آفاق بيئية : ماريا فرناندا إسبينوزا ؛ دانيلو تورك
نيويورك ــ يواجه العالَـم سلسلة من التهديدات الخطيرة ــ من النزعة القومية الإقصائية إلى المنافسة بين القوى العظمى إلى فجوات التفاوت المتزايدة الاتساع ــ التي تحول دون تمكين المجتمع الدولي من العمل على نحو متضافر لحل تحديات معقدة أخرى، مثل توزيع لقاحات مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) وتسارع وتيرة تغير المناخ. لكن الأزمات العالمية تتطلب حلولا عالمية، وفي تقريره المرتقب بشدة، بعنوان “أجندتنا المشتركة”، حدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش رؤية جديدة للتعاون المتعدد الأطراف.
يمثل تقرير “أجندتنا المشتركة”، الذي يأتي في الاستجابة للالتزامات التي جرى إقرارها في الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت العام الماضي، دعوة واضحة لـحوكمة عالمية أفضل وأكثر شمولا ــ النوع المطلوب لبناء مستقبل أكثر اخضرارا وعدالة وأمانا. يقدم التقرير، غير العادي بين التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة من حيث طوله ومضمونه ونطاقه، مجموعة من الأفكار الواعدة لاستراتيجية جريئة لكنها تتسم بالحس العملي لإدارة التحول.
تولي توصيات جوتيريش قدرا غير عادي من الاهتمام للتعجيل بتنفيذ الاتفاقيات الدولية القائمة، بدءا من اتفاقية باريس للمناخ التي أبرمت عام 2015 وأجندة التنمية المستدامة 2030. إلى جانب هذه المبادرات المهمة لحماية المشاعات العالمية، أصبح إنشاء منتدى جديد لإدارتها يشكل ضرورة أخلاقية وعملية. وهنا يفتح جوتيريش آفاقا جديدة من خلال الدعوة إلى إعادة توظيف وتوجيه مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة نحو الإشراف على إدارة المحيطات، والغلاف الجوي، والفضاء الخارجي. كما ستكون هذه الهيئة مسؤولة بعد إعادة تنشيطها عن تحسين عمليات تسليم المنافع العامة والاستجابة للتهديدات العالمية.
علاوة على ذلك، أَقَـرَّ جوتيريش اقتراح نادي مدريد لعقد قمة اجتماعية عالمية في عام 2025 لدراسة أسباب ارتفاع معدلات الفقر، وتقييم التطورات التي ساهمت في اتساع فجوة التفاوت في الدخل، وتشجيع السياسات اللازمة لضمان مجتمع أكثر عدالة وإنصافا. ينبغي للمناقشات في إطار القمة أن تبني الزخم من أجل التنفيذ الكامل لأهداف التنمية المستدامة وضمان تنمية اقتصادية عريضة القاعدة وخضراء بعد جائحة كوفيد-19.
يتطلب العقد الاجتماعي الجديد اللازم للتصدي للفقر، وفجوات التفاوت المتزايدة الاتساع، وأزمة المناخ المتفاقمة، مشاركة المجتمع المدني، وكان جوتيريش محقا في التأكيد على الدور الذي سيضطلع به هذا العقد الجديد في تحقيق قدر أعظم من التضامن الدولي. يشير جوتيريش أيضا إلى ضرورة دعم المساهمات المتزايدة من جانب المواطنين في العمل الجماعي داخل الحدود وعبرها. ومن المشجع أن أجندتنا المشتركة تقترح دمج مراكز اتصال وتنسيق تتألف من منظمات المجتمع المدني في كل كيانات الأمم المتحدة.
لكن الأمر يتطلب بذل المزيد من الجهود. اقترحت مبادرتان حديثتان من مبادرات المجتمع المدني ــ مبادرة “نحن الشعوب ندعو إلى حوكمة عالمية شاملة”، ومبادرة “مـعا أولا” ــ إنشاء منصب مبعوث المجتمع المدني الرفيع المستوى إلى الأمم المتحدة، على أن يكون مسؤولا بشكل مباشر أمام جوتيريش. هذا المنصب من شأنه أن يضمن الاتساق، والتقارير العالية المستوى، بل وحتى زيادة قدرة منظمات المجتمع المدني على المشاركة في عمليات اتخاذ القرار وتخطيط البرامج على مستوى نظام الأمم المتحدة بالكامل.
يتطلب تحقيق أجندة جوتيريش الطموحة من أجل تعددية أكثر شمولية وترابطا وفعالية، الاستعانة باستراتيجية منسقة. يجب أن يكون الهدف إعادة بناء وتعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم المشتركة، حتى يتسنى للنظام العالمي أن يعمل بقدر أكبر من الفعالية في التعامل مع القضايا الكبرى التي تواجه المجتمع الدولي. وتشكل مبادرة جوتيريش لعقد “قمة المستقبل” في بداية الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2023 بداية جيدة نحو الارتقاء بهيكل الحوكمة العالمية.
في إطار التحضير للقمة، نؤيد الدعوة التي أطلقها الأمين العام لتشكيل مجلس استشاري رفيع المستوى بقيادة رؤساء دول أو حكومات سابقين. سيكون الهدف من هذه الهيئة تحديد المنافع العالمية العامة الأكثر احتياجا إلى تحسين الحوكمة. كما سيقدم المجلس الاستشاري منظورا سياسيا متوازنا للأعمال التحضيرية.
في الوقت ذاته، من الممكن أن تساعد المشاورات التي تسبق القمة في تحسين وصقل مقترحات جوتيريش بشأن أجندة للسلام، وميثاق رقمي عالمي، وإعلان بشأن أجيال المستقبل، ومنصة طوارئ جديدة لتجميع القوى الفاعلة الرئيسية على مستوى العالم في الاستجابة للأزمات المعقدة. كل من هذه المقترحات ــ فضلا عن مقترحات إبداع الحوكمة العالمية المتصلة بها التي ندعمها ــ تستحق الدراسة الجادة من قِـبَـل البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة وتشكل في مجموعها الأساس لمشروع طموح يشارك فيه أصحاب مصلحة متعددون لمدة عامين، ويتوج بقمة 2023.
نحن نحث قادة العالم على الاهتمام برؤية الأمين العام للمستقبل وما يتصل بها من توصيات صادرة عن 50 وزيرا حكوميا سابقا وكبار مسؤولي الأمم المتحدة السابقين من أجل “عملية حكومية دولية مخصصة” تهدف إلى “تعزيز وإصلاح الآلية القانونية والمؤسسية التي تحكم عمل منظومة الأمم المتحدة”. من خلال حشد قوى فاعلة متنوعة على مستوى العالم ــ والتي تضم صناع سياسات، وناشطين، وأكاديميين، ورجال أعمال ــ يصبح بوسع المجتمع الدولي أن يضمن تحول التفويض الذي اعتمدته الجمعية العامة في العام السابق، والذي يقضي بالعمل بصورة جماعية على تشكيل “المستقبل الذي نريده”، إلى حقيقة واقعة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي
*ماريا فرناندا إسبينوزا رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقا، وهي الرئيسة المشارِكة للجنة التوجيهية لمبادرة “الأمم المتحدة التي نحتاج إليها”. دانيلو تورك رئيس سلوفينيا الأسبق، ويشغل حاليا منصب رئيس نادي مدريد، وهي منظمة تضم أكثر من مائة من الرؤساء ورؤساء الوزراء السابقين المنتخبين ديمقراطيا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.