أربعة مسارات لمواجهة أزمة أسعار الغذاء

محمد التفراوتي1 أبريل 2022آخر تحديث :
أربعة مسارات لمواجهة أزمة أسعار الغذاء

آفاق بيئية : ماري بانغيستو*  ( البنك الدولي )

مع احتدام الحرب المدمرة في أوكرانيا بما تسببه من معاناة تعجز عن وصفها الكلمات، يشعر الجميع بآثارها خارج حدود ذلك البلد. وهي تلحق الضرر بعالم كان في طريقه للخروج من جائحة كان لها أشد الأثر على البلدان النامية.  وتمثل أحد أشد هذه الآثار في أزمة أسعار الغذاء، مما يثير التساؤل بشأن توافر القمح وغيره من المواد الغذائية الأساسية بتكلفة ميسورة.

خبز روتي مصنوع من القمح معروض للبيع في سوق في لاهور، باكستان، عام 2019. المصدر: Flore de Preneuf/ World Bank

ولا يقلل أحد من تأثير الضربة التي وجهتها الحرب لأنظمة الغذاء، التي تُعد هشة بالفعل بسبب ما شهدته من اضطراب على مدار عامين من جراء تفشي فيروس كورونا، والتقلبات المناخية الحادة، وإجراءات تخفيض قيمة العملة، والقيود المالية التي تؤدي إلى تفاقم الأوضاع. ولأن أكثر من ربع مبيعات القمح السنوية في العالم تأتي من أوكرانيا وروسيا، فقد أدت الحرب إلى ارتفاع كبير في أسعار الغذاء ، ليس فقط القمح، بل وأسعار الشعير والذرة وزيت الطعام من بين مواد غذائية أخرى يصدرها هذان البلدان. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار المواد الغذائية العالمية والمحلية كانت قريبة بالفعل قبل اندلاع الحرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق. وتلوح في الأفق علامة استفهام كبيرة بشأن محاصيل المواسم المقبلة في جميع أنحاء العالم بسبب الزيادة الحادة في أسعار الأسمدة أيضاً.

“إن نجاحنا في إدارة التقلبات التي تطرأ على أسعار المواد الغذائية وشق طريقنا نحو الخروج من هذه الأزمة الجديدة يعتمد على السياسات على المستوى الوطنية والتعاون على الصعيد العالمي.”

على الرغم من أن هذه الاتجاهات تثير القلق، فإن هذا ليس وقت الشعور بالذعر. إليكم حقيقة قد تثير دهشتكم، وهي أن المخزونات العالمية من الأرز والقمح والذرة – وهي أهم ثلاث مواد غذائية في العالم – لا تزال مرتفعة على نحو غير مسبوق. وتظل مخزونات القمح، وهو السلعة الأولية الأكثر تضرراً من الحرب، أعلى بكثير من مستوياتها إبّان أزمة أسعار المواد الغذائية في 2007-2008. وتشير التقديرات أيضاً إلى أنه تم بالفعل تسليم نحو ثلاثة أرباع صادرات القمح الروسي والأوكراني قبل اندلاع الحرب.

إن نجاحنا في إدارة التقلبات التي تطرأ على أسعار المواد الغذائية وشق طريقنا نحو الخروج من هذه الأزمة الجديدة يعتمد على السياسات على المستوى الوطنية والتعاون على الصعيد العالمي.  ولسوء الحظ، هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها أزمة غذائية.

إنني أتذكر الدروس المستفادة خلال أزمة الغذاء العالمية في 2007-2008، التي حدثت في الأصل بسبب موجات الجفاف وارتفاع أسعار النفط. وعندما فرضت أكبر البلدان المنتجة للمواد الغذائية قيوداً على الصادرات بسبب القلق على إمداداتها الغذائية المحلية، أدى ذلك إلى تفاقم الزيادات في الأسعار وزيادة سوء التغذية، لا سيما لدى الأطفال.

ومن ثم، يجب ألا نرتكب الخطأ نفسه. على النقيض من ذلك، في بداية جائحة كورونا، حافظت البلدان على تدفق حركة تجارة المواد الغذائية حتى في ظل تأثير حالات الإغلاق على عمل الموانئ وعمليات الشحن وتنقل العمالة. وقد ساعد ذلك السلوك التعاوني في الحد من حالات تعطل سلاسل توريد المواد الغذائية على مستوى العالم وتجنب تفاقم الوضع السيئ بالفعل، وبالتالي عاد بالفائدة على جميع البلدان.

وبناءً عليه، يجب أن نتخذ من هذه الشواهد والتجارب دليلاً يرشدنا لتحقيق التوازن بين الاستجابة الفورية في مواجهة الأزمة والمضي قدماً في الطريق الطويل والشاق لإنشاء نظام غذاء أكثر قدرة على الصمود يوفر الحماية للناس من الصدمات. وفي هذا السياق، فإنني أرى أربع أولويات يجب على البلدان والمجتمع الدولي النظر فيها.

أولاً، الحفاظ على استمرار تدفق تجارة المواد الغذائية. لقد تعلمنا من التجارب السابقة أنه يتعين على البلدان والمنظمات الدولية أن تقف متحدة مرة أخرى في التزامها بالحفاظ على إنتاج المواد الغذائية وتوفيرها. وقد دعت مجموعة الدول السبع البلدان كافة إلى إبقاء أسواق المواد الغذائية والزراعية لديها مفتوحة، وأن توفر سبل الحماية من أي قيود غير مبررة على صادراتها.

ثانياً، دعم المستهلكين والأسر الأكثر تضرراً عن طريق شبكات الأمان. من الضروري الحفاظ على استمرار برامج الحماية الاجتماعية التي تخفف من حدة الأضرار التي تلحق بالمستهلكين، أو توسيع نطاق هذه البرامج. والأمر لا يقتصر على توافر المواد الغذائية، بل تُعد القدرة على تحمل تكلفتها مصدر قلق لا سيما في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل ، حيث ينفق السكان نسبة أكبر من دخلهم على الغذاء مقارنة بالبلدان مرتفعة الدخل. وقد لجأ الكثيرون بالفعل إلى خفض الإنفاق قبل الحرب بسبب انخفاض الدخل وارتفاع أسعار المواد الغذائية. وفي أي بيئة محدودة الموارد، يجب على الحكومات إعطاء الأولوية لدعم الأسر الأكثر تضرراً.

ثالثاً، دعم المزارعين. بينما تُعد مخزونات المواد الغذائية العالمية كافية اليوم، فإننا بحاجة إلى حماية محصول الموسم المقبل من خلال مساعدة منتجي المواد الغذائية على التعامل مع الزيادة الحادة في أسعار مستلزمات الإنتاج، بما في ذلك تكاليف الأسمدة وقلة توافرها. ومن شأن إزالة الحواجز التجارية على مستلزمات الإنتاج، والتركيز على تحسين كفاءة استخدام الأسمدة، وإعادة توجيه السياسات العامة والإنفاق العام لتقديم دعم أفضل للمزارعين أن تساعد جميعاً في حماية إنتاج المواد الغذائية بعد ستة أشهر من الآن.  لقد آن الأوان أيضاً لأن نستثمر في المزيد من البحوث والتطوير في هذا المجال لأن توسيع نطاق العلوم الناشئة، وتطبيق استخدام الأسمدة الحيوية التي تعتمد على نحو أقل على الوقود الأحفوري مقارنة بالأسمدة الصناعية، من شأنهما أن يزيدا من الخيارات المستدامة المتاحة للمزارعين.

ويقودني هذا الأمر إلى النقطة الرابعة والأهم وهي أنه حتى عندما نستجيب للاحتياجات العاجلة، يجب أن نعمل على تغيير أنظمة الغذاء حتى تصبح أكثر قدرة على الصمود وتحقيق الأمن الغذائي والتغذوي الدائم.  وكانت أنظمة الغذاء تعاني بالفعل من أزمات متعددة قبل الحرب. وكان انعدام الأمن الغذائي الحاد في ازدياد في العديد من البلدان، مما يعكس آثار الصدمات الاقتصادية، والصراعات المتعددة، وموجات الجفاف غير المسبوقة في تاريخ شرق أفريقيا، وغزو أسراب الجراد.

وفي العامين الماضيين فقط، قدم البنك الدولي مساندة كبيرة لتدابير الأمن الغذائي  – بلغت نحو 17 مليار دولار سنوياً، وهو المبلغ الذي ارتفع من 12 مليار دولار سنوياً في المتوسط في السنوات الثلاث السابقة. وقد وجه تلك المساندة في المقام الأول إلى التدابير الخاصة بالزراعة والحماية الاجتماعية. ونحن نساعد البلدان أيضاً على الاستجابة المبكرة لمواجهة أزمات الأمن الغذائي الناشئة، بما في ذلك عن طريق حشد المساندة من آلية تمويل الاستجابة المبكرة في نافذة التصدي للأزمات التابعة للمؤسسة الدولية للتنمية والعمل مع الشركاء في المجال الإنساني لرصد حالات انعدام الأمن الغذائي.

“يمكن لأنظمة الغذاء، بعد إدخال التحويلات المطلوبة عليها، أن تصبح حجر الزاوية لتحقيق تنمية خضراء شاملة للجميع ولديها القدرة على الصمود وتعزيز صحة الناس، والاقتصادات، بل وكوكب الأرض برمته.”

ومن الأهمية بمكان مواصلة العمل على هذا المسار، ومساعدة البلدان النامية على العودة إلى المسار الصحيح في الجهود التي تبذلها من أجل التعافي. وعلى المدى الطويل، يتعين على الحكومات والشركات الخاصة والشركاء الدوليين العمل من أجل توفير أنظمة إنتاج أكثر إنتاجية وكفاءة في استخدام الموارد وأكثر تنوعاً وتوفر التغذية السليمة لضمان الأمن الغذائي والتغذوي في مواجهة تزايد مخاطر تغير المناخ والصراعات، والمخاطر الاقتصادية. ويُعد هذا أحد المجالات الخمسة التي نعطيها الأولوية للعمل المناخي.

إن توجيه الإنفاق العام وتعبئة التمويل الخاص والاستثمار في الابتكار والبحوث والتطوير على نحو أفضل ستكون عوامل أساسية “لتحقيق المزيد باستخدام موارد أقل”. ويعني هذا إنتاج مواد غذائية أكثر تنوعاً وأعلى قيمة غذائية لسكان العالم الآخذ عددهم في التزايد، وذلك باستخدام كم أقل من المياه والأسمدة، مع الحد من تغيير استخدام الأراضي وانبعاثات غازات الدفيئة.

وأخيراً، يمكن لأنظمة الغذاء، بعد إدخال التحويلات المطلوبة عليها، أن تصبح حجر الزاوية لتحقيق تنمية خضراء شاملة للجميع ولديها القدرة على الصمود وتعزيز صحة الناس، والاقتصادات، بل وكوكب الأرض برمته.

*المديرة المنتدبة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!