استغلال المعادن في الأعماق: قاع البحر بحاجة إلى قواعد

محمد التفراوتي10 يوليو 2025آخر تحديث :
استغلال المعادن في الأعماق: قاع البحر بحاجة إلى قواعد

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

نشرت ليتيسيا كارفاليو، الأمينة العامة للهيئة الدولية لقاع البحار (ISA)، مقالا افتتاحيا في مجلة The Economist البريطانية بتاريخ 10 يونيو 2025، تناولت فيه موضوعا بالغ الأهمية يتعلق بمستقبل استغلال المعادن في أعماق البحار، في ظل التوترات الدولية وتزايد الاهتمام بالموارد المعدنية البحرية كجزء من التحول نحو الطاقة الخضراء.

يتضمن المقال رؤية الهيئة الدولية لقاع البحار بشأن أهمية تطوير إطار تنظيمي دولي صارم وعادل لاستغلال هذه الموارد، محذرة من المخاطر البيئية والسياسية والاقتصادية في حال سلكت بعض الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، مسارات أحادية بعيدا عن التوافق الدولي وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS).

كما تدعو الكاتبة إلى التعاون الدولي لحماية أعماق البحار باعتبارها “تراثا مشتركا للبشرية”، وتؤكد على ضرورة التريث ووضع ضوابط علمية دقيقة تضمن العدالة والاستدامة، بدلا من التسرع الذي قد يؤدي إلى تكرار مآسي الاستغلال الجائر للموارد على اليابسة.

المقال كاملا مترجم إلى اللغة العربية 

مقال حديث في مجلة “The Economist” زعم أن الرئيس دونالد ترامب “على حق في السعي لاستخراج المعادن من أعماق البحار”، وأن الهيئة الدولية لقاع البحار (ISA)، وهي الجهة الحكومية الدولية المسؤولة عن تنظيم مثل هذه الأنشطة، يجب أن تسرع في استكمال الإطار القانوني اللازم. ومع اجتماع الحكومات وأصحاب المصلحة هذا الأسبوع في نيس، فرنسا، خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لمناقشة مستقبل المحيطات، يترقب العالم لفهم تداعيات الجدل المتصاعد حول استغلال المعادن في أعماق البحار.

بصفتي الأمينة العامة للهيئة الدولية لقاع البحار، أنا واثقة أننا نسير في الاتجاه الصحيح لوضع نظام تنظيمي قوي قائم على العلم، يضمن الحوكمة الفعالة لاستغلال الموارد المعدنية في أعماق البحار ويحمي البيئة البحرية. وهذا يتماشى مع جهود الدول الأعضاء في الهيئة التي وضعت خارطة طريق واضحة في عام 2023.

ما زلنا في المراحل الأولى. ومن المتوقع أن توفر أعماق البحار بعض المعادن التي تغذي الابتكارات التكنولوجية الحديثة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالتحول إلى الطاقة الخضراء. ومع ذلك، فإن الطلب على هذه المعادن يتغير باستمرار.

تأسست الهيئة الدولية لقاع البحار عام 1994، وقد واجهت انتقادات بسبب بطء إنجاز الإطار التنظيمي اللازم لتقييم وتنظيم الأنشطة في قاع البحار خارج حدود الولاية الوطنية. وأنا أتفهم هذا الإحباط، لكن هذا البطء يعكس ببساطة واقع التفاوض حول قضية معقدة في بيئة مليئة بالتحديات. وفقا للقانون الدولي، فإن قاع البحار لا يتبع لأي دولة أو شركة بعينها — بل هو تراث مشترك للبشرية. وإذا غفلنا عن هذا المبدأ، فإننا نخاطر بتكرار نفس مظاهر الظلم والدمار التي نحاول إصلاحها على اليابسة، ولكن هذه المرة في قاع المحيط.

الهيئة، التي تضم في عضويتها 169 دولة والاتحاد الأوروبي، تعمل على أساس التوافق، وهذا يتطلب وقتا. والهيئة ليست آلية لعرقلة التقدم، بل توجد لتمكين الأنشطة في أعماق البحار بطريقة مسؤولة وعادلة ومستدامة.

وقد سلط الأمر التنفيذي الأخير الصادر عن الإدارة الأمريكية، والذي يزعم حقها في إصدار تراخيص استغلال المعادن في المياه الدولية، الضوء على هذه القضية. وأنا أقدر الزخم الذي أضفاه هذا الأمر على النقاشات، فيما نواصل التزامنا بالحذر ووفقا للقانون.

نحن على أعتاب لحظة تاريخية — كما كنا قبل أكثر من 60 عاما عندما اجتمعت الدول، رغم التوترات العالمية والتهديد النووي، لصياغة “قانون البحار”، الذي يعد التزاما قائما على معاهدة للتعامل مع قاع البحر كتراث مشترك للبشرية. واليوم، تقودنا التقدمات التكنولوجية في استكشاف أعماق البحار إلى مشارف مغامرة جديدة — تتطلب أفضل ما في قدراتنا الجماعية.

ورغم أن الولايات المتحدة ليست طرفا رسميا في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، إلا أنها شاركت طويلا في مناقشات الهيئة. وتعد مساهمتها ذات أهمية خاصة في الوقت الحالي، فيما نسعى لإنهاء “مدونة استغلال المعادن” التي ستوجه عملية تطوير الموارد المعدنية في قاع البحار بطريقة مسؤولة، وهو طموح يتردد صداه أيضا في الأمر التنفيذي الأمريكي.

ويقول السيد ترامب إنه لا توجد دولة قادرة على تسريع استكشاف واستغلال معادن أعماق البحار مثل أمريكا، سواء من حيث التكنولوجيا أو التمويل، مع الالتزام بالممارسات المسؤولة. وإذا كان هذا صحيحا، فإنني أشجع إدارته على الانضمام إلى الدول الأعضاء في الهيئة والعمل معنا ضمن إطار UNCLOS، بدلا من السير في مسار أحادي يعرض التعاون الدولي للخطر ويقوض الاتفاقيات القائمة لتنظيم السلوك في أعالي البحار.

أنا أُقر بوجود سباق للوصول إلى المعادن، وهو ما يغذي هذه العجلة التي نشهدها اليوم. ولكن ضمان أن يكون هذا الوصول عادلا ومتوازنا أمر ضروري للاستقرار العالمي. ولإدراك خطورة ما هو على المحك، أشير إلى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة خلال مؤتمر هذا الأسبوع: “أنا أؤيد العمل الجاري للهيئة الدولية لقاع البحار في هذه القضية المهمة. لا يمكن أن تتحول أعماق البحار إلى الغرب الأمريكي المتوحش”.

ولا يجب السماح للمشاريع التجارية غير المختبرة والمعتمدة على تمويل ضعيف بأن تقوض هذه المهمة النبيلة، التي ستضع أعظم العقول في مجالات العلوم والتكنولوجيا والتمويل أمام اختبار حقيقي. كذلك، فإن تسريع التنمية خارج رقابة الهيئة يحمل مخاطر جدية، ليس فقط على البيئة، ولكن أيضا على البنية التحتية البحرية مثل التجارة والملاحة.

اليوم، يعتمد 95 في المائة من حركة الإنترنت والمعاملات المالية العالمية على كابلات بحرية تحت سطح البحر. وقد ظلت هذه الكابلات محمية من خلال أطر متعددة الأطراف تضمن حرية الملاحة، وتطبق الحدود البحرية، وتحل النزاعات. تقويض هذه الأطر عبر اتخاذ خطوات أحادية الجانب قد يؤدي إلى عواقب واسعة النطاق ومزعزعة للاستقرار.

والخطر لا يقتصر على البيئة فقط، بل يطال المستثمرين كذلك. فالمشاريع التي تنتهك القانون الدولي قد تواجه أضرارا على صعيد السمعة والمساءلة القانونية. والأسواق لا تزدهر في الفوضى، بل تحتاج إلى قابلية للتنبؤ، ويقين قانوني، وحوكمة قوية — وكلها أمور تعمل الهيئة على ضمانها. ويجب أن نضمن أن الجهات التي تتجه للتعدين في الأعماق تقوم بذلك بمسؤولية.

وسيتطلب استغلال المعادن المسؤول رقابة صارمة. فقاع البحر، حيث المراقبة والتفتيش معقدان للغاية، يتطلب نظاما تنظيميا متينا وعادلا. تعكس مسودة مدونة استغلال المعادن هذا الأمر، حيث تتضمن أحكاما صارمة تتعلق بالاجتهاد الواجب، والعلم، والتكنولوجيا، والضمانات، والمساءلة. ولا ينبغي النظر إلى دعوات بعض الدول الأعضاء لتأجيل الإقرار بهذه المدونة باعتبارها تعطيلا، بل كتصرف حكيم.

وفي ظل تصاعد التنافس على الوصول إلى أعماق البحار، يجب أن تستند القواعد التي تحكم هذا المجال إلى مبادئ العدالة والإنصاف والعلم. وأثق أنه عندما يجتمع أطراف الدول وأصحاب المصلحة الآخرون في “كينغستون”، جامايكا، في يوليو خلال اجتماع الجمعية العامة للهيئة، فإنهم سيعبرون عن قيم اتفاقية UNCLOS بواقعية، استنادا إلى أفضل العلوم المتوفرة. إنها مسؤولية مشتركة — تجاه البيئة، وتجاه بعضنا البعض، وتجاه الأجيال القادمة التي سترث نتائج القرارات التي نتخذها اليوم. وآمل أن تنضم إلينا الولايات المتحدة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!