الاستثمار في البيانات يُنقذ الأرواح

محمد التفراوتي3 يونيو 2021آخر تحديث :
الاستثمار في البيانات يُنقذ الأرواح

مارك لوكوك *- وراج شاه* 

نيويورك – عند بداية اندلاع جائحة كوفيد 19 في مارس / آذار 2020، لم يكن لدى أفغانستان سوى 300 جهاز تنفس اصطناعي ووحدتين للعناية المركزة. توقعت النماذج الوبائية المبكرة أن البلاد، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 38 مليون نسمة، ستبلغ ذروة تصل إلى 520.000 حالة إصابة و 3900 حالة وفاة يوميًا بحلول بداية الصيف. وفي مواجهة احتمال إصابة عشرة ملايين شخص في غضون أشهر قليلة، استعد عمال الإغاثة والمسؤولون الحكوميون لكارثة صحية عامة.

ولمساعدة صُناع القرار على فهم كيفية توجيه مواردهم المحدودة، استخدم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومؤسسة روكفلر البيانات الفعلية لأفغانستان – بما في ذلك معدلات الإصابة بفيروس كورونا ومواقع مرافق الرعاية الصحية – لتحديد عدد حالات الإصابة وحالات الاستشفاء والوفيات على مدى أربعة أسابيع. وقد ساعدت هذه التوقعات الأكثر واقعية السلطات في الاستعداد لارتفاع معدل حالات الإصابة والوفيات التي تبين أنها أقل وأبعد من النماذج الأخرى. يتيح التنبؤ الدقيق بالاحتياجات استجابة إنسانية أكثر فعّالية.

ومع ذلك، تُعد النماذج جيدة مثل البيانات التي تستند إليها. ومن أجل الاستعداد للأزمة المُقبلة، يتعين على العالم الحصول على بيانات أفضل ومشاركتها.

كان المبدأ التوجيهي الذي استند إليه نموذجنا، والذي قمنا بتطويره بمساعدة مختبر الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة جونز هوبكنز، يكمن في دعم اتخاذ القرارات التنفيذية قصيرة الأجل لحماية وإنقاذ المزيد من الأرواح أثناء الأزمات الإنسانية. بالإضافة إلى أفغانستان، استخدمنا النموذج في جمهورية الكونغو الديمقراطية والعراق والصومال وجنوب السودان والسودان. قمنا بإدراج البيانات المتعلقة بفيروس كورونا المُستجد المُعدلة لمراعاة عدم توفير بيانات كافية، فضلاً عن بيانات عن ممارسات التنقل والبنية التحتية للرعاية الصحية ونقاط الضعف الأساسية للسكان الناتجة عن انعدام الأمن الغذائي أو الأمراض المُشتركة مثل مرض السكري.

وقد أظهرت تجربتنا في بناء نموذج تنبؤي واستخدامه من قبل مسؤولي الصحة العامة في هذه البلدان أنه يمكن الحصول على نتائج إنسانية أفضل من خلال هذا النهج. ولكنه كان أيضًا تذكيرًا بأن التحديات الكبيرة لجمع البيانات، فيما يتعلق بكل من الفجوات والجودة، تحد من جدوى وأهمية هذه النماذج بالنسبة للبلدان الأكثر ضعفًا في العالم. على سبيل المثال، كانت البيانات المتعلقة بانتشار أمراض القلب والأوعية الدموية تتراوح بين 4 و 7 سنوات في العديد من البلدان الفقيرة، وغير مُتاحة على الإطلاق في السودان وجنوب السودان.

وعلى الصعيد العالمي، ما زلنا نفتقد حوالي 50٪ من البيانات اللازمة للاستجابة بفعالية في البلدان التي تعاني من حالات الطوارئ الإنسانية. يتعاون مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية  ومؤسسة روكفلر من أجل تقديم إشارات إنذار مُبكرة أفضل لحدوث الأزمات، أثناء وبعد جائحة كوفيد 19. لكن تحقيق الإمكانيات الكاملة لنهجنا يعتمد على مساهمات الآخرين.

لذلك، بينما تتأمل الحكومات وبنوك التنمية والوكالات الإنسانية والإنمائية الرئيسية في السنة الأولى من الاستجابة للجائحة، فضلاً عن المناقشات التي جرت في اجتماعات الربيع التي عقدها البنك الدولي مؤخرًا، يجب أن تدرك الدور الحاسم الذي ستلعبه البيانات في الخروج من هذه الأزمة ومنع حدوث أزمات مماثلة في المستقبل. يجب أن يكون سد الفجوات في البيانات الهامة أولوية قصوى لجميع الجهات الفاعلة الإنسانية والإنمائية.

وبالتالي، يتعين على الحكومات والمنظمات الإنسانية وبنوك التنمية الإقليمية الاستثمار في جمع البيانات، والهياكل الأساسية لمشاركة البيانات، والأشخاص الذين يديرون هذه العمليات. وبالمثل، يجب أن يميل أصحاب المصلحة هؤلاء إلى مشاركة بياناتهم على نحو مسؤول باستخدام منصات البيانات المفتوحة والتي تحافظ على معايير التشغيل المُتبادل الصارمة.

في حالة عدم توفر البيانات، يجب على القطاع الخاص تطوير مصادر جديدة للمعلومات من خلال أساليب مبتكرة مثل استخدام بيانات شبكات التواصل الاجتماعي المجهولة الهوية أو سجلات المكالمات لفهم أنماط حركة الناس. وبطبيعة الحال، تعتمد مشاركة البيانات على الثقة. لذلك، يجب على العالم الاستجابة إلى دعوة البنك الدولي الأخيرة لإبرام عقد اجتماعي جديد للحصول على البيانات على أساس القيمة الاجتماعية والاقتصادية المشتركة، والمنافع العادلة، وتعزيز الثقة في عدم إساءة استخدام البيانات من قبل أولئك الذين يجمعونها.

إن النظام الإنساني العالمي فعال للغاية، لكن احتياجات اليوم غير مسبوقة. من المتوقع أن يحتاج 235 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، بزيادة قدرها 40٪ تقريبًا مقارنة بعام 2020، إلى المساعدات الإنسانية والحماية هذا العام. إن معدل الجوع آخذ في الارتفاع، والنزوح الداخلي يصل إلى أعلى مستوياته منذ عقود، والظواهر المناخية القاسية أكثر شيوعًا، وتفشي الأمراض في تصاعد. وفي غضون ذلك، تتسع الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية والتمويل المُتاح لتلبيتها.

تسمح البيانات عالية الجودة لصناع السياسات خلال الأزمات بتخصيص الموارد المحدودة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا، وقد أبرزت جائحة فيروس كوفيد 19 الحاجة الماسة إلى المزيد من الموارد. يجب على العالم أن يأخذ هذا الدرس بعين الاعتبار من خلال الاستثمار في البنية التحتية للبيانات والقدرات البشرية اللازمة للتغلب على الأزمات والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية وبدء الاستجابات في وقت مبكر. بالنظر إلى عدد الأرواح التي سيتم إنقاذها، سيكون العائد هائلاً.

*مارك لوكوك هو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

*راج شاه هو رئيس مؤسسة روكفلر.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!