آفاق بيئية : محمد التفراوتي
أضحت حرائق الغابات والواحات ظاهرة عالمية تضاهي تأثيراتها الكوارث الطبيعية التي تطال مختلف الموارد الطبيعية وتجهز على الأخضر واليابس وتخلف دمارا يستوجب لملمة آثاره سنوات طوال.
وباتت اجتياحات حرائق الغابات والواحات بالمغرب مؤرخة في أذهان المغاربة ، وفق كرونولوجية سنوية. ظاهرة مؤرقة تتطلب مجهودات مضاعفة ويقظة مستمرة لوقف زحف ألسنة النيران وحرائق الواحات والغابات المتتالي.
نلدغ من الجحر كل مرة بحرائق الغابات والواحات بالمغرب. يتذكر المغاربة ، في ما مضى ، حين وصل مستوى حريق غابات أمسكروض بضواحي أكادير (جنوب المغرب) لأول مرة إلى” المستوى الرابع” في التدخل، لخطورة الحريق . مما استدعى تعاونا دوليا.التهمت الحرائق ، ما يقارب 960 هكتار .
خلال السنة الجارية تم تسجيل حوالي 220 حريق بالمغرب التهمت ما يناهز 2722 هكتار من مساحة الغابات المحروقة .
تأثرت جميع مناطق المملكة المغربية تقريبا بدرجات متفاوتة بحرائق الغابات ، ذلك أن 30 في المائة من الحرائق المعلنة وطنيا تقع في شمال المغرب بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة. و 55 في المائة من المساحة المحروقة تقع أيضا بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة ، حيث احتلت منطقة شفشاون المرتبة الأولى بتسجيل 16 حريقاً وتضرر حوالي 1114 هكتاراً من الغابات. وأدى حريق “دردارة – تناقوب ” وحده إلى حرق 1100 هكتار من الغابات .
وامتدت شرارة النيران إلى واحة زيز بأوفوس (إقليم الرشيدية)، بإجهازها على أزيد من 2540 نخلة ، وأكثر من 1500 شجرة زيتون. وذلك على مساحة 20 هكتارا . ولم تسلم حقول واحة منطقة زاكورة حيث التهمت الحرائق ما يقرب من 15 هكتارا من أشجار النخيل . وشهد كل من منطقتي “تاجيسيفت” و”توغزة” فقدان ما بين 2000 و 2500 نخلة على مساحة تقارب 15 هكتارًا.
وعرفت منطقة أوفوس ، في شهر غشت الماضي احتراق ما يناهز 40 هكتار أي 5500 نخلة هذا فضلا عن ضياع ما يناهز 200 شجرة من ضمنها 100 شجرة زيتون .
سلسلة حرائق هي إذن في واحات الجنوب الشرقي للمغرب بكل من “درعة” و”زيز” بنواحي مدينة الراشيدية و”تغجيجت” بنواحي مدينة كلميم (باب الصحراء المغربية). أتلفت العشرات الالاف ، من أشجار النخيل ،خلال السنة الماضية ، حيث بلغ عددها بجماعة ” أفلاندرا”)إقليم زاكورة) ما يقارب 5000 نخلة .و6000 نخلة خلال هذه السنة بجماعة أفرا (إقليم زاكورة) ، هذا فضلا عن حرائق أخرى أسبوعيا تطال المئات من النخلات في مناطق مختلفة تتعقبها الوقاية المدنية المغربية الخاصة بالإطفاء.
ويرجع بصفة أساسية الأسباب الوجيهة لتفشي الحريق في الواحات المغربية إلى استمرار ظاهرة الجفاف و ارتفاع شبه منتظم في درجات الحرارة في الصيف .وقلة الري عبر “الساقيات ” الآتية من الوادي ، وعدم غمر مياهها للحقوق والبساتين التي من المفروض استغلالها من قبل المزارعين لإشباع النخيل بالماء ليعم الإخضرار ويقل الجفاف مما يحول دول جفاف سعف النخيل ،السريع الإشتعال في أدنى غفلة من لدن الساكنة .
ويساهم تغير العادات الإجتماعية لساكنة الواحات في تفاقم ظاهرة حرائق الواحات، وذلك من خلال قلة أو عدم استخدام المخلفات النباتية من أشجار النخيل والنباتات الأخرى كحطب في الطهي والتدفئة واستبدالها بالغاز بدل سعف النخيل ، مما جعل أوراق النخيل اليابس أدوات ميسرة لإندلاع الحريق . ثم يعد تسييج بعض بساتين نخيل الصغيرة بجدران إسمنتية من بين العوامل المساهمة في عدم التمكن من ضبط اندلاع الحريق . وغالبا ما يحضر عمال حقول النخيل الشاي تحت أشجار النخيل ولا تنطفئ النار بشكل جيد.
و يغلب على حقول وبساتين نخيل التمر طابع الملك الخاص وتقع في بعض الأحيان تحت طائلة الإهمال بفعل موت أصحابها وبالتالي يتم تجزئتها وانتقال ملكيتها إلى ورثة يختلف رؤيتهم للمجال الواحاتي عن جيل الآباء.
فالعلاقة بين الإنسان القروي، خصوصا الجيل الحالي ، ومجال الثروة الواحاتية شهدت تغيرات من حيث السلوك وقراءة المحيط والمعرفة المحلية .فالإنسان القروي لم يعد له سلوكات تقدرالخطر المحدق بالثروة الواحاتية والمجال الطبيعي كما كان آنفا .هناك تغير في المجتمع لم تعد له تجربة في التعامل مع المحيط البيئي والعوامل الطبيعية .
وتشهد واحات النخيل المغربية عدم انتظام عملية التشديب (التقليم ) الزراعي للنخيل بل تنعدم في معظم الحالات.ولا تأخذ عملية التنظيف في الحسبان المنافذ الزراعية التي تتيح سهولة الولوج داخل الواحات.ثم عدم وجود مواقع خاصة لحرق النفايات. وعدم استغلال وتثمين النفايات النباتية لإنتاج الأخشاب المصنعة والسماد وفق التقنيات المناسبة. وتفتقد الواحات لنظام الرصد والإنذار و نظام تعويض الملاك الذين فقدوا نخيلهم وممتلكاتهم. وبذلك يستوجب تقوية الروابط والتنسيق بين مختلف المؤسسات العامة والمحلية والمجتمع المدني في إطار مخطط عمل يتسم بالمتابعة والتقييم.
مقاربة وضع حريق الواحات المغربية يتطلب مراعاة عنصرين أساسيا ،أولا يجب تناول هذه المعضلة في سياق هيكلي إذ أصبحت إشكالية الحرائق توازي إشكالية التقلبات المناخية.وبذلك يجب إدماج هذا البعد في إستراتيجية أو تصور جديد يهم تدبير الموارد الطبيعية بصفة عامة . ثانيا يجب الحث على الجانب التوعوي لكون العامل البشري أي الساكنة المحلية بات واضحا أنها مساهمة في تفشي هذه الآفة.
وتعد مختلف الأحداث الطبيعية المتطرفة التي طالت العالم أجمع من بين المؤثرات الجلية ،خصوصا أمام الظروف المناخية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط عامة والجفاف الهيكلي وانقطاع التساقطات المطرية لفترات طويلة، عادة بين ماي وأكتوبر، ما يجعل الواحات عرضة لمخاطر الحريق. ويعد تغير المناخ وآثاره على ارتفاع درجة الحرارة وسرعة الرياح الشرقية من العوامل الطبيعية يستلزم استحضارها في مقاربة هذه المعضلة بالمنظومة الواحاتية المغربية .
الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر الأركان
وتعمل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات و شجر الأركان بالمغرب التابعة
لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات على تعبئة مختلف المتدخلين و تأطير و تنسيق الجهود المبذولة ، كما تسعى إلى تنزيل برنامج الحد من الحرائق والرفع من النجاعة في التدخل لحماية الواحات وهو خطة متكاملة تتغيى وضع خطة عمل مندمجة تتواءم مع الوضع المحلي لكل واحة ، وتتجه نحو المبادرة الإستيباقة الحماية الذاتية لمختلف الحرائق المحتملة.
وتعمل الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر من ضمن مهامها على وضع برنامج شامل للتنمية على مستوى الواحات المغربية وذلك بتنسيق مع السلطات والقطاعات الحكومية والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني.
ومن خلال المساهمة في الرفع من البنيات التحتية الأساسية و الإجتماعية
وكذا تحسين التنافسية في الواحات من الجانب الإقتصادي في أفق خلق الثروة والتشغيل فضلا عن الحفاظ وحماية الموارد الطبيعية وخاصة المياه والتربة.
مركز وطني لتدبير المخاطر المناخية بالمغرب
يوجد بالمغرب مركز وطني لتدبير المخاطر المناخية بالمغرب،يقوم بالإشراف والمتابعة على الصعيد الوطني لبرامج الوقاية والتنبؤ قصد الحد من حرائق الغابات ومخاطر الآفات. ويعمل على تحسين فعالية وكفاءة عملية التنسيق بين جميع الشركاء من أجل توفير المعلومات في الوقت المناسب حول الحرائق وصحة الغابات وحالة الوسائل المعبئة إلى أمكنة الحرائق . وكذا نشر وتبادل المعلومات وفقا للأوامر والإجراءات التنفيذية التي أنشئت لهذا الغرض .و تحقيق الدعم المناسب في الوقت المناسب مابين المؤسسات والإدارات المعنية، في كل ما يتعلق بصحة الغابات والمحافظة عليها.
ويذكر أن المركز يأتي في إطار التعاون الدولي مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية .
يشار أن المغرب راكم تجارب مهمة في مجال مكافحة حرائق الغابات من حيث المنهجية المعتمدة أو النتائج المنجزة. وللمغرب ، بفضل تجربته ، اتفاقات تعاون جنوب الجنوب، خاصة مع دول أمريكا اللاتينية (كوستاريكا)، فيما يتعلق باستراتيجية ونظام المعلومات في مكافحة حرائق الغابات.
نشرت هذه الورقة باللغة الإنجليزية في كتاب أصدرته جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي حول Mejhoul Variety”
The Jewel of Dates
-origin,distribution and -international “markets-
(نوع المجهول جوهرة التمر -الأصل والتوزيع والأسواق الدولية- )