أفريقيا ليست موقع اختبار للهندسة الجيولوجي

محمد التفراوتي1 يوليو 2025آخر تحديث :
أفريقيا ليست موقع اختبار للهندسة الجيولوجي

آفاق بيئية: تشوكوميريجي أوكيريكي* –  نيمو باسي*

بريستول/بنين سيتي ــ تعاني أفريقيا من بعض أسوأ عواقب أزمة المناخ التي لم تساهم في خلقها. فمع ارتفاع درجات الحرارة، وشذوذ أنماط هطول الأمطار، والجفاف، والفيضانات التي تدمر المجتمعات والأنظمة البيئية في مختلف أنحاء القارة، يعكف أولئك الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن الانحباس الحراري الكوكبي في الغرب على إعداد الخطط لاختبار حلول مناخية نظرية في بلدان أفريقية. هذه المقامرة بمستقبل القارة ــ والكوكب ــ عمل خطير من أعمال الظلم المناخي وإهانة للقادة الأفارقة، الذين أعرب كثيرون منهم علنا عن مخاوفهم بشأن الترويج لمثل هذه التكنولوجيات وتطبيعها.

لعل الأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج هو الجهود المتزايدة الرامية إلى دراسة وتنفيذ الهندسة الجيولوجية الشمسية (التي تُـعـرَف أيضا بمسمى تعديل الإشعاع الشمسي، أو SRM اختصارا)، وهي مجموعة من التكنولوجيات العالية الخطورة التي تسعى إلى عكس أشعة الشمس إلى الفضاء لتبريد الكوكب. هذه الاستراتيجية لا تعالج الأسباب الكامنة وراء تغير المناخ، كما أنها لا تقدم حلا طويل الأجل للتكيف. وهي بدلا من ذلك تعالج الأعراض بشكل مؤقت، بينما تتسبب في عواقب غير متوقعة ــ وربما كارثية.

الواقع أن المخاطر المرتبطة بالهندسة الجيولوجية الشمسية عميقة، وخاصة في أفريقيا المعرضة لتغير المناخ. فمن الممكن أن يتسبب تعديل الإشعاع الشمسي في تغيير أنماط هطول الأمطار وقد يتداخل مع الرياح الموسمية، وقد يُـفضي هذا إلى تعريض النظم الغذائية للخطر وقد يتسبب في نزوح المجتمعات المحلية وانهيار النظام البيئي. علاوة على ذلك، من الواضح أن احتمال قيام قوى خارجية باختبار مثل هذه التدخلات على نطاق الكوكب في بلدان أفريقية يردد أصداء كثير من التجارب الطبية، والزراعية، والاقتصادية الضارة على السود والمجتمعات المحلية على مر التاريخ.

في عموم الأمر، يثير اندفاع الشمال العالمي للتوسع في أبحاث الهندسة الجيولوجية الشمسية في الجنوب العالمي مخاوف جدية بشأن السلطة، والإنصاف، والعدالة في حوكمة المناخ على مستوى العالم ــ وخاصة بشأن من يضع أجندة البحث. صحيح أن بعض أكبر ممولي تكنولوجيا تعديل الإشعاع الشمسي على مستوى العالم أعلنوا التزامهم بإشراك العلماء الأفارقة في خلق المعرفة. ولكن من الضروري أن ندرك ما هي الجهات التي سيخدم مصالحها هذا المسار البحثي. يُـجـتَـذَبَ العلماء الأفارقة على نحو متزايد إلى مبادرات تمولها وتشكلها إلى حد كبير قوى فاعلة في الشمال العالمي. والنتيجة هي انعدام التناسق على نحو متزايد: حيث يوفر الباحثون الأفارقة المعرفة، والبيانات، والشرعية، لكن القرارات الحقيقية تُتخذ في مكان آخر.

إن أبحاث تعديل الإشعاع الشمسي ليست مجرد قضية علمية؛ فهي تثير تساؤلات معنوية، وأخلاقية وسياسية لا يجوز لنا أن نتجاهلها. هل من الجائز أن يُسمح لنا بالتلاعب بمنظم حرارة الأرض؟ من الذي يقرر أي مستويات التبريد قد يكون “آمنا”؟ كيف من الممكن اتخاذ قرارات مهمة دون آليات للمساءلة أو موافقة أولئك الأكثر تأثرا؟ من المسؤول إذا ساءت الأمور، أو ما إذا كانت العواقب عابرة للحدود؟ التساؤل الأكثر أهمية: من يتحكم بالتكنولوجيا ومن يتحمل تكاليفها؟

يجب أن ندرك أن تعديل الإشعاع الشمسي من غير الممكن أبدا أن يكون محايدا: إذ تؤثر هذه التكنولوجيا على أولويات السياسات، وتُـضفي الشرعية على استخدام أساليب بعينها، هذا فضلا عن تأثيراتها على أرض الواقع. إن إنفاق الأموال على دراسة تعديل الإشعاع الشمسي مع الامتناع عن الوفاء بالتزامات تمويل العمل المناخي أو التزامات صندوق الخسائر والأضرار الذي أُنشئ في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ عام 2022 في شرم الشيخ لا يخلو من قصر نظر خطير.

لقد حذرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن تدابير تعديل الإشعاع الشمسي “تواجه أشكال من انعدام اليقين وثغرات معرفية ضخمة، فضلا عن مخاطر كبرى”. وافقت اتفاقية التنوع البيولوجي في عام 2010 على وقف اختياري فعلي للعمل على الهندسة الجيولوجية الشمسية ــ وهو موقف أعادت تأكيده العام الماضي ــ اعترافا منها بالتهديدات الخطيرة التي تفرضها على التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية. وقد وقّع أكثر من 560 أكاديميا من أكثر من 67 دولة على رسالة مفتوحة تدعو إلى إبرام اتفاقية عدم استخدام دولية بشأن الهندسة الجيولوجية الشمسية. وقد أدى هذا إلى تحفيز حركة عالمية، حيث أيدت أكثر من 2000 من منظمات المجتمع المدني و4700 شخص العريضة.

وقد تُـتّـخَذ الهندسة الجيولوجية الشمسية أيضا ذريعة لمواصلة تأخير خفض الانبعاثات. فهي بخلق الوهم بوجود حل تكنولوجي، تسمح للحكومات والشركات بتجنب العمل الصعب المتمثل في تحويل أنظمة الطاقة وإنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري.

لا توجد طرق مختصرة للوصول إلى كوكب موفور الصحة. ومعالجة أزمة المناخ تتطلب تغييرا منهجيا والتركيز على الأشخاص الأكثر تضررا، ووضعهم في المقدمة كقادة للعمل المناخي وليس كمواضيع اختبار لتكنولوجيات نظرية. وقد بدأت أفريقيا بالفعل تفعل ذلك على وجه التحديد، من خلال تنفيذ حلول مناخية عادلة ومنصفة مثل الزراعة الإيكولوجية، والطاقة المتجددة، وجهود استعادة النظام البيئي والتكيف التي تقودها مجتمعات محلية.

إن الفكرة التي تتلخص في اعتبار الهندسة الجيولوجية الشمسية شرا لا بد منه أو الملاذ الأخير لكوكب يزداد سخونة لهي فكرة بعيدة كل البعد عن الحقيقة. بل هي استراتيجية خطيرة محتملة تستنزف التمويل والدعم من حلول حقيقية. أفريقيا ليست مختبرا، ولن نقف مكتوفي الأيدي بينما يتعرض مستقبل قارتنا للخطر. يتعين على الأفارقة أن يُـظـهِـروا القيادة والتضامن في رفض تكنولوجيات مناخية نظرية تخدم مصالح قِـلة على حساب كثرة.

 ترجمة: إبراهيم محمد علي        

*تشوكوميريجي أوكيريكي أستاذ الحوكمة العالمية في جامعة بريستول والمدير المشارك لمركز المناخ والتنمية في جامعة ألِكس إكويمي الفيدرالية في ندوفو أليكي.

*نيمو باسي مدير مؤسسة صحة أمنا الأرض.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!