرص الاقتصادية وحقوق الإنسان على أساس العرق أو الجنس أو الجغرافيا أو العَجز، أو غير ذلك من الأسباب. ينبغي أن نضع أهدافاً تركز على الوصول إلى الفئات المستبعدة، على سبيل المثال عن طريق التأكد من تتبع التقدم على جميع مستويات الدخل. إن بإمكاننا أن نكون أول جيل في تاريخ البشرية يقضي على الجوع ويضمن تحقيق المعيار الأساسي للرفاهية لكل مواطن. لا مكان للأعذار. إنها خطة عالمية يجب أن يتقبل فيها كل فرد قدره المناسب من المسؤولية.

2-  تسليط الضوء على التنمية المستدامة. لمدة عشرين عاماً شجع المجتمع الدولي على تكامل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للاستدامة، ولكن لم تتمكن أي دولة من تحقيق ذلك بعد. يجب علينا أن نعمل الآن على وقف وتيرة تغير المناخ والتدهور البيئي المقلقة، والتي تشكل تهديداً غير مسبوق للبشرية. كما يجب علينا جلب المزيد من الإدماج الاجتماعي. إنه تحدٍ عالمي لكل بلد ولكل فرد على وجه الأرض. وسوف يتطلب ذلك تغييراً هيكلياً مع توفير حلول جديدة، ولكنه سيوفر فرصاً جديدة. وللدول المتقدمة دور خاص في تعزيز التكنولوجيا الحديثة والحد من الاستهلاك غير المستدام. حيث أن الكثير من كبرى الشركات في العالم تقود بالفعل هذا التحول إلى الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر. إن بإمكاننا القضاء على الفقر بلا رجعة وتلبية تطلعات ثمانية مليارات نسمة في عام 2030، فقط من خلال الجمع بين العمل الاجتماعي والاقتصادي والبيئي.

 3-    تحويل الاقتصادات نحو الوظائف والنمو الشامل. نحن ندعو لقفزة نوعية إلى الأمام في الفرص الاقتصادية والتحول الاقتصادي العميق للقضاء على الفقر المدقع وتحسين سبل العيش. ويعني هذا حدوث تحول سريع إلى أنماط مستدامة من الاستهلاك والإنتاج، أي تسخير الابتكار والتكنولوجيا وإمكانات قطاع الأعمال الخاص لخلق المزيد من القيمة ودفع عجلة النمو الشامل والمستدام. ويمكن للاقتصادات المتنوعة مدعومة بتكافؤ الفرص للجميع إطلاق العنان للديناميكية التي تخلق فرص العمل وسبل العيش خصوصًا للشباب والنساء. هذا هو التحدي الذي يواجه كل بلد على وجه الأرض: ضمان فرص عمل جيدة أثناء الانتقال إلى أنماط مستدامة من العمل والحياة، والتي ستكون ضرورية في عالم الموارد الطبيعية المحدودة. يجب علينا أن نضمن لكل فرد ما يحتاجه للنمو والازدهار، بما في ذلك الحصول على التعليم الجيد والمهارات والرعاية الصحية، والمياه النظيفة والكهرباء والنقل. كما ينبغي أن نجعل الاستثمار والتجارة أمراً ميسوراً للناس، مستفيدين من التوسع العمراني السريع: فالمدن هي محركات الإبداع والتجارة حول العالم. ومع الإدارة الجيدة، يمكن لهذه البلدان توفير فرص العمل والأمل والنمو أثناء سعيها نحو بناء الاستدامة.

4-  إحلال السلام وبناء مؤسسات فاعلة ومفتوحة وخاضعة للمساءلة للجميع. إن التحرر من الخوف والصراع والعنف هو أهم استحقاق للإنسان، وهو الركيزة الأساسية لبناء مجتمعات سلمية ومزدهرة. وفي الوقت ذاته يتوقع الناس حول العالم من حكوماتهم أن تكون على قدر من الأمانة والمسؤولية، وأن تستجيب لمطالبهم. إننا ندعو إلى تحول جوهري – للاعتراف بالسلام والحكم الرشيد عنصراً أساسياً للرفاهية – وليس خياراً إضافياً. إن هذه الخطة هي خطة عالمية بالنسبة للبلدان المتقدمة والنامية على حدٍ سواء. يجب على المؤسسات الشرعية والمستجيبة تشجيع سيادة القانون، وحقوق الملكية، وحرية التعبير والإعلام، وتبنِّي سياسية مفتوحة، وتحقيق العدالة، وتشكيل حكومة خاضعة للمساءلة. إننا بحاجة إلى ثورة للشفافية حتى يتسنى للمواطن أن يرى بالضبط أين يتم إنفاق الضرائب والمساعدات وعائدات الصناعات الاستخراجية وكيف يتم إنفاقها. وتمثل هذه النقاط الغايات كما تمثل الوسائل.

 5-        صياغة شراكة عالمية جديدة. يجب أن يكون خطة ما بعد عام 2015 مدعومة بروح جديدة من التضامن والتعاون والمساءلة المتبادلة. وينبغي أن تُبنى الشراكة الجديدة على فهم مشترك لإنسانيتنا المشتركة، وعلى أساس من الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة في عالم صغير. كما ينبغي أن تشمل هذه الشراكة المزيد من اللاعبينبحيث تضم الفقراء، وأصحاب الإعاقات، والنساء، والمجتمع المدني، والمجتمعات الأصلية والمحلية، والجماعات المهمشة تقليدياً، والمؤسسات متعددة الأطراف، والحكومات المحلية والوطنية، ومجتمع الأعمال، والأوساط الأكاديمية، والمؤسسات الخيرية الخاصة. ويجب أن تكون الأولويات التي تم تحديدها في خطة ما بعد عام 2015 مدعومة بشراكات ديناميكية بين هذه الجهات جميعاً. وعلاوة على ذلك، فقد حان الوقت للمجتمع الدولي لاستخدام آليات جديدة للعمل، وذلك بغرض تجاوز خطة المساعدات ووضع حلول لمشكلاته: لإنجاز خفض سريع في معدلات الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة وغسل الأموال والتهرب من الضرائب والملكية الخفية للأصول. ويجب علينا مناصرة التجارة الحرة النزيهة، ونقل التكنولوجيا، والاستقرار المالي. وحيث أن هذه الشراكة قد بُنيت على مبادئ إنسانية مشتركة واحترام متبادل، فإنه يتعين أيضاً أن تتمتع بروح جديدة وشفافية كاملة. يجب أن تخضع كل الأطراف المشاركة للمساءلة. كما يجب أن تكون هناك آلية رصد مستقلة وقوية يمكنها تقديم تقارير عن المنجزات وأوجه القصور.

من الرؤية إلى العمل. نحن نؤمن بأن هذه التغييرات الخمسة أمور أساسية، ولكن تأثيرها سوف يعتمد على كيفية ترجمتها إلى أولويات وإجراءات محددة. وقد أدركنا أن الرؤية ستكون ناقصة ما لم نقدم مجموعة من الأهداف والغايات التوضيحية لإظهار كيف يمكن التعبير عن هذه التغييرات التحويلية بعبارات دقيقة قابلة للقياس. وقد تم بيان هذا الإطار التوضيحي في الملحق الأول، مع شرح أكثر تفصيلاً في الملحق الثاني. ونحن نأمل أن تساعد هذه الأمثلة على تركيز الاهتمام وتحفيز النقاش.

إن الأهداف المقترحة أهداف تطمح إليها البشرية. وهي لن تكون ملزمة قانوناً، ولكن يمكن مراقبتها عن كثب. ويمكن تفصيل المؤشرات التي تتبعها لضمان شموليتها للجميع. ونحن نوصي بأن تكون الأهداف الجديدة مصحوبة بنظام رصد مستقل وصارم، مع وجود فرص منتظمة لمناقشة النتائج على مستوى سياسي عال. كما ندعو إلى ثورة بيانات من أجل التنمية المستدامة، مع مبادرة دولية جديدة لتحسين نوعية الإحصاءات والمعلومات المتاحة للمواطنين. يجب علينا أن نستفيد بكل نشاط من أنشطة التكنولوجيا الحديثة، ومن المصادر المتوفرة بشكلٍ كبير إلى جانب الاتصالات المتطورة في تزويد الأشخاص بالمعلومات حول التقدم الذي تم إحرازه في طريق تحقيق الأهداف.

يؤمن الفريق أن هذه التحولات الخمسة الأساسية – إجمالاً- يمكنها إزالة الحواجز التي تدفع الناس إلى الوراء، ووضع حد لعدم تكافؤ الفرص الذي يفسد حياة الكثيرين على كوكبنا. كما يمكنها – على المدى البعيد – تحقيق التكامل بين برامج عمل الفقر والبيئة بطريقة متماسكة وفاعلة ومستدامة. وقبل كل شيء، فنحن نأمل أن يكون بإمكانها أن تكون مصدر إلهام لجيل جديد يؤمن بأنه يمكن الوصول لعالم أفضل، وأن تدفعه للعمل وفقاً لذلك.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!