بقلم /محمد يحي جهلان *
أنجبت الثورات العربية مولوداً ربيعياً اسمه ” الأمل ” طال انتظاره ؟؟.بالتأكيد..! لكن الأهم من ذلك انه وجد .. ليلغي تلك النظريات والمقولات التي كانت سائدة بأن الشعوب العربية عقيمة.. لا سبيل في شفائها ؟!هذه الثورات التي حملت شعار التغيير وان كان ظاهرها السياسية إلا أنها أوجدت الأمل في نفوس الأمة للسير قدما نحو الثورة الشاملة “سياسيا,اقتصاديا, ثقافية,اجتماعية ..اذكر هنا بالتحديد علاقة الثورة بقضايا الصحة والبيئة والتغيرات المناخية والمياه .
قد يرى البعض أن الربط بينها غريب بعض الشيء وان الوقت غير مناسب لإثارة هكذا قضايا فالكل يبحث الآن عن تسويات وبناء أنظمة وأحزاب سياسية جديدة وان مواضيع التلوث البيئي والصحة والمناخ أمور ثانوية لكن الأرقام والواقع للأسف يثبت عكس ذلك “سنوضح ذلك لحقا” .. أضف أن حجم الحدث والكيفية والأدوات التي أدير بها هي التي تقودنا لذلك الربط .
فقد تفاجاء العالم بالثورات العربية تحديدا ثورتي تونس ومصر وما قدمته من نماذج مثالية وهي بذلك قلبت الموازين الذي ظل الغرب والقوى الدولية يقيس بها الشعوب وماهية الفرد العربي الذي كان يعتبر كائن فوضوي عبثي خامل لا يستطيع تنظيم نفسه و لا يحترم القوانين والأنظمة ..لتأتي الثورات وتثبت عكس ذلك فالشباب والعلم والتكنولوجيا كانت أهم الأسس التي قامت عليها لتصبح ثورات عقول وأدمغة تنظر إلى المستقبل بشكل يختلف كليا عن أنظمتها المتهالكة التي كان الغرب يجعل منها ترمومترا لقياس الشعوب وقعا بذلك في خطاء كبير .
كل تلك المؤشرات والأسس تجعل الطرق ممهدة لحدوث التغيير الشامل في كافة مناحي الحياة وإعطاء قضايا كالصحة والمياه والتلوث البيئي والتغيرات المناخية أولوية في التقييم وإيجاد الحلول السريعة والناجعة فالأنظمة انحصر اهتمامها في الحفاظ على نظامها السياسي وكانت نظرتها إلى هكذا قضايا ثانوية وشبة معدومة كنظرتها للإنسان وحياته المعيشية .. إلى أن أوصلتنا للوضع الكارثي الذي تعيشه البلدان العربية فالأرقام والمؤشرات في الجوانب الصحية والبيئية تضعها في أسفل القوائم .
لو استعرضنا سريعا بعض الدراسات والأرقام لأدركنا مدى خطورة الأزمة .. فاخر الدراسات التي قامت بها الجامعة العربية حول البيئة خلصت أن العالم العربي يخسر ما يقارب 70 مليار دولار سنويا جراء التلوث البيئي .( الجزيرة )
دراسة أخرى ذكرها البروفيسور المهتار مدير معهد قطر لأبحاث البيئة والطاقة تفيد أن الوطن العربي سيواجه انهيار اقتصادي إذا لم تتوفر الزيادة التي سيحتاجها بحلول 2030 في الموارد المائية والمقدرة 1700 مليار متر مكعب أي زيادة تبلغ 40 % عن الحاجة الحالية .. إضافة إلى افتقار العالم العربي للهامش الطبيعي للتكيف مع التغيرات المناخية كمعظم دول العالم.( مجلة علوم وعلم العدد-54)
إحصائية دولية أخرى للوطن العربي نصيب منها تشير إلى وجود 2,5 مليار إنسان من بينهم مليار طفل يعيشون تحت الحد الأدنى المطلوب للنظافة الصحية ما يتسبب بموت طفل كل ثانية.(wsscc)
كل ما سبق يجعل الشعوب والثورات العربية أمام تحدي كبير وضرورة ملحة للتحرك السريع لعدم تفاقم الأزمات والوصول إلى مستوى متقدم للوضع الصحي والبيئي في المنطقة العربية .. كون الفرص مواتية لتحقيق مثل ذلك الحلم من خلال ضغط شعبي وثوري على الحكومات المقبلة لإيلاء كل ذلك أولوية قصوى في خططها وبرامجها والمقايضة على ترشيحها بذلك لارتباطها المباشر بمستقبلها ومستقبل أبنائها .. أضف إلى ذلك وجود الأمل نحو التغيير القائم على العلم في شتى مناحي الحياة يتزامن مع تناغم شعبي وحس وطني منقطع النظير .. كل ذلك قد يسهل نجاح عملية النهوض بالوضع الصحي والبيئي ومواجهة التغيرات المناخية بأقل التكاليف والوقت الممكنين .. فهل يفعلها العرب..!
* صحفي يمني متخصص بشؤون الصحة والبيئة والسكان .